أخيرا صدرت الصيغة النهائية للمخطط التشريعي ،كما وافق عليها مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 22 نونبر 2011-رغم اننا لا نجد مثل هذا الاختصاص واردا في صلاحيات المجلس الحكومي المحددة في الدستور-،ليتم بعد ذلك احالته الى البرلمان،و هذا ما طرح العديد من الأسئلة السياسية و القانونية ،عن العلاقة المفترضة للبرلمان بهذا المخطط. لافت في البدء،ان هذا المخطط لم يكن موضوع حوار قبلي مع مكونات السلطة التشريعية ،اغلبية و معارضة،و لاشك ان الحكومة من جديد لا تميز نهائيا بين مجال مهامها المتعلقة بالولاية الحكومية العادية ،و الخاضعة منطقيا،الى قانون الأغلبية،و بين مجال" مهامها شبه التأسيسية" المتعلقة بكتابة النصف الثاني من الدستور ،و التي كان لها ان تدبر بمنطق الحوار العمومي اكثر من منطق الأغلبية العددية. عموما من الملاحظات الأولية حول هذه الصيغة الجديدة،ما يتعلق بتغييب القانون التنظيمي المتعلق بحقوق المعارضة البرلمانية الذي ينص عليه الفصل العاشر من الدستور،وهذا ما يرتبط بممارسة الحكومة لقراءة خاصة للدستور مما يطرح الكثير من الأسئلة. من جهة أخرى،المخطط التشريعي ،عكس المسودة التي سبق ان تسربت في شهر اكتوبر الماضي ،يكرس التأويل السليم للفصل 146 من الدستور،حيث قد يتوقف النزيف الذي أطلقته الحكومة السابقة بتجزئ القانون التنظيمي "الوحيد"-حسب منطوق الدستور-المتعلق بالجهوية ،الى قوانين عديدة ،بتزكية من المجلس الدستوري. الملاحظة الأبرز،ترتبط بالتراجع عن إقحام الحكومة للديوان الملكي كجهة قد تتكلف بمراجعة القوانين المتعلقة بالمجلس الوطني لحقوق الانسان ،و مجلس الجالية المغربية بالخارج،و مؤسسة الوسيط. نعم لقد خرجت بعض هذه الهيئات من رحم الفصل19 من الدساتيرالسابقة،لكن دستور 2011 الذي جعل من البرلمان محتكرا للسلطة التشريعية،أحال على القانون في كل مايتعلق بتحديد تأليف و صلاحيات و تنظيم و قواعد سير هذه المؤسسات و الهيئات (الفصل171)،كما أن بامكان القانون ان يحدث هيئات اخرى للضبط و الحكامة الجيدة(الفصل159). إن التنصيص الدستوري على كون هذه المؤسسات "مستقلة' ،و تفسير المجلس الدستوري لهذه الاستقلالية ،بكونها مؤسسات غير خاضعة لا للسلطة الرئاسية لوزير معين و لا لوصايته.لا يلغي أحقية الحكومة دستوريا و سياسيا في اعداد مشاريع القوانين المتعلقة بهذه المؤسسات. لذلك فإسناد اعدادها للديوان الملكي،لم يكن يندرج سوى في اطار تأويل رئاسي للوثيقة الدستورية ،و استمرارية ارادية لمسلسل التنازل عن الصلاحيات الحكومية،مما يجعل الصيغة الجديدة من المخطط موفقة في هذا المجال. ان التخوف المشروع من هذا المخطط،يتعلق بتحوله لوسيلة لمصادرة المبادرة التشريعية للبرلمانيين ،و هنا فان قرائن النزوع 'التحكمي"للحكومة في مجال التشريع ،واردة على الاقل من خلال ثلاثة مؤشرات ،اولها الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع بعض مقترحات القوانين ،اذ عوض ترك المبادرة التشريعية للنواب تاخد مجراها الطبيعي،ابدت الحكومة رغبتها في تجميد الزمن التشريعي الى حين قدوم مشاريعها -قيد التحضير-المتعلقة بنفس مواضيع المبادرة المذكورة،و لعل هذا ما اثار استياء المعارضة و جزءا من الأغلبية على السواء ،مثلا في حالة مقترح قانون الولوج الى المعلومة،ثاني هذه المؤشرات تتعلق بتضمين المخطط التشريعي لمجموعة من النصوص ،جزءا منها موضوع امام مكتب مجلسي البرلمان،بمبادرة نيابية من فرق الأغلبية او المعارضة،بل ان جزء منها انطلق النقاش حوله في صيغة مقترحات قوانين امام اللجان .ثالث المؤشرات يتعلق بتواتر بعض التصريحات المنسوبة لبعض زعماء الأغلبية الحكومية،و التي طورت نظرية "دستورية "-عجائبية- مؤداها ان من الناحية السياسية ليس من حق النواب التقدم بمقترحات قوانين تنظيمية! بدعوى الحساسية الخاصة لهذه القوانين. ان المخطط التشريعي ،ليس مشروع قانون ،ولانه مخطط للحكومة، فانه بالتعريف ليس مخططا لعمل البرلمان ،انه اعلان عن نية الحكومة في تقديم مجموعة من مشاريع القوانين ،موزعة على ما تبقى من زمن البرلمان ،حسب تقديرها و أولوياتها وجاهزيتها. وهذا من باب حقها الكامل في ممارسة المبادرة التشريعية التي يمنحها لها الدستور،اكثر من ذلك ان المخطط المذكور دليل على جهد جماعي و التزام حكومي ببناء ملامح لسياسة تشريعية منسجمة. لكن خارج ما ينتجه هذا المخطط من التزام سياسي و اخلاقي للحكومة،فان البرلمان ليس ملزما بتجميد مبادرته التشريعية بناء على اعلان النوايا التشريعية للحكومة 0انه بالنسبة للحكومة تقييد اخلاقي ،لكنه بالنسبة للبرلمان لا يملك اي قيمة إلزامية ،و لا يجب له ان يكون كذلك. ان التسليم البرلماني بهذا المخطط معناه ،نفي لوظيفة البرلمان،و تجميد لروح الدستور،و تنازل للبرلمان عن مهامه في التشريع ،و تتويج للحكومة كمصدر وحيد و أوحد في انتاج القانون. قد يصور بعض الوزراء هذا المخطط التشريعي كما لو كان "الماكنا كارطا"العظيمة(Magna Carta )،لكنه بالنسبة للبرلمان لا يجب ان يتعدى "واو عمرو "على حد تعبير العرب!