زوال الأحد الماضي، أنهت الدورة الثانية للجنة الإدارية للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أشغالها, بإجماع غير مسبوق, على جميع القرارات المتعلقة بآليات اشتغالها، وعلى البيان العام الذي يحدد المواقف السياسية للحزب واستراتجيه عمله، التزاما بمقررات المؤتمر الوطني التاسع وتنفيذا لها. ومما زاد من قوة هذا الإجماع أنه لم يكن وليد «تسوية» ما، تمت في الخفاء، كما يذهب إلى ذلك الشامتون, كلما استطاع الاتحاد تجاوز خلافاته على نحو إيجابي، وإنما كان نتاج حوار شفاف، ديمقراطي، ومسؤول، بعيدا عن كل تشنج ومزايدة، وبمنأى عن منطق الأقلية والأغلبية. إن الروح الايجابية التي خيمت على أشغال اللجنة الإدارية لم تفاجئ الاتحاديين الصادقين ولا من خبروا حكمة الاتحاد وفلسفته في التعاطي مع توتراته الداخلية، والتي تؤكد بالملموس أن الاتحاد حزب حي انصهر فيه منذ لحظة الولادة كل القوى الاجتماعية التقدمية ذات الأفق الديمقراطي والعمق الوطني والبعد الاشتراكي الإنساني، لكنها كانت جوابا اتحاديا خالصا لكل من حاول وسيحاول دوما الاصطياد في الماء العكر، ولو على حساب الحق والحقيقة والأخلاق . ومما لا شك فيه، أن هذا الانجاز الاتحادي الأصيل هو إنجاز كل أعضاء اللجنة الإدارية، الذين لم يتوانوا في التعبير عن اقتناعاتهم وتصوراتهم بخصوص كل القضايا الفكرية والسياسية والتنظيمية، من قبيل مستجدات قضية وحدتنا الترابية، والأداء الحكومي في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة، ومأسسة التيارات داخل الحزب، ووحدة الحركة الاتحادية، والانخراط في النضالات الاجتماعية والتحالفات.ومن المؤكد أن كل رموز الاتحاد وقيادييه على كل الواجهات وأطره المخلصة قد أسهمت في تجاوز بعض تداعيات ما عاشه المؤتمر التاسع من «صراعات» اعتبرناها في حينها عابرة. بالتأكيد أن حزب الاتحاد الاشتراكي يعيش نقاشا داخليا مستمرا، وهو نقاش لا ينتهي، ولن ينتهي، مادامت الحياة السياسية ببلدنا تمور بقضايا أساسية لم تحسم بعد وحبلى بالمفاجآت، في مقدمتها قضية وحدتنا الترابية، واستكمال البناء الديمقراطي في علاقته بمسألة الحريات، والتطبيق الديمقراطي للدستور الجديد في أفق إقرار الملكية البرلمانية الحداثية، والإصلاح الديني وغيرها، وهي قضايا متداخلة وموضوع صراع حقيقي بين قوى داخلية متعارضة المصالح والمرجعيات، ومن الطبيعي أن تكون موضوع اجتهادات شتى داخل الاتحاد وداخل المجتمع السياسي برمته. ناهيك عن التدافعات التي تعيشها كل الأحزاب السياسية الديمقراطية إبان كل استحقاق داخلي/تنظيمي أو استحقاق انتخابي. في ارتباط بما سبق، يمكن القول أن دورة اللجنة الإدارية هاته، سجلت بحق لحظة نوعية في مقاربة الاتحاد لاختلافاته، ووضعت حدا لكل الشائعات السخيفة عن خطر الانشقاق، أو على الأقل استمرار الشقاق والحرب الداخلية، التي راهن عليها البعض لإضعاف الحزب والحيلولة دون إنجاز المهام الأساس الملقاة على عاتقه، باعتباره حزبا معارضا ذا رسالة تاريخية جوهرها دمقرطة الدولة وتحديث المجتمع والدفاع عن الحريات وتحقيق التنمية العادلة والدود عن وحدة الوطن. في هذا المناخ السليم، الذي يقوم على الاختلاف في النظر مع احترام قواعد العمل الحزبي والتمسك بالنهج الديمقراطي في التعاطي مع القضايا الخلافية أيا كانت طبيعتها وحدتها، يمكن لنقاشنا الداخلي أن يكون منتجا ويمكن لكل أطر الحزب ومناضليه أن يبدعوا في كل مجالات العمل الحزبي على المستوى الفكري والسياسي والتنظيمي. ومن الأكيد أننا في الاتحاد بحاجة ماسة وربما ملحة لإعادة الاعتبار للنقاش الفكري داخل الحزب الذي يعتبر مدرسة أصيلة في الفكر السياسي وفي الممارسة النضالية وضع أسسها المهدي وعمر وعبد الرحيم وعابد الجابري ومحمد جسوس وغيرهم من علمائنا الأجلاء وأساتذتنا المرموقين في شتى مباحث المعرفة الاقتصادية والفلسفية والقانونية وغيرها...فلنعمل في هذا الاتجاه وبهذه الروح. ولنقرن هذا الجهد النظري والفكري المنشود، بالانخراط الجماعي والملتزم في عملية إعادة بناء الاتحاد تنظيميا وجماهيريا، قصد استعادة موقعه الريادي في المشهد السياسي الوطني. إنه السبيل القويم من وجهة نظرنا لتمكين الحزب من النهوض بالدور المطلوب منه في توحيد الحركة الاتحادية وقيادة جبهة الديمقراطية والحداثة في أفق مؤتمر وطني عاشر, أخاله مؤتمر الحزب الاشتراكي الكبير الذي سيتسع لا محالة لكل التيارات.