لازال الجدل دائرا في الأوساط السياسية والفكرية العربية عموما والفلسطينية على وجه الخصوص حول من يتحكّم في قرار الآخر : إسرائيل وأمريكا . حيث يقول البعض بأن اللوبي الصهيوني القوي والمؤثر جدا في الولاياتالمتحدةالأمريكية يضغط على أصحاب القرار الأمريكي من الرئيس ونائبه إلى وزرائه ومستشاريه وانتهاء بمجلسي الشيوخ والنواب ،ويجعلهم يتبنّون مواقف الكيان الصهيوني كيفما كانت. في حين يقول البعض الآخر بأنه رغم قوة اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن إسرائيل لا تستطيع أن تعارض المواقف الأمريكية إلا فيما ندر وفي قضايا ليست مصيرية ، نظرا لأن إسرائيل تعتمد في وجودها واستمرارها على الثقل والدعم الأمريكي الإقتصادي والسياسي والعسكري. وقد عاد هذا الجدل من جديد بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوبا ما للمنطقة ولقاءاته الرسمية وغير الرسمية وخطاباته في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية والكيان الصهيوني ، هذه الخطابات التي اختلفت نبرتها ومضمونها عن خطاباته قبل أربع سنوات بعد فوزه بالرئاسة للولاية الأولى، حيث حاول في حينها في عدد من المحطات وخاصة في خطاب القاهرة أن يعطي أملا للعرب والمسلمين بأن موقفا أمريكيا منصفا سيشهدونه في عهد أوبا ما ، الأمر الذي جعل البعض يبني عليه آمالا عظاما ويسميه البعض الحاج أو الشيخ أوباما، هذا الوهم الذي سرعان ما تبدد مع توالي الأيام وتبلور المواقف. إلى أن جاءت زيارة أوبا ما الثانية بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية ، حيث قال كلاما معاكسا تماما عندما أظهر دعما مطلقا لإسرائيل ، واعترف بالدولة اليهودية كحقيقة تاريخية وأطنب في الحديث عن تاريخ اليهود في فلسطين دون أن يقول كلمة واحدة عن تاريخ العرب الفلسطينيين فيها ، وتحدث عن وجوب العودة إلى المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية دون شروط ، وكان يبدو وكأنه يريد أن يقنع الإسرائيليين بوجوب تصديقه عندما يقول بأنه أكثر رئيس في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية أحبّ إسرائيل وقدّم لها دعما عمليا. ومع ذلك فإن ما جاء في كلمات باراك أوباما, سواء في القدس أو رام الله، جعل المحلل السياسي للقناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي يقول ((لا أريد أن أصدم الجمهور الإسرائيلي ، ولكنني لا بد لي من القول بأن أوبا ما لم يأت ليبحث الموضوع الإيراني مع نتنياهو، وإنما جاء ليقول له الموقف الأمريكي المتمثل بعدم التحرك الإسرائيلي نهائيا دون موافقة الولاياتالمتحدةالأمريكية)). وهو نفسه ما جعل الصحفي الإسرائيلي الشهير دان مرغليت يقول بأنه ((من المعروف أن الإدارة الأمريكية والرئيس لهما الموقف الحاسم، ولا يمكن أن تستمر إسرائيل دون الموقف الأمريكي والدعم الأمريكي)) ولعل الذي دفع هذين الإعلاميين الإسرائيليين الكبيرين إلى قول ما قالاه هو ما قاله نتنياهو في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع أوبا ما ساعة وصوله إلى مطار بن غور يون ، وما ردّ به أوبا ما. حيث أن نتنياهو قال ((من حقنا الدفاع عن أنفسنا، ونحن دولة حرة مستقلة)) فرد عليه أوبا ما بالتأكيد على هذه الحقيقة، ولكنه أفهمه بأن الحقيقة الأهم في السياسة الأمريكية تتمثل في أنه ((يجب أن نأخذ في عين الإعتبار قدراتنا الحقيقية وما نستطيع القيام به)). والذي أكد هذا الأمر أكثر، التذكير بزيارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر للكيان الصهيوني عام 1979 بعد زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات للقدس والبدء بمحادثات كامب ديفيد ، وفي حينها رفض رئيس وزراء الكيان الصهيوني ميناحيم بيغن التوقيع على اتفاقات كامب ديفيد مشترطا إضافة نقاط معينة وتعديل بعض النقاط ، فقال له الرئيس كارتر ((يجب أن توقّع على هذا الإتفاق اليوم وإلا فلا يوجد إتفاق))، واضطر بيغن بعد خمسة عشر يوما للذهاب إلى واشنطن للتوقيع على إتفاق كامب ديفيد كما هو. وفي موضوع العلاقة الواضحة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والكيان الصهيوني للطرفين والملتبسه لدى البعض ، فقد جاءت أحداث الأسبوعين الأخيرين لتلقي بعض الأضواء الكاشفة على هذه العلاقة . فقد ذكرت جريدة معاريف الإسرائيلية يوم 17 مارس 2013 أن جون بايدن / نائب الرئيس الأمريكي خاطب رؤساء المنظمات اليهودية أثناء جلسة الإستماع الأخيرة التي خضع لها هيغل / المرشح لشغل منصب وزير الدفاع الأمريكي ? خاصة وأنه اتهم بأنه هاجم اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقال بايدن ((أن إسرائيل أفضل وأرخص سفينة حربية أمريكية، وأنه لا يمكن إغراقها ، وستحافظ أمريكا على هذه السفينة إلى الأبد)). هذا الكلام يحيلنا على كلام مشابه قيل قبل حوالي أربعين سنة، على لسان وزير خارجية الكيان الصهيوني الأسبق أبا إيبان ردا على أحد الصحفيين الأمريكيين عندما قال له بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية «ربّة» نعمة إسرائيل (إن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي الرابح من علاقتها معنا). وعندما سأله الصحفي الأمريكي كيف ذلك ؟ قال ((إن الولاياتالمتحدة تحتاج من أجل الحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط إلى عشر حاملات طائرات نووية ، كلفة كل واحدة منها , في ذلك الوقت, مليار دولار سنويا، ونحن نقوم بهذه المهمة للولايات المتحدة مقابل ملياري دولار فقط، مما يعني أن أمريكا توفّر على ظهورنا ثمانية مليارات دولار سنويا)) . في إعتقادي أن من لم يكتشف حقيقة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية بعد كل الدلائل الساطعة وخاصة بعد هذين التصريحين ، إما أنه أعمى البصر والبصيرة، وإما أنه لا يزال يجاحد في الأمر لأسباب يمنعنا حياؤنا من أن نذكرها. فإسرائيل تعرف أنها لا يمكن أن تستمر بضعة أسابيع لو تخلّت عنها الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولذلك فإنها تضع نفسها دون حدود في خدمة المخططات الأمريكية، مع تمنّعها وتدلّلها بين الحين والآخر للحصول على مزيد من المكاسب ، تماما كما يفعل الطفل مع أمه التي يعرف أنها تحبه ولابد لها في كل الحالات من تلبية مطالبه كلها أو بعضها. والولاياتالمتحدةالأمريكية تعرف أنها بحاجة لخدمات الكيان الصهيوني ، ولا تثق بأي طرف آ خر في المنطقة, عربيا كان أو غير عربي , ليقوم بهذه الخدمات بدلا من الكيان الصهيوني. وعليه فإنها تقدم له ما يتوجّب الأمر من دعم سياسي واقتصادي وعسكري ، وتلبّي له بعض المطالب الإستثنائية كما يلبّي العشيق مطالب معشوقته التي تلبي له بدورها كل مطالبه، إقتناعا منه بعدم قدرة أي معشوقة أخرى على تلبية تلك المطالب. ولعل أسباب هذا الزواج « الكاثوليكي « بين امريكا وإسرائيل متعددة أبرزها: البيع لو تسخلت الولاياتالأمريكية عنها، ولذلك فإنها تضع نفسها دون حدود في خدمة المخططات الأمريكية، مع تمنّعها وتدللها في أن الولاياتالمتحدةالأمريكية والكيان الصهيوني قاما بطريقة متشابهة، أي على أنقاض شعب آخر هو صاحب الأرض، وأنهما مارسا نفس الأسلوب للحصول على