إن تحالف القوى المحافظة بمختلف تلويناتها تحت قيادة الأستاذ عبد الإله بنكيران ، اظهر غياب الانسجام ، من خلال بروز الأغلبية الحكومية كأرخبيل سياسي غير منسجم ، يعمل كقطاعات وزارية منفصلة عن بعضها البعض. و بين عجز رئيس الحكومة عن تنسيق العمل الحكومي من خلال خطاباته غير المسؤولة ، و استقوائه «بالشرعية الشعبية «، و خلق معارك جانبية تتجه كلها في اتجاه التأويل الأبوي للدستور بسبب غياب برنامج واضح المعالم نتيجة الافلاس الفكري و اعتماد الخطاب الدعوي. لازال الحزب الحاكم لم يستوعب فحوى دستور2011 الذي كرس الاتجاه نحو الملكية البرلمانية في الفصل الأول من الدستور الذي نص : « نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية» . كما مأسس رئاسة الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة في الفصل 92 محددا لها القضايا والنصوص التي تتداول فيها، هذا التنصيص هو اتجاه من المشرع الدستوري إلى تجاوز منطق العقلنة البرلمانية ، عبر التوسع من مجال تدخل الحكومة في العمل التشريعي، غير أن الأغلبية الحكومية استعملت آليات العقلنة البرلمانية للحد من مبادرة المعارضة ، من خلال العديد من الوسائل والتقنيات رمت لتعطيل مبادرات المعارضة البرلمانية- لجان النيابية لتقصي الحقائق و حق الاطلاع على المعلومات ، عبر التحكم في جدول الأعمال، وتحديد الأسبقيات، والضغط على فرق الأغلبية لتقديم مبادرات موازية . إن قطع الطريق على مقترحات القوانين المعارضة هو ضرب لمقتضيات الفصل 78 الدستور الذي منح الحق لرئيس الحكومة وأعضاء البرلمان في التقدم باقتراح القوانين. ان الديمقراطية تقوم على ركيزتين: أغلبية و معارضة أساسها صراع المشاريع داخل المؤسسات، حيث تسود حرية التعبير و المبادرة و تهميش المعارضة و عفرتتها و تمسحتها و شيطنتها، بغية شرعنة تهميشها يضرب في مكتسبات الدستور الجديد الذي اقر في تصديره بأن «المملكة المغربية ، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة». سيتقوى الحزب الأغلبي على الأحزاب المتحالفة معه بأغلبية عددية ضد أحزاب المعارضة الأمر الذي يجعل خطر الدخول إلى عالم الاستبداد قائما عبر تكرار التجربتين النازية و الفاشية التي مكنت لكل من هتلر و موسوليني من السيطرة انطلاقا من أن التعددية السياسية على مقدرات الحكم في بلديهما ، و من خلال « ديمقراطية الأغلبية» فرضت على شعب كلا البلدين ، الخضوع للقوانين التي تسنها الأغلبية الحاكمة التي وصلت إلى السلطة ، حيث تسلمت زمام الأمور من خلال نتائج الانتخابات العامة التي أوصلت هذه الأغلبية إلى الحكم بفعل التداول السلمي الديمقراطي للسلطة. و تحت تأثير هذه النتائج تم التركيز على إيجاد ضوابط لكبح جماح الأغلبية التي تسلم زمام الحكم بجعل أطروحتها قابلة للتطبيق من خلال قواعد قانونية وفق الأصول الدستورية، بشرط ألا تتعارض مع أصول القواعد الدستورية ، و هذا ما برزت مؤشراته من خلال تشكيك قيادات في حزب العدالة و التنمية عقب إلغاء مقاعد برلمانية بطنجة، و العمل كذلك على ضرب حقوق المعارضة و شيطنتها، و التحجج بقوى هلامية من خلال إعمال مكثف للنظرية المؤامرة قصد الهاء الرأي العام ، و رص صفوف أعضائه عبر توزيع الأدوار، بغية استمالة تعاطف الرأي العام و عدم مساءلتها عن مشروع سياسي، و في ظل هذا اللخبطة ، تحاول الهيمنة على مفاصل الدولة من خلال توزيع الغنيمة على شبكة الأتباع, و القضاء على الطبقة الوسطى ذات الحمولات الحداثية المعمول عليها لتحقيق التوازن داخل المجتمع، الأمر الذي من شأنه أن يحدث شروخا داخل النسيج الاجتماعي المغربي الذي قوامه التعدد الديمغرافي و الثقافي و السقوط في مقاربة أحادية تقوي قيم انكفائية و تسلطية و القضاء على كل المكاسب التي راكمتها القوى الحداثية . الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من عزوف الفئة المتعلمة والمثقفين عن المشاركة فيها، وتؤدي الانتخابات لأشكال أخرى من الوظائف. و النموذج المصري ، يوضح لنا ان مع تيار التدين السياسي ، أضحى ينعت «نائب البرلماني خدمات» لتدليل عن الخدمات والتسهيلات التي يقوم بها نواب الامة بمجرد تقلدهم لمهامهم في البرلمان لأبناء دائرتهم ومعارفهم. لهذا فقوى المعارضة مدعوة اليوم إلى التحالف، في جبهة حداثية شعبية ضد القوى المضادة للتحديث les anti ? modernistes ، من خلال الوضوح القيمي ، و من خلال خلق برنامج مفصل يقوم على أساس توظيف صلاحيتها الدستورية كمعارضة برلمانية مسؤولة ، من داخل المؤسسة ، تؤسس لثورة ثقافية شاملة في الأفكار و الذهنيات. هذا المسار يقتضي من الاتحاد الاشتراكي فك ارتباطه بحزب الاستقلال و إعلان استنفاد تحالفات أحزاب الحركة الوطنية لإنتهاء مهمتها التي قامت على أساس تكريس الخيار الديمقراطي الذي بات مكسبا دستوريا، و إعلان ميلاد الحركة الحداثية التي ستشكل صمام أمان في وجه حركة التيه السياسي عبر تكريس دولة المواطنة، و وضع مجموعة من الأسس، لخلق مغرب حداثي متضامن بعيدا عن أساليب القبيلة، إن الانتقال نحو دولة المواطنة من خلال هيآت المجتمع المدني، و بلورة وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، والمشاريع التنموية، والاقتراحات التشريعية..» بعيدا عن المنطق الأناني و الفرجوي الذي جعل الأحزاب من المنتظر ان تلعب دور البديل . إن الاتجاه نحول وضع أبارتايد حزبي، من خلال تقديم أبناء الزعماء في مشهد ديمقراطي يبتعد عن هذا المقصد الديمقراطي، ويكرس علاقة بين «السيد وتابعه»، أو ما يسمى «patron & client». فتفقد أجيال بالكامل الفرصة في المشاركة في العمل السياسي وصنع القرار. إن التحالفات الفوقية لا تعبر عن إرادة الجيل الجديد ، في ظل تكريس علاقات قائمة على التبعية المطلقة، أو تطلعهم إلى الحصول على مكسب مادي أو معنوي من جرّاء مشاركتهم. إنّ العنصر الحاكم لتلك المجتمعات هو عنصر الخوف والإكراه أو الطمع في مكاسب مادية أو معنوية، وليس الرضا والإقناع والعمل من أجل الصالح العام. إن الاتحاد مدعو إلى مأسسة التيارات دون إقصاء وتمثيل أفضل للنساء . فالديمقراطية الداخلية هي الحل .