إن فوز حزب العدالة والتنمية بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية و تعيين أمينه العام لرئاسة الحكومة وتشكيله الحكومة رفقة حزب الاستقلال و الحركة الشعبية وحزب التقدم و الاشتراكية أسس لمرحلة جديدة ،مرحلة الانتقال و التحول و التي أنهت عقد الكتلة الديمقراطية بخروج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حيث كشفت عن عدم نضج القطب الاشتراكي على اعتبار أن هناك اشتراكيون مشاركون في الحكومة و اشتراكيون في المعارضة داخل المؤسسات و اشتراكيون قاطعو الانتخابات . في المقابل هناك حاجة للقطب الحداثي من اجل توفير البنية التحتية للاختيار الديمقراطي الذي أضحى من ثوابت المملكة المغربية. الاتحاد الاشتراكي مدعو لاستكمال رسالته التاريخية بقيادة القطب الحداثي الشعبي و الذي يضم كل من حزب الأصالة والمعاصرة في المعارضة و التجمع الوطني للأحرار مقابل قطب محافظ في الحكومة. وبهذه التقاطبات سيدخل المغرب عهد القطبية الثنائية، والتي نادى بها الملك الراحل الحسن الثاني بداية التسعينات من القرن الماضي، والتي أكد عليها جلالة الملك محمد السادس في أكثر من محطة. أما حديث بعض القياديين داخل الاتحاد عن المشروع الاشتراكي فيظهر أنهم لم يستوعبوا حاجة المرحلة التي تقتضي ضرورة العمل والتعبئة والانخراط الجماعي الفعال في التوجه الإصلاحي الهادف لاستكمال بناء مغرب الوحدة والحداثة والتقدم والاستقرار والرفاه الاجتماعي. من أجل تحصين مكتسبات التجربة الديمقراطية المغربية وتنقيحها من الشوائب. و ذلك لن يتأتى إلا بوحدة الجبهة الحداثية الشعبية وتماسك بنيتها الاجتماعية وتشبع ثقافتها وسلوكها بالقيم الإنسانية النبيلة، قصد الارتقاء بالعمل السياسي نحو ديمقراطية سليمة ، عبر خلق وتوفير فضاءات حرة ومسؤولة للتبادل والتأطير والالتزام، و السعي لتجميع المواطنين والمواطنات وتدبير الاختلافات والتناقضات وإفراز التصورات والمشاريع السياسية ذات الارتباط القوي بالانتظارات الوطنية الكبرى، والتي تتجسد في محاور شاملة: التأويل الحداثي للدستور؛ الجهوية الموسعة ؛ العدالة الاجتماعية؛ فماهية أي حزب سياسي تنطلق من استحالة وجوده إلا كعنصر داخل نسق معين، قائم ومحدد, أما اعتراض البعض على التحالف مع حزب الأصالة و المعاصرة مادام أن هذا الأخير استطاع الحصول على الدعم الشعبي في ظل انتخابات لم يشكك او يطعن فيها احد . كما أنه الحزب الأقرب إلى الاتحاد في الخط النضالي الذي يقتدي سلكه. و عليه سأحاول من خلال دراسة التحول المغربي الذي قاده الاتحاد في المشاركة في حكومة التناوب إلى الدستور الجديد الذي رسخ للخيار الديمقراطي كخيار تبنته الحركة الاتحادية في المؤتمر الاستثنائي لسنة 1974 التي حولت الخط السياسي للحزب من الاختيار الثوري إلى الخيار الديمقراطي. الذي بات اليوم مكسبا دستوريا وجب تحصينه من خلال بناء البنية التحتية المتمثلة في الحداثة الشعبية. التناوب التوافقي و ترسيخ الاختيار الديمقراطي بعد إجراء انتخابات 1997، قاد حزب الاتحاد الاشتراكي الحكومة في سياق سياسي اتسم برغبة من الملك الحسن الثاني في انتقال الحزب من المعارضة إلى الحكومة، من اجل تدبير الشأن العام الذي كاد يصاب بالسكتة القلبية ، وبات في حاجة إلى دماء جديدة وأسلوب جديد في التدبير الحكومي. فعمل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي سنة 1998 على تشكيل تجربة حكومة وفق دستور 1996، كان المبتغى منها تأسيس الثقة بين المؤسسة الملكية و الحركة الاتحادية بغية بداية التحول الديمقراطي؛ فنهج الاتحاد التصويت الايجابي على دستور 1996 كتعبير سياسي عن القبول و الانخراط في التجربة ، في ظل مناخ سياسي ضم خليطا كبيرا من الأحزاب السياسية . لم تستطع معه أحزاب الكتلة مجتمعة الحصول سوى على ثلث المقاعد، و وزارات السيادة التي تشتغل خارج أجندة الوزير الأول. و صلاحيات ضيقة للوزير الأول وللحكومة في تدبير سياسية البلاد. انخرطت حكومة اليوسفي (1998-2002) في ظل ازدواجية واضحة بين الحكومة و سلطة الدولة، التي كانت أقوى تأثيرا ونفوذا، وسلطة الحكومة التي كانت الحلقة الضعيفة. رغم هذا الوضع تعاطى الاتحاديون بجرأة تحت شعار الوطن أولا؛ لم يشأ الاتحاد رغم كل الضربات اختيار الحل السهل الذي قد يهدد استقرار الوطن بل قاومت «جيوب مقاومة التغيير»، و في مقدمتها لوبيات