يعتبر سوق الخشب بالقريعة من أكبر الأسواق الوطنية في هذا المجال، إذ يوفر حوالي 5000 فرصة عمل ، مباشرة وغير مباشرة ، وبالتالي فهو يشكل مصدر رزق لآلاف الأسر ، سواء بجهة الدار البيضاء الكبرى، أوبمناطق مختلفة داخل التراب الوطني ، ومن فئات اجتماعية متعددة. تجار وحرفيو هذا السوق الكبير ، يعيشون منذ سنوات في ظل أوضاع نفسية مزرية ، ذنبهم الوحيد ثقتهم بمشروع نزع الملكية بعد أن وثقوا في الوثائق الرسمية الموقعة من طرف رؤساء تعاقبوا على تسيير وتدبير الشأن المحلي منذ مطلع الثمانينيات إلى حدود سنة 2006 . من الأحباس.. إلى القريعة إن سوق القريعة للخشب من الأسواق التجارية الكبرى التي لعبت دورا أساسيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمدينة الدار البيضاء لما يفوق أربعة عقود من الزمن، وشكل تجاره وحرفيوه نواة محورية للمقاومة إبان عهد الحماية. لقد أنشئ سوق القريعة بالاحباس في بداية الخمسينات من القرن الماضي في عهد جلالة الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله، حيث كان التجار يمارسون تجارتهم في أمن وأمان بجوار القصر الملكي، ويؤدون واجباتهم الضريبية والكرائية الى غاية بداية الثمانينيات، إذ بأوامر من الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، وفي إطار بناء مشور وقاعة للمؤتمرات بالقصر الملكي، أقدمت السلطات العمومية في شخص عمالة الدار البيضاء آنفا، على ترحيل بائعي الخشب والحديد بسوق الاحباس الى القطعتين الارضيتين الكائنتين بزاوية طريق مديونة سابقا شارع محمد السادس حاليا والطريق السيار القطعة الاولى تبلغ مساحتها 6350 مترا مربعا رسمها العقاري عدد 1062/س يملكها الحاج احمد بن عباس بناني والحاج محمد بن الحاج الغالي السبتي . القطعة الثانية تبلغ مساحتها 18.950 مترا مربعا رسمها العقاري رقم 41062/س. وهي في ملكية ورثة صامويل صام ناهون وبنطاح. وقد تم استقبال وفد ينوب عن التجار المرحلين من طرف الكتابة الخاصة للقصر الملكي، نقلت لهم رسالة شفوية من الراحل الحسن الثاني أعرب لهم فيها عن عطفه ورضاه وأبلغهم أن حقوقهم محفوظة ولن تضيع. وتجاوب التجار مع القرار الملكي بروح وطنية عالية رغم الخسائر المادية التي تكبدوها. وفعلا عمد المستفيدون الى تشييد محلات تجارية وحرفية وسكنية بالاسمنت والحديد، وتم ربطها بشبكة الماء والكهرباء والتطهير، كل ذلك على نفقتهم الخاصة وتحت إشراف المصالح التقنية لكل من عمالة الدار البيضاء أنفا والوالي السابق الفيزازي شخصيا والجماعة الحضرية للفداء ، حسب رسالة توضيحية في الموضوع لدى جمعية التضامن لتجار وحرفيي سوق الخشب بالقريعة، وأعطيت لهم وعود شفويا بأن السلطات المعنية ستتخذ القرار النهائي في سبيل تحديد سومة كرائية أو ثمن تشجيعي لامتلاك الأرض بعد الانتهاء من مسطرة نزع الملكية التي شرعت في تطبيقها الجماعة، وتم إنشاء لجنة من طرف ولاية الدار البيضاء وتتكون من الكاتب العام للعمالة مصلحة التسجيل والتنبر دائرة الأملاك المخزنية مصلحة التصميم بباشوية المشور والفداء قسم الجماعات المحلية قسم الاعداد الحضري ممثل الوكالة العقارية، وعهد اليها بتحديد ثمن الأرض واقتنائها ليتم بيعها