البرامج السياسية الساخرة في العالم العربي ما تزال ظاهرة جديدة ارتبط ظهورها بمرحلة الربيع العربي. فهامش الحرية الذي اتسع في بعض الدول العربية، سمح بظهور مثل هذه البرامج. بعضها ينتقد السياسة الساسة «باحتشام» وبعضها يتعرض للسياسيين ولنافذين بشكل مباشر مثل برنامج «البرنامج» لصاحبه باسم يوسف الذي اكتسب شعبية كبيرة من خلاله، ليس في مصر فقط و إنما في العالم العربي، خاصة بعض المضايقات التي تعرض لها واتهامه بإهانة الرئيس المصري وازدراء الدين الإسلامي. الكاتب المغربي إدريس كسيكس يرى في ظهور هذا النوع من البرامج في العالم العربي امتدادا طبيعيا لثورات الربيع العربي وما ظهر معه من حاجة إلى مساءلة المسؤولين والسياسة. وبين من يعتبرها برامج هادفة وجريئة تسعى للنهوض بالمشهد السياسي، ومن يعتبرها مجرد وسيلة لتحقيق الشهرة والربح المادي، تحظى هذه البرامج باهتمام فئة من الجمهور العربي. في لبنان البرامج السياسية الساخرة ليست بالأمر الجديد. فقد كان ظهورها مبكرا وتنوعت تلك البرامج ومضامينها بتنوع القنوات التلفزية اللبنانية وتوجهاتها، وتحولت إلى «سلاح» تستخدمه الأطراف السياسية المختلفة في لبنان لتمرير خطاباتها وخدمة مصالحها وأحيانا نقل الصراعات الموجودة بينها إلى التلفزيون. أما في تونس فقد تحولت قناة «نسمة» التلفزيونية من محطة تركز على المنوعات والترفيه في عهد بن علي إلى إنتاج برامج ساخرة تتناول قضايا المغرب العربي، ومنها برنامج «گينول الأخبار» الذي أطلقته القناة بالتعاون مع قناة «كنال بلوس» الفرنسية. الكاتب المغربي إدريس كسيكس يقول في حوار أجرته معه «دوتشي فيلي عربية» ،إن هذا النوع من البرامج لم يكن موجودا بهذا الكم قبل الربيع العربي؛ بل كان الأمر يقتصر على الصحف التي كانت تنتقد من خلال الكاريكاتير، قبل أن يتطور ذلك أكثر مع المواقع الاجتماعية. والسبب في كل هذا برأي كسيكس هو أن الناس صاروا يرغبون في التعامل مع السياسيين ومساءلتهم وانتقادهم باعتبارهم أشخاصا عاديين وليسوا منزهين عن الخطأ. ويعطي مثالا على ذلك قناة نسمة الخاصة، التي «لم تكن تستطيع في عهد بن علي أن تنبس ولو بكلمة عن النظام، والآن صار هناك وعي بإمكانية دخول مجال السخرية السياسية وإنتاج برامج من هذا النوع». سبب آخر يشير إليه الكاتب والصحفي التونسي صلاح الجورشي، وهو أن الإعلاميين والكتاب والمثقفين بشكل عام «كانوا يعانون الأمرين في عهد الأنظمة السابقة بسبب حرص الأخيرة على كتم أصواتهم وحريتهم، وهذه البرامج تأتي اليوم كرد فعل على ما عاشوه سابقا، و هكذا صاروا يسعون من خلالها إلى تقليص سلطة المسؤولين السياسيين في بلدانهم». في مصر أيضا ظهرت برامج متعددة من هذا النوع لكن أشهرها هو برنامج «البرنامج» للإعلامي الساخر باسم يوسف، «البرنامج» يحاكي من خلال شكله وطريقة معالجته للقضايا المطروحة أحد البرامج الساخرة الأمريكية، وسعت برامج أخرى في العالم العربي إلى «تقليد» برامج أجنبية، إلا أنها