الجهاز الإداري التي كانت متربصة لإجهاض التجربة من الداخل. و وزارات السيادة التي تعرقل المسار التغييري، وفي مقدمتها وزارة الداخلية في عهد إدريس البصري، و الأمانة العامة للحكومة. ووزارة العدل التي كانت تمتلك في ذات الوقت هامشا كبيرا من الاستقلالية في تدبير ملفاتها عما كانت تخططه الحكومة وظلت تشتغل بأجندة خاصة بها. لهذا, فإن مسلسل الإصلاح تطلب من حكومة التناوب التوافقي الوقت والجهد الكبيرين للتقرير في سبل الحد من تأثيره على المسار الإصلاحي. و صعب مباشرة الإصلاحات المنتظرة، لاسيما في مجالات محاربة الفساد، محاربة اقتصاد الريع، مواجهة الإنتظارات الاجتماعية، مواجهة كل مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية ونهب المال العام. لكن رغم كل الظروف, فإنها مهدت المغرب لنقلة نوعية في المجال السياسي عبر توفير الانتقال السلمي و تكريس الخيار الديمقراطي الذي ناضلت من اجله الحركة الاتحادية. 2- التناوب السياسي حكومة عبد الاله بنكيران عكس حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي؛ فالحكومة الحالية تعمل في سياق مختلف من الناحية الدستورية و السياسية ، فرئيس الحكومة السيد عبد الاله بنكيران يتوفر على عدد من السلط الواسعة لإدارة دفة الشأن العام بالمغرب. والمناخ الحالي المغربي والإقليمي والدولي يضغط في اتجاه المطالبة بتعميق الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستفيد منه مناخ التغيير ببلادنا. فحصول حزب العدالة والتنمية على 27 % من مقاعد مجلس النواب يعد أغلبية مغرية نسبيا الأمر الذي يخول لحزب العدالة و التنمية القيام بإصلاحات. . ويمكن التأكيد على أن حكومة السيد بنكيران لها صلاحيات كبرى لمحاربة الفساد، محاربة اقتصاد الريع، كل مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية ونهب المال العام و مواجهة الانتظارات الاجتماعية، محاربة . لهذا, فالدور الاتحادي في هذه المرحلة هو تأسيس البنية التحتية للاختيار الديمقراطي في كل حلقات مسلسل تفعيل الحقل السياسي ، و التأويل الحداثي للدستور كضمانة أساسية للمستقبل من اجل إتمام مسار التحول الديمقراطي بالمغرب. وكبح كل معوقات الإصلاح. رجوع الاتحاد للمعارضة لإكمال رسالته التاريخية إن انتخابات 25 نونبر 2011 فرصة تاريخية شجعت الاتحاد و بشجاعته النضالية المعهودة على الخروج للمعارضة بغية عقلنة المشهد الحزبي من اجل وضع حد لظاهرة انقسام المشهد السياسي بين مكونات الأغلبية، و المعارضة .بإيجاد فواصل بين الأغلبية والمعارضة . و تأسيس البنية التحتية للديمقراطية المتمثلة في الحداثة التي وجب أن تؤسس على خلق رجة في الحزب نتجاوز بها الترهل التنظيمي، و تحكم القيادات العجوزة في القرار داخله و المنسجة مع أطراف غريبة، عبر القيام بنقد ذاتي،بغية تأسيس خط نضالي يقوم على أساس الوضوح و المصداقية، مع الذات الاتحادية أولا ثم مع باقي الفاعلين السياسيين. نحن كحركة شبابية طرحنا الاختيار الحداثي الشعبي إيمانا منا بكون نضالنا ضمن الحركة الاتحادية ينطلق من حاجة مجتمعية يلزم معها تجديد آليات النضال الجماهيري و من اجل مواكبة خطاب المعارضة بقواعد سليمة ، عبر مواجهة ظاهرة الريع العائلي و النظرة الدونية لأولاد الشعب باسم الوطنية و رفع التحدي من أجل التحول من الحديث عن وطنية الريع للحديث عن وطنية المواطنة، من الحديث عن الانتماء للحديث عن التعاقد، كمنعطف جديد يؤسس للتحول من ثورة الملك و الشعب لثورة الملك مع أولاد الشعب .و بداية هذه الثورة تنطلق من عقلنة المشهد الحزبي و التأسيس لقطب حداثي شعبي كسبيل لتفعيل روح الدستور الجديد و تحقيق التداول الحقيقي للسلطة بشكل صريح، بين قطبين سياسيين، قطب محافظ و قطب حداثي. ان الرجوع للمعارضة هو منعطف حقيقي في نضال الحركة الاتحادية ، و المتمثل من معارضة نظام الحكم إلى معارضة السياسات العمومية، هذا التحول يفرض تجاوز ظاهرة المعارضة المنبرية التي تعتمد لغة المزايدات السياسية على حساب اللغة البناءة, فالحركة الاتحادية تؤسس لتطور في المعارضة عبر التأسيس لمعارضة اقتراحية ، فتصويتنا الايجابي على دستور 2011 هو إعلان عن انتهاء مرحلة النضال الديمقراطي و بداية مرحلة النضال الثانية ، و هي النضال من اجل ترسيخ اختيار حداثي شعبي ، و ما تقتضيه من أسلوب جديد للمعارضة ، يتبنى منهج ديمقراطي