إن حكومة عبد الإله بنكيران تتوفر على مجموعة من الحظوظ قد تقودها الى النجاح في تدبير الشأن العام أهمها بإيجاز: 1) إن الملك يتحمل مجموعة من المسؤوليات الملك بصفته الحارس على المصالح العليا للبلاد بحكم الدستور يتحمل عدة مسؤوليات تعفي الحكومة من عبء تدبيرها. فالملك هو الضامن لاستمرارية الدولة. وضامن الاستقرار السياسي، وحامي وحدة البلاد والحارس على ثوابتها والساهر على الأمن الوطني الداخلي والخارجي. وأنه يواكب المشاريع التنموية الكبرى ويساهم في تمويلها عبر المساعدات التي يحصل عليها من الدول الصديقة وأخيرا أنه لا يخرج عن إطار السلطات التي يخولها له الدستور الكفيلة بحماية وإنجاز مشروعه المجتمعي القاضي ببناء مغرب حداثي وديمقراطي، وقد تبنت ذلك المشروع كل القوى الحية في البلاد. 2) الحكومة تتوفر على بوصلة سياسية: إن المشروع الملكي هو غاية وهدف منشود، تتحمل فيه الحكومة مسؤولية تحديد الوسائل ورسم السبيل لإنجاز أشواطه من خلال برنامجه الانتخابي، وهو بهذا يفتح باب المنافسة بين الأحزاب السياسية عبر برامجها، ويحصر دور المعارضة في حراسة مراقبة مدى التزام الحكومة بالمشروع الحكومي والعمل في إطاره, فالدور المنوط بالحكومة هو توسيع المجال الديمقراطي وتحقيق التنمية وبث روح الحداثة داخل المجتمع. 3) المغرب حقق عدة تحولات إيجابية. إن الحكومة الحالية لم تنطلق من فراغ أو من ثورة تستدعي مشروعا مجتمعيا جديدا، بل وحدت مغربا اخترقته عدة تحولات عميقة تكون أساس العمل الحكومي بالمغرب, من الناحية السياسية تشق الطريق نحو البناء الديمقراطي من خلال دستور جديد استجاب لمطالب الشعب. وعرف انتخابات شفافة ونزيهة باعتراف جل الفاعلين السياسيين، وبهذا يكون المغرب قد انتقل من التعددية الحزبية الي التعددية السياسية وأن المغاربة تمرسوا على العملية الانتخابية. من الناحية الاجتماعية حقق المغرب عدة مكتسبات في مجال حقوق الإنسان وعلى رأسها المرأة من خلال المدونة الجديدة وأنه تم تقليص الأمية داخل الأوساط الاجتماعية، وكذا دائرة الإقصاء والتهميش. بالفعل قد نشفع لحكومة الإسلاميين عدم التجربة في ممارسة الشأن العام. لكن المدة التي قضاها في السلطة كافية للتمرين عليها، وقد كان حال الاتحاديين في ظل حكومة التناوب لكنهم لم يشتكوا من أي نقص أو ضعف في ممارستهم للسلطة. من الناحية الاجتماعية خطت البلاد عدة أشواط في طريق التنمية عبر انجاز عدة مشاريع كبرى، وتوسيع البنية التحتية التي شملت العالم القروي, والتي قلصت بكثير من حالة الإقصاء والتهميش التي كان يعاني منها. وقد كان من نتائج ذلك أنه غير بشكل عميق نمط عيشها و أدخله عالم الثورة الإعلامية. 