الأخ الكاتب الأول الأخوات والإخوة أعضاء الفريق الاشتراكي « لولا أن أقوالنا في هذه الأيام تتعرض للكثير من التأويلات وأحيانا بالتفسيرات البعيدة عن الحقيقة ما كنت لأكلفكم الإنصات لمداخلة مكتوبة, استسمحكم إذ أطلت فيها شيء ما، لأن أهمية اللحظة ودقة المحطة تقتضي أن نستعرض جملة من القضايا التي عشناها كمناضلين اتحاديين سواء خلال لحظة المؤتمر الوطني التاسع أو ما تلها. وإذ لم أقف عند بعض التفاصيل أرجو ّأن لا يفسر ذلك بهروب، أو جبن أو توافق غير معلن أو أشياء من هذا القبيل بل أن ما يجب أن يفهم عن الجميع، هو الرغبة (ولا أجازف إذا قلت رغبة الجميع في التوجه نحو المستقبل وجعل مسؤولية الحفاظ على وحدة حزبنا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فوق كل الاعتبارات، دون أن نفرط جميعنا في الثوابت. نعم ينعقد هذا الاجتماع:حزبيا إثر المؤتمر التاسع. وينعقد برلمانيا بعد مرور ما يفوق السنة من عمر الولاية التشريعية الحالية والتي يتعين اليوم القيام بحصيلة موضوعية لنتائجها، وبتقييم جريء وشجاع لأدائنا كفريق وكحزب. ويجب أن يرتكز هذا التقييم على حصيلة ما أنجازناه وعلى المبادرات التي سنتخذها للرفع من أدائنا بما يستجيب لاختيارنا السياسي كمعارضة وطنية ديمقراطية، وما يجعل من فريقنا قوة فاعلة في الدفاع عن الإصلاحات ومواجهة كل التراجعات وطاقة اقتراحية لتحفيز البديل. ولقد سبق للفريق في إحدى اجتماعاته أن قرر عقد أيام دراسية لتناول هذا الموضوع، وهذا ما سنقوم به بحول الله في الأيام القليلة المقبلة. ومن جهة ثانية: ينعقد اجتماعنا هذا في مناخ سياسي وطني تختلط فيه أوراق المشهد السياسي المبعثر، والتي تجعل المواطن العادي (فبالأحرى الفاعل السياسي) حائرا بين مشهد يكاد يكون سرياليا. هذه أطراف من الأغلبية تتحول إلى معارضة شرسة في حق حكوماتها وفي انتقاد الوضع وأحيانا أطرف من الحكومة نفسها تتحول إلى معارضة، بينما البلاد تواجه وضعا اقتصاديا صعبا ووضعا اجتماعيا تتفاقم خطورته من يوم لأخرى، وفي وقت توجد الوثيقة الدستورية التي هي الموجه في محطة الانتظار شأنها في ذلك شأن الإصلاحات الكبرى التي ينتظرها المواطنون. ومن شأن، استمرار هذا الوضع أن يشكل خطورة كبيرة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الداخل ومسا بصورة ومصالح بلادنا الحيوية في الخارج. إننا كفريق اشتراكي ينتمي إلى حزب وطني قدم الغالي والنفيس للدفاع عن الإصلاحات، ويدرك التحديات الكبرى المطروحة على بلادنا على جميع المستويات، لن نقبل أبدا أي تبرير للتأخير في إطلاق وتنفيذ الإصلاحات المصيرية. وإن من مهام فريقنا وأسبقياته أن نجعل من التفعيل الديمقراطي للدستور وإصلاح الدولة أولوية نضالية وطنية تلتف حولها كل القوة الديمقراطية والاجتماعية في البلاد . لا مراء في أن ما ينتظرنا من مهام يحملنا المسؤولية التاريخية إزاء بلادنا وناخبينا وإزاء حزبنا، وفي طليعة هذه المهام تفعيل الوثيقة الدستورية. إن المخطط التشريعي الذي جاءت به الحكومة، والذي كان من المفروض أن يشكل التجسيد العملي لتفعيل الدستور يجعلنا كمعارضة اليوم مضطرين للقول وبالوضوح اللازم بأنه أسلوب يتنافى ورح الدستور الذي خص المعارضة بوضع سياسي واعتباري متميز في حين يجعل المخطط من وضعها وضعا شاذا اعتبارا للملاحظات التالية: أولا: إقصاء المؤسسة التشريعية برمتها من أي استشارة تخص الأعمال التحضيرية للمخطط مما يشكل مسا في العمق بدور ممثلي الأمة, حيث نفاجأ بعرض الحكومة لخارطة طريق وجدول أعمال خاص بها وجعل المؤسسة التشريعية خاضعة لهذا البرنامج . الملاحظة الثانية: تتمثل في كون الحكومة، بتحديدها القطاعات الحكومية التي ستسهر على إعداد مشاريع القوانين، صادرت مسبقا حق المؤسسة التشريعية في المبادرة التشريعية، لأنها لم تشر في وثيقتها إلى هذه الإمكانية، إمكانية قبول المبادرات التشريعية من جانب البرلمان، وهو حق مكفول دستوريا علما بأن عدد مقترحات القوانين المودعة لدى اللجان النيابية الدائمة يتجاوز