منذ اللحظة الأولى لبدء الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية ال24 بالدوحة بدا أن ملف هيكلة الجامعة يحتل مكانا بارزا على أجندة هذه القمة التي تزامنت مع تفاعلات بالمنطقة أحدثتها رياح التغيير بدول الربيع العربي وتأزم الوضع في سوريا وجمود سلام الشرق الأوسط، وتنامي الدعوات لتأكيد حقوق المواطن العربي في الحريات والحقوق. وقد كشفت أزمات عربية متلاحقة عن حالة من العجز لدى جامعة الدول العربية بدت معها مكتوفة الأيدي لافتقارها إلى آليات واضحة للتحرك على كثير من الأصعدة مع عدم القدرة على اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب ، وتحويل القرارات إلى حقائق على أرض الواقع بما يلبي طموحات الشعوب العربية ويواكب التغيرات المتلاحقة. فشل فكرة نشر مراقبين عرب في سوريا كانت آخر المحاولات التي نبهت لضرورة وجود آلية فاعلة لتسوية النزاعات والأزمات والتي سبق إليها على سبيل المثال الاتحاد الأفريقي. وكانت مصر قد قدمت في عهد نظامها السابق بقيادة حسني مبارك مبادرة لإصلاح وتطوير الجامعة عام 2003 وكذلك السعودية التي اعتبرت ما عرف إعلاميا بوثيقة العهد التي أقرت عام 2004 أساسا لهيكلة الجامعة. وفي هذا السياق أكد أحمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة، بوضوح خلال الجلسات التمهيدية لقمة الدوحة، إن الجامعة يجب أن تتطور لتواكب العصر وتقترب أكثر من مشاغل المواطن العربي وهمومه خاصة المتعلقة بالتنمية. كما شدد على أن الجامعة «يجب أن تعيد الاهتمام بالحريات وبحقوق المواطن العربي وبكرامته لتكون انعكاسا حقيقا لما يتطلع إليه الناس». واعتبر بن حلي أن تطوير الجامعة العربية أصبح ضرورة قائلا «إذا لم تواكب الجامعة التغيرات ستكون بدون شك مقصرة». وقبل نحو عام شكل الأمين العام للجامعة نبيل العربي لجنة مستقلة برئاسة الأخضر الإبراهيمي لبحث الإصلاحات المقترحة والتي تستند في جزء كبير منها إلى وثيقة العهد السعودية التي أقرت بقمة تونس عام 2004، بالإضافة لمبادرة مصر عام 2003. ودعا العربي لإعادة هيكلة الجامعة لضمان العمل العربي المشترك وإعادة النظر بجميع الاتفاقيات السابقة قبل إصدار أي قرار, معتبرا أن الجامعة مقبلة على تحديات كبيرة. وكانت المبادرة المصرية قد حددت عدة محاور نقطة انطلاق تشمل تنقية الأجواء العربية والتكامل الاقتصادي العربي وتشكيل برلمان عربي وإقامة نظام للأمن القومي العربي، مع دعم المنظمات العربية المتخصصة. وتشمل المبادرة المصرية أيضا وصول الجامعة للمجتمع المدني العربي ومؤسساته وتعديل نظام التصويت بأجهزة الجامعة، مع اعتماد أسلوب الدبلوماسية الجماعية. أما وزير خارجية السعودية سعود الفيصل فقد اقترح تشكيل لجنة غير سياسية لتطوير الجامعة في إطار المبادئ المنصوص عليها بوثيقة العهد والميثاق التي تم إقرارها بالقمة ال16 في تونس والتي وقعت عليها جميع الدول العربية. ودعا الفيصل، أمام اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب بدورته ال139 بالقاهرة، فريق العمل، إلى البحث بكل تجرد في المسببات التي أدت لتكبيل العمل العربي المشترك ووضع الخطط والهياكل للنهوض به من جميع جوانبه السياسية والتنظيمية. واعتبر أن «وثيقة العهد والميثاق» هي الأساس الأمثل الذي ينبغي الانطلاق منه لتطوير الجامعة شكلا وموضوعا. وشدد على أن إعادة هيكلة منظمة العمل العربي المشترك ومسألة التعيينات وزيادة ميزانية الجامعة لا بد أن ترتكز على عدة عناصر منها تقديم تصور كامل لتطوير منظومة العمل المشترك بما فيها التطوير المالي والإداري. ولعل ما يحدث بدول الربيع العربي يكشف عن ضرورة أن تشمل الآليات المقترحة نزع السلطوية ومحاولة دمج الشعوب وتفعيلها بالحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي، وبالتالي إخراجها من حالة الاحباط وفقدان الثقة. في هذا الإطار وصفت وثيقة العهد الواقع العربي بالمرير، وطالبت ببعث اليقظة في نفوس الأمة حتى تكون قادرة على مجابهة التحديات وصولا إلى نموذج مثل مجلس الاتحاد الأوروبي. في هذا السياق أيضا، جاء استحداث منصب نائب الأمين العام للجامعة في هيكلة الأمانة العامة لأول مرة في إطار تنفيذ قرار قمة بغداد الأخيرة بتفويض الأمين العام للجامعة بإعادة الهيكلة. ومع تتابع الأزمات ورياح التغيير بالمنطقة، بدا أن بند الإجماع لاتخاذ القرارات لم يعد مجديا، وأن اتفاقية الدفاع العربي المشترك تم تجاهلها وظهرت الحاجة لتفعيلها وإنشاء قوة عسكرية مسلحة بأحدث الأسلحة لتكون قوة رادعة لحماية الشعب العربي. كما برزت الحاجة لوحدة اقتصادية حقيقية لتحقيق التكامل العربي. وتؤكد العديد من الدراسات والإستشارات إنه من الضروري أن ينظر القادة والزعماء العرب بأهمية بالغة لتفعيل مجلس السلم والأمن العربي كآلية هامة وفعالة لمواجهة ما يتعرض له العالم العربي من تهديدات خطيرة تنذر بكوارث . كما أن إعادة الثقة للشباب العربي الذي يقود الحراك والتغيير بالدول العربية مسألة مهمة بالنظر إلى الفجوة الكبيرة التي أحدثتها الجامعة وقراراتها التي لا تري النور وتظل حبرا علي الورق.