4) غض الطرف عن استغلال الدين. ان التيار الإسلامي وعلى رأسه حزب العدالة والتنمية يستغل الدين لأغراض سياسية وإيديولوجية وانتخابية. فالمساجد تكون مرتعا للتأطير والتعبئة وتمرير الخطاب. وأعضاؤه لا يعتبرون أنفسهم مناضلين يدافعون عن مبادئ حزبهم بقدر ما هم منذرون ومبشرون. وهم بهذا يقدمون أنفسهم على أنهم حماة للدين والمدافعين عن قيمه. فاستغلال الدين هذا يؤدي الى خلط بين الحقل السياسي والحقل الديني الى درجة أن الخطاب الديني يشمل شكل قرارات سياسية. والخطاب السياسي شكل تعاليم دينية. ويحدث هذا في دولة جعلت من الإسلام دينا لها، و في ظل إمارة المؤمنين التي تجعل من الملك حامي حمى الملة والدين. لكن والحقيقة تقال أن الحزب استطاع استغلال قوة الدين في التعبئة والتأطير لفرض التغيير ولفضح سلبيات سياسات الحكومات، لفضح الانزلاقات والانحرافات التي قد تؤدي إليها بعض قيم الليبرالية والحداثة، إن لم نقل التنديد بتلك القيم. 5) وجود معارضة محترفة وبناءة. إن تجربة احزاب المعارضة على ممارسة الشأن العام وتبنيها للمشروع الملكي الوطني يجعل منها معارضة بناءة تسعى من خلال خطابها ومواقفها تقويم العمل الحكومي عند الانحراف وتقديم بدائل لسلبيات سياستها. وبحكم غيرة تلك الأحزاب على وطنها وعلى ملكها لا يمكن أن تسعى إلى إفشال الحكومة. لأن الفشل هو للبلاد كلها. والسؤال المطروح هوهل حكومة الإسلامي تستخرج من هذه المعطيات مكان القوة لإنجاز برنامجها, الملاحظ هو أنها لم تتخذ لحد الساعة أي قرار أو مبادرة أو إصلاح تعود بالفنفع على البلاد والعباد. فالدستور الجديد مازال ينتظر القوانين والمراسيم لتنزيله ولتوسيع المجال الديمقراطي. وأن حياة المواطن تشكو من التدهور. وأن كل ما نراه هو أنها دخلت في مسلسل الزيادات في الأثمان وتجميد الأجور وبتر بعض المشاريع التنموية الكبرى. وأن منظومتها الأخلاقية التي تفتخر بها لم تستطع الحد من الرشوة والمحسوبية والزبونية. وهو ما يعطي الانطباع على أنها ليست بحكومة سياسية قدر ما هي حكومة موظفين سامين. بالفعل تدعي الحكومة الإسلامية أنها ورثت إرثا ثقيلا وقد يكون الأمر كذلك، إلا أن ذلك شأن كل الحكومات في العالم. فكل حكومة تدعي أنها ورثت إرثا ثقيلا من سابقتها: كما أنه من المفروض على حزب العدالة والتنمية أن يعرف ذلك لمواجهته بالبرنامج الذي يتطلب وإن لم يكن يعرض فتلك معضلة أخرى. وكيف ما كان فإن المواطنين وضعوا فيه ثقتهم لمواجهة سلبيات الحكومة السابقة ومد جسور مستقبل أفضل. فعلى سبيل المثال استطاعت حكومة التناوب التوافقي أن تنقذ البلاد من شبه الإفلاس الاقتصادي والسياسي بوسائل أقل وبسلطات أضعف. وكيف ما كان الحال, فإن العجز الذي أظهرته الحكومة في تدبير الشأن العام يدفعنا الى طرح السؤال التالي: هل هذا العجز هو مرحلي وظرفي أم هو طبيعي وحتمي. الملاحظ أن الإخوان في تونس وفي مصر أظهروا نفس العجز في تسييرهم للحكم لأنهم يعتقدون أن منظومتهم الأخلاقية تعفيهم من الاستجابة الى متطلبات العصر. خلاصة القول أنه بقدر ما أتمنى السقوط لحكومة الإسلاميين لأن البلاد لا يمكن أن تتحمل ثلاث سنوت أخرى من الارتجال والانتظارية والعشوائية، بقدر ما أتمنى لها النجاح إن هي استمرت لأن المصلحة العليا للبلاد قد تستدعي قرارا حاسما لأن نجاحها هو نجاح للبلاد والعباد. إلا أن الظاهر هو أن عدة مؤشرات توحي بأن الحكومة الإسلامية قد يجوز في حقها القول »قال طاح، قال من الخيمة خرج عوج«.