غادرنا صباح أمس الثلاثاء المبدع والصحفي والمعتقل السياسي السابق عبد العزيز مريد، وقد ووري جثمانه الثرى زوال ذات اليوم بمقبرة الغفران بالبيضاء. الراحل من مواليد الدارالبيضاء سنة 1929، وهو يعتبر بحق من رواد الجنس الإبداعي المتمثل في القصص المرسومة الحديثة مغربيا. عبد العزيز مريد من مؤسسي منظمة «23 مارس»، أحد أهم تنظيمات اليسار الجذري المغربي في نهاية ستينيات القرن الماضي. اعتقل في 1974 وحكم عليه ب 22 سنة سجنا، وعانق الحرية من جديد في 1984 بعد عشر سنوات خلف القضبان في معتقل درب مولاي الشريف (سنة ونصف) وبعده في السجن المركزي بالقنيطرة. في 2001، سيروي الراحل تجربة اعتقاله في درب مولاي الشريف بشكل متميز ومبتكر، وذلك عن طريق القصص المرسومة بالأسود والأبيض في مؤلفه الصادر بالفرنسية «إنهم يجوعون الفئران تجويعا» (منشورات طارق). وقد اختار هذا الجنس الإبداعي، مثله مثل محمد النضراني، المعتقل ضمن مجموعة بنوهاشم بقلعة مكونة، لكي تصل رسالته إلى أوسع فئات القراء. في هذا المؤلف، أعاد مريد صياغة قصة اعتقاله بالريشة من داخل عتمة الزنزانة. لقد رسم، يوما بعد يوم، كل تفاصيل التجربة: المحاكمة غير العادلة، العزل في زنزانة انفرادية، الإهانات، التعذيب بكل أنواعه، الإضراب عن الطعام... أي مجمل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مغرب سنوات الرصاص كما عاشها واكتوى بنيرانها. بعد عمله الأول، سينشر الراحل قصصا مصورة أخرى منها «الحلاق» ((2004 الذي أنجز ألوانه التشكيلي الميلودي نويكة والذي يستعرض تفاصيل العيش اليومي في أحد أحياء بيضاء ستينيات القرن العشرين مع التطرق للقمع الذي ميز تلك المرحلة، و«الخبز الحافي» الذي اشتغل ضمنه على رواية محمد شكري الشهيرة، كما أنه أبدع تشكيليا وتميز بمقارباته النقدية الرصينة. من بين اللحظات المؤثرة في درب مولاي الشريف التي جسدها مريد في مؤلفه الأول الذي كتب مقدمته المحامي محمد برادة، تلك التي يرافقها الوصف اللغوي التالي: «نهضت للتبول. انتابني الدوار. حين استعدت وعيي، وجدتني ساقطا أرضا. كانت الفئران تحيط بي متسائلة عن العضو التي ستشرع في التهامي انطلاقا منه».