للتجار. وللإشارة، فقد ساهم العديد من هؤلاء التجار في حركات التحرير الوطني ماديا ومعنويا مثل الحاج عبد الرحمان موميل الحاج عبد الوهاب هنان الحاج محمد الغرابي الحاج التكلانتي الحاج سليم الحاج عباس ساجد. المسار الإداري ل«ملف» السوق في 9 يناير 1984 ، قررت اللجنة الإقليمية للتقييم بعد معاينتها للقطعتين الأرضيتين السالفتين الذكر ، الموافقة على طلب الجماعة الحضرية الفداء، باقتناء القطعتين قصد إيواء تجار الخشب الموجودين سابقا بالاحباس وبالقريعة حاليا، وحدد الثمن الإجمالي للبقعتين في952.500.00 درهم، ومباشرة شرعت الجماعة الحضرية في استخلاص مبالغ نقدية شهرية من التجار والحرفيين مقابل وصولات يتوفرون عليها، ودام هذا الامر الى غاية سنة 1995 حيث تم إيقاف مسطرة الكراء. ويذكر أنه أبرم عقد بيع في 1987 بين جوزيف بارزيلاي، لا توجد هويته في العقد، وأحمد بن عبد الجليل، للملكية المسماة «لاريكو نسيلياسيون « LARECONCILIATION ذات الرسم العقاري رقم 5386/س مساحتها 75.000 متر مربع بثمن : 765.000.00 درهم، وأبرم عقد بيع آخر بفرنسا بتاريخ 3 ابريل 1989 بين أرملة صامويل صام ناهون ، الفرنسية ذات الأصل اليهودي، ومحمد بن عبد الجليل للملكية المسماة «لاريكونسيلياسيون» رسمها العقاري 5386/س مساحتها 7 هكتارات بثمن : 440.845.00 درهم مقابل 326.565 فرنكا فرنسيا. لقد أبرم العقدان بين سنتي 1987 و1989 بشأن وعاء عقاري يضم محلات تجارية وحرفية يستغلها اليوم أكثر من 350 تاجرا ، وبعد مضي أكثر من 7 سنوات على إيوائهم بالسوق من طرف الجماعة الحضرية الفداء، رفع المالك الجديد دعاوى قضائية ضد الجماعة الحضرية الفداء أمام القضاء الإداري. في سنة 2000 رفع دعوى في المحكمة الابتدائية درب السلطان الفداء ضد 4 تجار حسب الملفات رقم 3296/3297/3298/3299 ، أصدرت المحكمة بشأنها حكما قضائيا بتاريخ 02/11/2000 يقضي برفض الطلب. وبعد أن خسر هذا الأخير قضيته أمام المحكمة لجأ إلى التفاوض مع التجار، حيث اقترح عليهم شراء محلاتهم حسب أثمنة تفضيلية ووعدوه آنذاك بتدارس الاقتراح، وفي المدة التي كان التجار يتناقشون في هذا الأمر رحل عبد الجليل إلى دار البقاء، وبقي الأمر معلقا إلى أن فوجئ بعض التجار باستدعاءات من المحكمة رفعها مالك جديد يدعي تملكه للعقار، حسب نفس الرسالة التوضيحية لجمعية التضامن لتجار وحرفيي سوق الخشب، وهو الشركة المدنية العقارية «بروميرا» PROMURA ذات الرسم العقاري رقم 16473/34 ، يتهمهم بالترامي، وهو يعلم أن التجار نقلوا من سوق الاحباس الى سوق القريعة بقرار ملكي سيادي لا يجب الطعن فيه. وهو ما اعتبرها التجار محاولة يائسة للاستفراد بكل تاجر على حدة. بل استصدر حكما بالإفراغ ضد أحد التجار، ليصبح هؤلاء يعيشون أزمة نفسية ومادية يومية ، جراء الكارثة التي أضحت تهدد مصدر رزقهم وذويهم، حيث أكدوا في أكثر من مناسبة للجريدة، أنهم كتجار يتوفرون على جميع الوثائق القانونية التي تربطهم بسوق القريعة و الأحباس « فهو سوق يشغل أكثر من ألفين وأربعمائة عامل بصفة مباشرة وألف بصفة غير مباشرة ، إلى جانب فرص الشغل المرتبطة بنشاطه خارج الدارالبيضاء ، ويؤدي تجاره ضرائبهم بانتظام وواجباتهم تجاه