كل التنظيمات السياسية الديمقراطية وغير الديمقراطية تقر بأن الإعلام بكل أنواعه لابد أن يتوفر على هامش واسع من الحرية تجاه السلطة الحكومية والإدارية لأنه بدون هذا الشرط ستصبح وسائل الإعلام والتواصل خاضعة لتوجيهات أي حزب في السلطة، مما يشكل خطرا على الحياة الديمقراطية ببلادنا. والكل أيضا متفق بأن وسائل الإعلام يجب أن تكرس جهودها من أجل خدمة وتكريس الاختيار الديمقراطي للبلاد. وضمن هذا التوجه الديمقراطي يتفهم الكل ضرورة وجود هامش أوسع من الحرية يتيح للصحافيين حرية التعليق وإبداء الرأي في كل القضايا المجتمعية دون خوف عقاب أو انتقام ، أو تضييق عليهم. غير أن المتتبع للبرامج الاجتماعية في كل من قناة «ميدي 1 تي في» والقناة الثانية لابد أن يستغرب ، ولابد أن يتساءل عن المعايير التي تعتمدها هاتان القناتان في اختيار ضيوفهما في عدد من تلك البر امج الاجتماعية. إننا لا نقصد بالقول هنا عددا من الضيوف التكنوقراط الذين يعتبرون ضمن الخبراء، بل ضيوفا لهم انتماء نقابي واضح . فالمتتبع للكثير من البرامج الاجتماعية التي بثتها قناة « ميدي 1 تي في « سنة 2012 وفي الشهور السالفة من هذه السنة يسجل أن هناك تحيزا مكشوفا لمنظمة نقابية بعينها سواء كمركزية أو كقطاعات، وهو نفس النهج الذي اختارته القناة الثانية منذ إلغاء استضافة الكاتب العام للنقابة الديمقراطية للعدل ضمن برنامج «مباشرة معكم» استجابة للضغوط الحكومية ووزارة العدل والحريات. ولعل برنامج « مباشرة معكم «للأسبوع الماضي الذي خصص لمناقشة التغطية الصحية في المغرب أكبر شاهد على هذا التحيز الذي يفتقد لأي مرتكز موضوعي وديمقراطي. لقد تم تنظيم تدخلات الفاعلين السياسيين في الفضاء السمعي البصري العمومي على قاعدة التمثيلية في البرلمان، وهو معيار يمكن تفهمه، رغم كل ما يقال عنه، لأنه يرمي إلى دعم الحياة الديمقراطية وتنظيم استغلال الفضاء السمعي البصري العمومي من طرف الأحزاب . لكن من حقنا أن نتساءل لماذا يتم الإصرار على إبقاء التمثيلية الاجتماعية ضمن منطقة الغموض والضبابية؟. لقد اعتمدت بلادنا نتائج الانتخابات المهنية كقاعدة لتنظيم التمثيلية في الحقل النقابي والاجتماعي سواء في القطاع العام أو الخاص، ولا تتردد الجهات الحكومية في تقديم هذا الإجراء في المحافل الدولية كإنجاز اجتماعي يرمي إلى دعم البناء الديمقراطي وإرساء ممارسة نقابية واجتماعية مبنية على الوضوح والشرعية الديمقراطية في المغرب، غير أننا لا نعرف المعايير التي تشتغل بها القناتان في انتقاء ضيوفهما من الفاعلين النقابيين، ولماذا يتم تجاهل التمثيلية النقابية في مثل هذه المناسبات. ألا يستدعي الأمر تدخل الجهات المعنية بالفضاء السمعي البصريالعمومي؟ إن هذه الممارسة التي تتم في مرافق عمومية، تمول من المال العام، تطرح عدة أسئلة مقلقة حول الجهة التي توجه هذه المرافق وتحدد لها أهدافها في المجال الاجتماعي. وهي أهداف لا علاقة لها بالاختيار الديمقراطي للمغاربة، لكنها تمول بأموالهم. إن ما يجري في هاتين القناتين يؤكد أن فضاءنا السمعي البصري العمومي لا يزال خارج المعايير التي اختارها المغاربة لتنظيم حياتهم الديمقراطية، وخارج مجال فعل المؤسسات التي أوكل لها شأن متابعة ودمقرطة إعلامنا العمومي . لقد راسلت النقابات مؤسسة «الهاكا» محتجة على هذا الميز والتحيز السافر ، كما راسلت الجهات الحكومية المعنية في نفس الموضوع، لكن يظهر أن فضاءنا السمعي البصري العمومي لا يزال خارج أية سلطة رقابية ديمقراطية، ولا يزال خاضعا «لأجندات» لا علاقة لها بالاختيار الديمقراطي لبلادنا. ولن نفاجأ في الأيام القادمة إذا أقدمت قناة «ميدي 1 تي في « على دعوة نفس المنظمة النقابية في أحد البرامج الحوارية لمناقشة موضوع التعليم في الوسط القروي، ما دامت الامور تسير في هذا القطاع بغموض كبير يبعث على الحيرة . لكن إذا علمنا أن هذه المنظمة النقابية التي لا تمثيلية لها مركزيا أو قطاعيا، ولا تتلقى أي دعم حكومي رسمي قد شاركت في المنتدى الاجتماعي العالمي الذي نظم بتونس ما بين 26 و 30 مارس الماضي بوفد بلغ 43 مشاركا ومشاركة ، في حين لم يتعد ممثلو جميع المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية ، وهي النقابات التي تتلقى دعما حكوميا سنويا، 23 مشاركا . فأية مفارقة هذه؟؟؟؟ وكيف يمكن تفسير ذلك ؟ أليس ما يجري في إعلامنا من تحيز و»نفخ» لجهات محددة، مؤشرا على مخططات تحاك في الخفاء استعدادا للانتخابات المهنية المقبلة؟؟ وهل ما يقع في إعلامنا العمومي من توظيف فاضح أمر طبيعي؟ وما علاقة كل ذلك بادعائنا الديمقراطي؟؟ في زمن إدريس البصري كان يتم توجيه مناديب العمال الذين لا انتماء لهم لفبركة الخريطة النقابية والنفخ في التمثيلية النقابية لهذه المنظمة أو تلك ،أو لهذا الشخص أو ذاك وفق ما تريده الداخلية. ترى، هل سنعيش بمناسبة الانتخابات المهنية المقبلة نفس « السيناريو» بأساليب أخرى تتناسب مع الوضع الحالي؟ ذلك هو السؤال. عضو المكتب المركزي ل «ف د ش»