من أجل الوصول إلى السلطة أو التأثير في صناعة القرار من خلال العملية الانتخابية. لهذا التحول يفرض نوع من العقلانية والاتزان، من اجل الدفاع عن مبادئنا و تحضير برامجنا الكبرى، من خلال مراقبة الحكومة وانتقاد سياساتها الخاطئة، و تكريس فلسفة جديدة لدى الرأي العام تتمثل في طرح البديل الحداثي فمرحلة المعارضة هي مدرسة لتكوين حزب قادر على تحمل المسؤولية في الحكومة. إن تأسيس قطب حداثي هو محطة في مسار التحول و ترسيخ الرسالة الاتحادية للنضال من داخل المؤسسات و الذي يقتضي تفعيل الاختصاصات الكبرى التي منحها الدستور الجديد للمعارضة حيث ضمن الفصل 10 يمنح الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية. و الذي نص على : يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية. ويضمن الدستور، بصفة خاصة، للمعارضة الحقوق التالية : - حرية الرأي والتعبير والاجتماع ؛ - حيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها ؛ - الاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون ؛ - المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان ؛ - المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق ؛ - المساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية؛ - تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان ؛ - رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب ؛ - التوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية ؛ - المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية؛ - المساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور؛ - ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا و جهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور؛ يجب على فرق المعارضة المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة. تحدد كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان. و من خلال الفصل 67 يمكن للقطب الحداثي داخل البرلمان بالمبادرة و تشكيل لجان لتقصي الحقائق ، عبر تقديم طلب تشكيل هذه اللجان التي تتوفر على نصاب ثلث أعضاء في مجلس النواب . و تقديم ملتمس الرقابة الذي يحتاج إلى الخمس فقط و فق الفصل في الفصل 105. كما يمكن للقطب الحداثي المعارضة وفق الفصل 66 تقديم طلب عقد الدورات الاستثنائية ، حيث يتوفر على النصاب القانوني المتمثل في ثلث أعضاء مجلس النواب. كما يمكن للقطب الحداثي ان يفرض احترام الدستور عبر تفعيل الفصل 132 من الدستور الجديد، و الذي خفض طلب إحالة القوانين التنظيمية إلى المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، حيث أصبح لخُمس أعضاء مجلس النواب فقط ، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين على المحكمة الدستورية . لكل, فإننا اليوم مدعوون لبناء قطب حداثي كشرط وجوب لإعطاء النص الدستوري مدلول يضمن للميثاق الاسمى للأمة المغربية وضوحا قيميا و يضمن للوطن تخطي صدمة عشرية التحديث و مواصلة نضالنا في ترسيخ التقاليد و ثقافة الديمقراطية لتأهيل المجتمع للانخراط فعليا في تكريس مشروع الديمقراطي الحداثي ، و الذي يقوم على أساس إعادة الاعتبار للفعل الحزبي على أساس إشراك القوى الحية داخل المجتمع من اطر و مثقفين و أصحاب كفاءات . ان هذا القطب سيشكل دفعة قوية لإغناء و إثراء الفكر السياسي و إعادة الاعتبار للمفهوم المناضل الإنسان المتميز بقناعته و تشبعه بقيم و مبادئ الحداثة و المستعد للتضحية من اجل تكريس المشروع الحداثي الشعبي. و تجاوز النظرة الضيقة المتمثلة في استقطاب وجهاء و أصحاب المصالح الذين يفعلون كل شيء للحصول على المقعد التمثيلي في البرلمان أو الجهة أو الجماعة أو الغرفة عبر الحرص على تفعيل بنود الدستور الذي جرم الترحال. إن حركتنا الحداثية الشعبية تنطلق من صيرورة تروم جمع شتات الحركة الاتحادية و إحياء الحلم الاتحادي الذي حملته أجيال بعد أجيال على أسس جوهرية فكرية و سياسية هدفها تحقيق قفزة نوعية تمر وجوبا بتوضيح التحالفات و تجديد الهوية السياسية للحزب قصد تهييء الخلف و توضيح العلاقات بين العمل السياسي و النقابي بطريقة تضمن وحدة القاعدة العمالية و تفعيل انخراط الشباب في النضال السياسي. هذه الخطوات ستجعل الاتحاد يبقى رائدا في ضمان عملية التحول السياسي.