تلقت انتقادات لعل أبرزها استعمال لغة «هابطة» أحيانا، لا ترقى بمستوى المشاهد، ولا تحترم العادات و التقاليد العربية. انتقادات أخرى وجهت لهذه البرامج مفادها أنها تسعى لتحقيق الربح المادي والشهرة أكثر من سعيها إلى إثارة القضايا المهمة ومناقشتها أمام الرأي العام، و هو ما يرد عليه كسيكس بالقول «لاشك أن العنصرين مع تحقيق الربح والحرية يتدخلان معا في الغاية من وراء إنتاج هذه البرامج، وأنا لا أعتبر الرغبة في تحقيق الربح أمرا سيئا مادام الهدف منه هو أن تصمد هذه المحطات وتستطيع تقديم الأفضل لمشاهديها»، ويضيف «من يظن أن مسألة الحرية غير مرتبطة بالمصالح والليبيرالية الاقتصادية فتفكيره ضيق، بل بالعكس فالأخيرة تنعش الحرية التي ننشدها». ويعتبر كسيكس أن الأهم في كل هذا النقاش هو ترسيخ الحرية والحفاظ عليها، إذ أن «هناك من يصفق الآن لهذه البرامج فقط لأنه يعتبرها نشازا، ومن الخاطئ جدا أن نصفق للحرية باعتبارها نشازا فالمفروض أنها الأصل والمكون الأساسي وغيابها هو النشاز». في تونس اختلفت الآراء حول الدور الذي تلعبه البرامج الساخرة، لكن الكاتب صلاح الجورشي، يعتبر أنها تلعب دورا إيجابيا وساهمت في تغيير العلاقة بين المواطن والمسؤول السياسي «هناك من يعتبر أنها تسيء لشخص السياسي والدولة، لكن نتائجها باعتقادي معاكسة تماما فهي ساهمت في تهذيب السلوك السياسي للمسؤولين الذين صاروا يتقبلونها رغم نقدها اللاذع، و صاروا يتضايقون إن لم يتم التطرق إليهم فيها» ويضيف الجرشي أن الهدف من هذه البرامج هو جعل المسؤول السياسي أكثر حرصا في تعامله ومواقفه وجعله يتخلى عن القداسة المزيفة التي يحيط بها نفسه وحياته وتصرفاته. وبغض النظر عن حجم الحرية التي تتمتع بها هذه البرامج فإن المتابعين لها يبدون خوفهم من أن يكون «انتعاشها» الآن مرتبطا فقط بالمرحلة الانتقالية التي تمر بها هذه الدول، واحتمال عودة الأمور إلى ما كانت عليه بمجرد استقرار الأوضاع وتسلم الحكومات الجديدة للسلطة بشكل كامل، خاصة في ظل تنامي نفوذ الإسلاميين في دول الربيع العربي. و إن كانت «التجربة التونسية» في هذا السياق إيجابية إلى حد ما، فإن هذه البرامج تشهد تضييقا أكثر عليها في مصر سواء من قبل السلطات أو من قبل الموالين للسلطة. أحد الأمثلة على ذلك هو إطلاق برنامج «الإرهابي» التابع لإحدى القوى الدينية، كخطوة للرد على برنامج «البرنامج» من خلال انتقاد المعارضة المصرية بنفس الطريقة التي يتبعها «البرنامج» رغم أن تيار الإسلاميين في البلاد ظل يوجه انتقادات شديدة لأسلوب السخرية الذي يتبعه باسم يوسف في برنامجه واعتباره محرما في الدين. و عن السبب في هذا التضييق الذي يمارس على هذا النوع من البرامج يقول الجورشي «هناك عقليات مازالت تربط بين المسؤول السياسي ورمزية الدولة، وتعتبر انتقاد المسؤول استخفافا بالدولة وتقليلا من أهميتها» وهو تصور خاطئ باعتقاده، لأنه في الديمقراطيات العريقة يتم الفصل تماما بين السياسي والدولة.