الأرض والتخلص من أصحابها ، أي العدوان والإرهاب وكل الطرق اللا إنسانية. - أن تركيبة البلدين البشرية متشابهة تماما ،حيث يضم كل منهما خليطا من أبناء كل بقاع الدنيا، لا يجمعهم سوى رغبة العيش في بحبوحة. - وأخير ا فإن كلا منهما يعرف الآخر جيدا ويرى أن مصلحته تقتضي الإلتقاء معه ، ويتعاملان فيما بينهما على المكشوف بالطريقة الميكافيلية التي تقول بأن الغاية تبرر الوسيلة هكذا يتضح لنا لماذا لم يقل الرئيس أوباما كلمة واحدة عن الإستيطان الصهيوني الذي يمنع عمليا إقامة ما يدّعي حرصه على إقامته وهو (تحقيق رؤية حل الدولتين لمصلحة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي)، لم يقل كلمة واحدة عن جدار الفصل العنصري الذي يقيمه الكيان الصهيوني فيحوّل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية إلى باندوستانات منعزلة ويخلق ظروفا لا إنسانية لأبناء المناطق التي يمر منها الجدار ، رغم ما كرّره مرارا بأن (الفلسطينيين يستحقون إنهاء الإحتلال وحرية الحركة والأمن والسلام ومستقبلا أفضل لهم ولأطفالهم). لم يقل شيئا من هذا القبيل رغم أنه رأى بعينه الجدار الممتد كأفعى، وعاين بنفسه المستوطنات الصهيونية الجاثمة على رؤوس تلال الضفة الغربية كالدمامل، ولم يقل شيئا عن آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون ومعتقلات الإحتلال الصهيوني ، رغم توصله بالعديد من الرسائل من أمهات وزوجات وأبناء الأسرى وتقارير مفصلة عن المعاملة اللا إنسانية التي يعاملهم بها عتاة الإرهاب الصهيوني. إن الزيارة وما سبقها ورافقها يجعلنا نتصور الرئيس اوباما إنما جاء إلى الكيان الصهيوني ليتفقد البارجة كما سمّاها نائبه بايدن أو الثكنة أو القاعدة المسماة « إسرائيل « المزروعة في منطقة الشرق الأوسط . . تماما كما يفعل عندما يتفقد القوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان أو العراق وغيرهما. ونستطيع تلخيص زيارة الرئيس أوبا ما للمنطقة بفقرتين تبادلها أوباما مع الرئيس محمود عباس أثناء إجتماعهما في رام الله، عندما طلب أوبا ما من أبو مازن عدم الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيل لأي سبب كان ، بما في ذلك موضوع الإستيطان . ورد عليه الرئيس أبو مازن بقوله سننتظر شهرين إضافيين قبل إي خطوة ، على أمل إقناع إسرائيل بتجميد البناء الإستيطاني للدخول في مفاوضات فوريه ، ولكننا وفي الوقت الذي ستبتديء فيه إسرائيل البناء في منطقة « آي 1 «فإننا سنتوجه فورا إلى محكمة الجنايات الدولية. ونختم حديثنا بإيراد نتيجة الإستفتاء الذي أجرته وكالة «معا الإخبارية «الفلسطينية ونشرت بعض نتائجه يوم 24 مارس 2013، حيث قال المصوتون جوابا على سؤال : كيف ترى زيارة أوبا ما للمنطقة؟ - 5.5 بالمائة يرون أنها حقّقت نفعا للفلسطينيين. - 90.4 بالمائة يرون أنها كرّست الإستيطان وقهرت الفلسطينيين. - 4.1 لم يكوّنوا رأيا بعد . لقد فهم الناس عامتهم وخاصتهم ما جرى ، ونتمنى أن يفهم بعض الحكام العرب الذين ينغمسون في الموضوع الفلسطيني لأسبابهم وأهدافهم الخاصة وبطرقهم الخاصة، نتمنى أن يفهموا أن أي موقف معاكس لفهم الناس عامة، سيكون مكشوفا، وسيكون له ما بعده إن لم يكن عاجلا، ففي زمن غير بعيد . صحيح أن الربيع العربي جعلته بعض الأطراف الداخلية والخارجية خريفا، إلا أن الشباب الوطني لازال قادرا على تحقيق المعجزات وقادرا على مواصلة النضال كما قال الشاعر الفلسطيني المناضل توفيق زياد ( ما دامت في سواعدنا قوة وما دامت في شوارعنا حجارة). (*) عضو المجلس الوطني الفلسطيني