شخْصيّا، لستُ مع بنكيران ولا أنا ضدّه، أنا الآن أكتبُ عنْ حالة إنْسانية اسْمها بنكيران لمْ تكن تحلم، يوما ما، بأنها ستكون على رأس أوّل حكومة ملتحية منذ 2011، وهي حالة جديرة بالدّراسة السّياسية والتحليل النّفسي العميق اللذيْن سيضعانها في إطارها الحقيقيّ الخالي من أيّ تزويق. وقبل الاسترسال في سَرْد هذه الحالة الكيرانية، سأسْتعين هنا بالآية الكريمة التي تقول : «وهو معكمُ أينما كنتمْ». إن الأمر يتعلق هنا بالله الذي يَرى ولا يُرى وليس ببنْكيران وحده، فما بالك بالآية الأخرى التي تقول: «فأينما تُولوا وجوهكم فثمّ وجه الله»، غيْر أنّ بنكيران ليْس هو الله في هذه الحال، إذْ ليْس في الأمْر مقارنة مع وجود الفارق طبعا، فالله هو الخالق وبنكيران هو المخْلوق، ولكنّ وجود هذا الكائن الإنْساني، المثير للجدل، وللتعاليق الساخرة، على شاشتنا اليوْمية، حاضرا جسديا ومعنويا، ومنكّتا وقافزا فوق حبال السّياسة مثل بهْلوان، ضاربا عرض الحائط بكل التوقعات، فيما يُسمّى ب»الصّحافة المسْتقلة»، اليومية وحتّى الأسْبوعية، يطرح أكثر منْ علامة استفْهام كبيرة عن معنى هذا الحضور الإعلامي الكثيف الذي يتْبعه كظلّه أينما حلّ وارتحل: فلا عبد الرحمان اليوسفي، بتاريخه النّضاليّ الطويل، ولا إدريس جطّو حظيا بهذا الاهتمام الصحفيّ المتواتر حدّ الأسْطرة! ذلك أنّ ثمّة أسْماء ونعوتا جعلت من بنكيرانْ، عن قصْد، حالة «شاذّة»، وفولكلورا سيّارا، حتى بتْنا نتساءل كل صباح: هل إن بنكيران هو وحده في السّاحة السياسية بالمغرب؟ هلْ هو «المهدي المنتظر»، الذي ينتظره الشّيعة؟ أكاد لا أصدّق هذا الاهتمام الإعلامي الزائد عن الحدّ، الذي يدْفعني إلى الشعور بالقرَف والضّحك معا. ثمّة ما يُسمى ب»لحْية بنكيران» - بنكيرات ونساؤه العدْليات التنمويات وهنّ يحطن به كأنه دونْ جوانْ بابتسامته الصافية الواثقة، كأنه دافيدْ بويْ- بنكيران ربْطة العنق التي لمْ يضعها قطّ في حياته- بنكيرانْ وجهله بالبروتوكول الرسمي الخ. إنّ مردّ هذا الاهتمام برئيس حُكومتنا الموقّرة راجع إلى كونه ليْس فقط شخْصية عُمومية، بلْ إلى كونه شخْصيّة «استثنائية»، لذلك فإنّ هذا الاستثناء راجع إلى كون بنكيران أتى إلى السياسية من باب الدّين وليْس من تجربته المحنّكة، مثل أردوغان تُركيا الذي يفْصل بيْن الدّين والدّولة، خدْمة للدّولة نفسها. هناكَ وجْهان مختلفان لعُمْلة واحدة: إمّا أنّ هذا الإعْلام المكتوب يجْعل من بنكيران يوميا «قضيّة» للتسْلية الصحفية، مثلُ لعبة سياسية قابلة للانتشار على نطاق واسع، وإما أنه يسْتثمره حتّى يبيع نفسه جيدا، فهو يلمّع صورته من حيث يدري ولا يدْري، هكذا أضْحى بنكيران شخصية فولكلورية بغضّ النّظر عنْ حُسْن نية أصْحاب الصّحافة المستقلة، الذين يتندّرون بنوادر بنكيران واقوال بنكيران وتصْريحات بنكيران، وعفاريت بنكيران، وتماسيح بنكيرات، وساحرات بنكيران. أكيد انّ للرجل نوايا حسنة ربّما إزاء ما يقدم عليه من أفعال وتصْريحات، لكن النوايا شيء وتطْبيقها شيء آخر، فهي تصْطدم دائما بواقع الحال وبالاختيارات السياسية والاقتصادية، فإلى الآن، فإنّ الجوْقة التي تتبعه في الكلام المباح، هنا وهناك، إنما تكْشف عنْ وجهها الآخر. فهذا المدعو أفتاتي يبدو في صورة بشعة وهو يصْرخ بملْء فمه بأنّ الانتخابات مجرّد «بوزبّال»! وهذا المدْعو المقرئ أبو زيد يشْتُم الفنّ والفنّانين والناسَ أجْمعين، وهذا وذاك من بقيّة الجوقة التي تكوي وتبخّ، والنتيجة أننا أمام خليط عجيب من القرارات والتصْريحات التي تصبّ كلها في خانة سياسة بنكيران الرّسمية. إنّ بنكيران لفي كلّ مكان.