افتتح يوم أمس الاثنين بمدينة تولوز المؤتمر الخمسون للكونفدارية العامة للشغل (سي. جي. تي)، أعرق منظمة نقابية فرنسية. ألف مؤتمر يمثلون أكثر من 24 ألف «قاعدة» نقابية، سيناقشون، إلى حدود يوم الجمعة 22 مارس، توجهات المنظمة خلال الثلاث سنوات القادمة. ومن مؤشرات التجديد في هذا المؤتمر، كون 83 % من المؤتمرين يشاركون لأول مرة في فعاليات أعلى سلطة تقريرية في الكونفدرالية. المؤتمر لن يتحول، على ما يبدو، إلى حرب تنظيمية حول خلافة زعيم الكونفدرالية المنتهية ولايته، برنار ثيبو، ذلك أن القانون الداخلي لسي. جي . تي. يفرض أن يحسم أمر الترشيح للكتابة العامة شهورا قبل انعقاد المؤتمر. وهو ما حصل بالفعل يوم الثلاثاء 6 نونبر 2012. وبالفعل، ففي ذلك اليوم، صادقت اللجنة الكونفدالية الوطنية لسي. جي. تي. (برلمان المنظمة الذي يضم 125 عضوا يمثلون الفيدراليات والاتحادات الجهوية) على ترشيح ثييري لوباوون لقيادة النقابة. يبلغ الكاتب العام الجديد، الذي سينتخب رسميا يوم 21 مارس من طرف الهيئة التي صادقت على ترشيحه، 53 سنة من العمر، وهو لحام سابق في شركة مولينكس ورئيس فريق الكونفدراية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، علما أنه لم يكن الرجل الثاني في التنظيم النقابي خلال ولاية سلفه. ورغم أن الكاتب العام الجديد يعتبر «براغماتيا»، فإن الملاحظين يترقبون أن تتخلل عن المؤتمر نقاشات تسمها الراديكالية. ذلك أن الكونفدارية عبرت بقوة عن خيبة الأمل التي تخيم على أعضائها إزاء السياسة الاجتماعية والاقتصادية للرئيس فرانسوا هولاند، هي التي دعت إلى التصويت عليه في الدور الثاني من الرئاسيات. وحسب الكاتب العام المرتقب، فالرئيس الفرنسي يقارب العمل على اساس كونه تكلفة يجب تخفيضها، كما أنه منح المقاولات 20 مليار أورو مع رفض رفع الحد الأدنى من الأجور، وهي القرارات التي وصفها ثييري لوباوون بكونها مناقضة لالتزامات هولاند حول العدالة الاجتماعية إبان حملته الانتخابية، دون إغفال رفض الكونفدارلية، في يناير الماضي، التوقيع على الاتفاقية حول الشغل التي اقترحتها الحكومة ووقعتها ثلاث هيئات نقابية أخرى. ومع ذلك، يرى المتتبعون للشأن النقابي الفرنسي أن مقررات مؤتمر الكونفرالية لن تسير في اتجاه المغالاة، حفاظا على مصالح قاعدة التنظيم وعلى وحدة هذا الأخير. إنها الحرب «نحن في حالة حرب، بالمعنى الحرفي للكلمة وبمعناها الاستعاري»، هكذا تحدث الكاتب العام الجديد خلال اجتماع المجلس الكونفدرالي الوطني المنعقد يوم 5 فبراير الماضي، ملمحا إلى حرب مالي ومشيرا إلى «حالات الصراع القائمة في جبهة العلاقات الاجتماعية بفرنسا وأوربا». وحسب الملاحظين، فالمنحى الراديكالي الذي ميز مواقف السي. جي. تي. في الشهور الأخيرة، سيجد صدى واسعا في نقاشات المؤتمر الذي سيطلق النار، لا محالة، في ثلاثة اتجاهات: هيئة الباطرونا الفرنسية، الغريم النقابي «الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل» (سي. إف. دي. تي.)