الستين، جزء كبير منها للفريق الاشتراكي. وتعكس الرؤية المقاربة التشاركية التي كنا قد نبهنا إليها في مطلع الولاية إن محاولة الالتفاف العملي على المبادرات التشريعية للمعارضة، وهذا ما تؤكده نوايا المخطط التشريعي، لن يكون مقبولا من جانبنا وسنواصل مبادراتنا التشريعية من خلال طرح مقترحات القوانين بما يكفل التنفيذ الأمثل لمقتضيات الدستور. لقد تقدمت المعارضة الاتحادية بمقترحات قوانين بالغة الأهمية تهم مثلا القانون الجنائي في الشق المتعلق بالاغتصاب وتزويج المغتصبات وسن الزواج، وهو ما التفت عليه الحكومة بدفوعات شكلية، في الوقت الذي تعاني منه الفتيات المغتصبات من الاعتداءات أو تدفعهن المعاناة إلى الانتحار (حالة الطفلة أمينة الفيلالي). المثال الثاني هو مقترح قانون حول ضمان حق الحصول على المعلومات، وهو قانون برهانات اقتصادية وسياسية واجتماعية كبرى، وقد التفت عليه الحكومة من خلال أغلبيتها حيث عرقلته بعد أن تم تقديمه في لجنة العدل بدعوى أن فريقا من الأغلبية تقدم في آخر لحظة بمقترح قانون في الموضوع. وعندما بحثنا في الأمر وجدنا أن الفريق المعني تقدم بمقترح 12 ساعة قبل اجتماع اللجنة، في الوقت الذي يوجد مقترح الفريق الاشتراكي في اللجنة منذ يوليوز 2012، وعندما دققنا في الأمر وجدنا أن الأمر يتعلق بخواطر كتبت بإيجاز من الوزير الوصي عن القطاع المعني ليعرقل مقترح قانون الفريق الاشتراكي. نفس الشيء وقع لمقترح قانون فريق أخر من المعارضة حول القانون المنظم لعمل لجان تقصي الحقائق. هذان القانونان يكتسيان أهمية خاصة في محاربة الفساد والريع وإعمال الحكامة وعدم الإفلات من العقاب والمساواة بين المواطنين. ومع ذلك عرقلتهما الأغلبية. الملاحظة الثالثة: تتمثل في المسافة الزمنية لمخطط الحكومة, إذ يمتد على مدى ولاية كاملة تقريبا أي حتى 2015. والسؤال الأول المطروح وهو أنه إذا كانت هذه الحكومة قطعت على نفسها محاربة الفساد وإعمال الحكامة وتطبيق الدستور إلخ، والقوانين طبعا هي أدواتها في ذلك، وإذا كانت هذه القوانين لن تنتهي تشريعيا إلا في 2015، فبأية أدوات ستحارب الفساد؟ كيف ستنزل الإنصاف؟ كيف ستطبق الجهوية؟ كيف ستضمن حقوق الناس في الولوج إلى تقاضي منصف إلخ... إن الوثيرة التي تسير بها الحكومة، على الرغم من السلطات الدستورية والقانونية والسياسية التي تتوفر عليها، والتي لم تتوفر لأي حكومة من قبل، لا تدعو للارتياح، ولا تؤشر إلى أن المخطط التشريعي الحكومي سيعرف طريقه إلى التنفيذ. الملاحظة الرابعة: تتمثل في أن قوانين مؤسسة ولها دلالات رمزية، ولها في نفس الوقت مفعولا عمليا على الفئات الهشة كالنساء والأطفال والمظلومين في المحاكم، وعلى مصالحة المغرب مع تاريخه وثقافته ومجالاته الجغرافية، هذه القوانين مؤجلة إلى 2015، مثلا هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز (الصفحة 34 من المخطط) والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة (نفس الصفحة) والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي وقانون النقابات وغيرها. الملاحظة الخامسة: وتتمثل في افتقاد المخطط التشريعي للخلفية السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤطره ويستند إليها عمل الحكومة التشريعي، أي إننا أمام تغييب للفلسفة التي تعطي الروح للقانون، حيث جاء تقديم المخطط فقيرا لا يعكس التراكم الذي تزخر به المسيرة المطلبية والتي كانت وراءها نضالات سياسية ونقابية ومدنية وحقوقية لأوسع فئات الشعب المغربي. ويتطلب منا هذا الفقر في المقاربة الحكومية أن نكون أكثر اجتهادا وإبداعا لتعويض ما يمكن أن يتحول إلى ضعف في المنتوج التشريعي الذي قد يفرغ التعديلات الدستورية من نفسها الإصلاحي المتوهج والمتوجه إلى المستقبل. إننا بصدد إعلان عن مخطط شبه جاف لا نريده أن يثمر نصوصا معتلة أو ضعيفة. إننا لا نحاكم النوايا ولكننا عمليا إزاء بوادر غير مطمئنة وإزاء أسبقيات لا نرى فيها التنفيذ الأمثل لمقتضيات الدستور، لذلك فإن دورنا كمعارضة