السلطات المعنية».. أحكام قضائية ووقفات احتجاجية.. والحل البديل لقد تم كسب وربح 9 ملفات معروضة على القضاء ضد التجار بحجة أن هؤلاء التجار يحتلون أرض هذا السوق، وهو ما يؤكد ، كما تم توضيحه في العديد من المناسبات من طرف جمعية التضامن لتجار وحرفيي سوق الخشب بالقريعة للرأي العام، أن ملف سوق الخشب منذ نشأته ظل ملفا إداريا محضا ولا علاقة له بالقضاء، لأن التجار والحرفيين يتابعون ظلما أمام المحاكم في قضية تتحمل فيها السلطات المحلية والمجالس المنتخبة السابقة كافة المسؤوليات المادية والقانونية وهو ما دافع عنه التجار من خلال التصدي لعمليات تنفيذ قرارات الإفراغ بتنظيم وقفات احتجاجية أمام المحلات التجارية المعنية، فيما نظمت وقفات أخرى للتعريف بقضيتهم ولحث المسؤولين على الاستماع إليهم والجلوس إلى طاولة الحوار، وهو الشيء الذي كانت تطالب به الجمعية ، والتي استطاعت بفضل نضالها المستمر ، أن تقطع أشواطا كبيرة نحو الحل النهائي لهذه الإشكالية باعتمادها أسلوب الحوار والتشاركية مع كل الأطراف المعنية، بداية بتنظيم لقاءات تواصلية مع التجار والمهنيين والمسؤولين من خلال ندوات صحفية ولقاءات تواصلية ، بالإضافة إلى المشاركة في المناسبات الوطنية والدينية، هذه المجهودات المصحوبة بالتعبئة والصبر تكللت بصدور مقررات إدارية في شأن التسوية النهائية لملف سوق الخشب، بدءا بالمقرر الإداري رقم 16/10 لمقاطعة الفداء بتاريخ 16 دجنبر 2010 الى غاية المقرر الإداري رقم 03/11 لمقاطعة اسباتة بتاريخ 19 يناير 2011 ، القاضي بترحيل سوق الخشب الحالي بالقريعة إلى منطقة اسباتة في إطار مشروع اقتصادي متكامل يرتكز على تصور اقتصادي حداثي يستجيب لمقتضيات البيئة والتعمير ويوفر فرص الشغل للعديد من أبناء منطقة اسباتة. مع الإشارة إلى أن عامل عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان أعطى اهتماما كبيرا لملف سوق الخشب من خلال العمل على بلورة المقررات الإدارية باعتماده التشاركية في الحوار لضمان استقرار السوق والحفاظ على حقوق التجار والحرفيين إلى جانب مكونات المجالس المنتخبة ومنظمات المجتمع المدني، والتي ساندت الخطط المرتكزة على صون مكتسبات التجار المشروعة. وقد راسلت جمعية التضامن وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 18 فبراير 2013 في ارسالية عدد 792/2013 ، في شكل ملتمس، حول آخر المستجدات الإدارية التي يشهدها ملفهم ولإحاطته علما بالتطورات التي عرفتها القضية . فبعد تقديم لمحة موجزة عن الملف منذ نشأته والتذكير بالمقررات الصادرة عن مجلسي مقاطعة الفداء ومقاطعة اسباتة، أشارت إلى المقرر المتخذ بالإجماع والقاضي بترحيل سوق الخشب الحالي من وجهته بالقريعة الى اسباتة في إطار مشروع متكامل مدرج بتصميم التهيئة الجديد لمقاطعة اسباتة كمنطقة تجارية صناعية رئيسية تسمح بإيواء التجار والحرفيين في قطب تجاري كبير، ملتمسة من وكيل الملك التدخل لتأجيل قرارات الإفراغ للمساهمة في تهيئ الظروف المناسبة وفتح المجال أمام كل الأطراف الإدارية المعنية بملف سوق الخشب لتطبيق المقررات الآنفة التذكر بعد أن أدرج في إحدى دورات مجلس جماعة الدار البيضاء الكبرى وحظي بالموافقة.