، والحكومة. لكن تحليلات عديدة تشير إلى أن شخصية الكاتب العام الجديد وبراغماتيته ستدفعان إلى تفادي المغالاة الراديكالية في صياغة مقررات المؤتمر. فهو يريد أن يضع بصمته على مستقبل الكونفدرالية، مثلما يسعى إلى إرجاعها للفضاء التعاقدي مع السلطة التنفيذية وأرباب العمل. إنه، تضيف ذات المقاربات، جد منتبه ربما للنتائج التي أسفرت عنها استطلاعات الرأي المنجزة من طرف مؤسسة مختصة تابعة للنقابة في نونبر الماضي. وحسب هذه الاستطلاعات، ف 48 % من الأجراء ينتظرون من الكونفدرالية أن تكون «أكثر واقعية خلال المفوضات الاجتماعية»، و 43 % أن تكون «أكثر إنصاتا للعمال». العمل ليس كلفة... بل ثروة في حوار أجرته معه جريدة «لو مانيتي ديمونش» ونشرته في عددها الصادر يوم 14 مارس الجاري، دعا ثييري لوباوون إلى «تعبئة واعية لتغيير الوضع الاعتباري للعمل في المجتمع الفرنسي، وذلك من أجل أن يتم التوقف عن اعتباره كلفة، والنظر إليه كثروة.» وأضاف: «نريد أن نكون مفيدين للأجراء، قريبين منهم ومتضامنين، وذلك عبر التصريح لهم بصراحة بأن انخراطهم في القضايا الاجتماعية، وفي اختيار نمط حياتهم في الشغل، أمر ضروري». ومن المؤشرات الأخرى التي يسوقها المتتبعون حول ملامح المرحلة التي ستنخرط فيها المنظمة النقابية عقب مؤتمرها الخمسين، ما أكده الكاتب العام الجديد أيضا: «لا أريد كونفدرالية تكتفي بقول لا(...)، الكونفدرالية ليست ضد التغيير، وهو ما تبرهن عليه يوميا عبر التوقيع على العديد من الاتفاقيات في المؤسسات». هذه الروح المعبر عنها من طرف القيادي الجديد، تجد لها صدى في الوثيقة التوجيهية للمؤتمر التي تعلن أن السي. جي. تي. ترفض أن تسجن نفسها في «رد الفعل النقابي»، وأنها ستسلك مسلك التقدم الاجتماعي عبر التواجد في «الصحاري النقابية». وحدة الفعل النقابي أولا ثمة بالطبع أسئلة أخرى ستؤرق المؤتمرين وسيكون عليهم الحسم فيها. ومنها العلاقة مع «جبهة اليسار» التي يقودها المرشح السابق للرئاسيات الفرنسية، جون-لوك ميلونشون. لكن المنحى الذي سيمضي فيه المؤتمر يبدو محسوما قبليا، رغم أن زعيم الجبهة اليسارية سيحضر الجلسة الافتتاحية: «السي. جي. تي. ليست، ولن تكون، الذراع الحربي لجبهة اليسار»، مثلما صرح بذلك بدون مواربة ثييري لوباوون. أما السؤال الثاني، فيهم آفاق العمل المشترك مع مركزية السي. إف. دي. تي. التي توترت العلاقة معها مؤخرا، بل وصلت إلى حد تبادل الاتهامات بين النقابتين اليساريتين وإحراق أعلام بعضهما البعض في عدة تظاهرات. وحسب الملاحظين، فالاتجاه العام الذي سيسير فيه المؤتمر بخصوص هذه النقطة لن يتناقض مع المواقف التي عبر عنها الكاتب العام الجديد: «لن نمنحهم سعادة التفرج على حرب بين المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية، حرب لن تخلف إلا خرابا سترقص فوقه الباطرونا». هكذا إذن، ورغم أن زعيم الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل لم يحضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، فالكونفدرالية ستقترح على منظمته بناء وحدة النضال باسم «تجميع الفعل النقابي».