مواطنة اقتراحية ومتطلعة إلى المستقبل هو أكثر من أي وقت مضى مطلوب ليس فقط في البرلمان ولكن أيضا في المجتمع ومع الفاعلين بمختلف مكوناتها مع احترام تام لادوار كل منا. في هذا الصدد، وبعد أن انشغلنا بالإعداد للمؤتمر وبمناقشة القانون المالي خلال الدورة التشريعية السابقة، سيكون علينا تفعيل برنامج اللقاءات الدراسية والندوات والمناظرات التي سبق أن حددنا مواضيعها وخطوطها العريضة خلال الدخول السياسي برسم السنة الجارية. وانطلاقا من النقاش العام الذي سنجريه مع الفاعلين والمهتمين، سيكون بإمكاننا تطوير مقترحاتنا والتفاعل الايجابي مع مطالب المجتمع في الواجهة التشريعية لإعمال الدستور. إننا نرى في ذلك تشريعا ينبني على مقاربة القرب والتنوع وجدلية التفاعل مع المجتمع. وسنعمل ونحن ننفذ ذلك وفق منهجية لامركزية بحيث سيكون علينا الانتقال إلى حيث يكون ذلك أفيد سياسيا واقرب وجدانيا إلى هموم الناس. كما سنعمل وفق منهجية تقربنا من الخبرات الوطنية التي تزخر بها الجامعة المغربية والهيئات المدنية وفي قلبها بالطبع الخبرات والكفاءات الاتحادية المشتتة في أرجاء الوطن والتي هي في حاجة إلى التثمين والتجميع وإعادة الاعتبار. وسيظل الهدف هو تمكين بلادنا من القوانين والتشريعات التي تضمن الحقوق والحريات وتيسر التنمية والتقدم وتمكنها من أدوات التمنيع وصد كل تراجع عن المكتسبات وتسريع وثيرة الإصلاح. وسيظل من أهدافنا المركزية أيضا تيسير استقرار بلادنا وكفالة ممارسة سلطات كل مؤسسة وكفالة حسن إعمال هذه السلطات. في هذا الصدد تنتظرنا أوراش استراتيجية من قبيل الجهوية وقوانين الانتخابات بما فيها أنماط الاقتراع واللاتركيز الإداري والضرائب والقانون التنظيمي للمالية والتنفيذ الذكي والأمثل للدستور في شق دسترة الامازيغية والإنصاف والمساواة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية . إن الأمر يتعلق عمليا بإصلاح في الهياكل الحساسة للدولة وهو ما يتطلب الجهد والإبداع والعمل الجماعي والانفتاح على طاقات المجتمع. ووسط كل هذا ستظل قضية وحدتنا الترابية محورا أساسيا في أعمالنا ونضالنا واتصالاتنا الخارجية وسنظل يقظين للتصدي لكل المناورات التي تحاك ضد هذه القضية المركزية. من أدوات عملنا الإعلام والتواصل . وفي هذا الصدد سيكون علينا تطوير تواصلنا مع المجتمع وتثمين أعمالنا وتسويق مواقفنا على أساس وحدة خط عمل الفريق ومواقفه. كما قلت ينعقد اجتماعنا كذلك في سياق حزبي خاص، لاشك أنكم تستحضرون كل المعطيات المرتبطة به، إنه أول اجتماع للفريق النيابي بحضور الكاتب الأول الجديد، والذي أصبح كاتبا أول لكل الاتحاديات والاتحاديين بعد الموتمر الأخير ولا داعي للتذكير بالدور الرئيسي المنوط بالفريق النيابي، كذراع مؤسساتي أساسي للحزب في تصريف خطه السياسي داخل المؤسسات، وكأداة لضمان امتداده الشعبي وسط المجتمع. لذلك نعتبر أن النجاح في مهامنا المستقبلية هو مسؤولية مشتركة، وأن النجاح في هذه المهام رهين بحرصنا على الانسجام في المواقف، ولن يتأتى ذلك إلا بالتشاور المستمر والحوار الهادئ والبناء في كل القضايا الأساسية. إن قناعتنا تتجه بالأساس إلى أن إنجاز ما ينتظر الحزب من مسؤوليات ومهام يقتضي الحرص على وحدة صفوفه وتآزر مكوناته، واتساع أفقه لكل الآراء والمبادرات الهادفة إلى تطوير أدائه وتحديث أساليب عمله. وفي هذا الإطار، نعتقد أن نجاح ورش إعادة بناء الاتحاد وتجديد هياكله واتساع إشعاعه يتطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى التفكير في الآليات الكفيلة بتدبير الاختلاف وسط الحزب. فالاتحاد في الوقت الحاضر، لا يحتاج لكل أبنائه فقط، بل يجب أن يصبح بيتا لاستقبال كل الطاقات المجتمعية التواقة لبناء مغرب المؤسسات، مغرب الحداثة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ولن يتأتى تحقيق هذه المهام النبيلة إلا بتحلينا جميعا بالشجاعة لمواجهة أعطابنا والعمل سويا نحو أفاق رحبة وبالأخلاق النضالية التي عرف بها الاتحاد دوما».