كثيرة هي العوالم التي لا زال يكتنفها الغموض التام بالنسبة للإنسان. فهناك الكواكب و النجوم البعيدة التي لا ترصدها حتى أقوى التلسكوبات في العالم و التي يكتفي العلماء بافتراض وجودها من خلال آثارها غير المباشرة. و السبب في ذلك هو بعدها عنا بملايين السنين الضوئية. بيد أن هناك عوالم لا تبعد عنا إلا ببضع عشرات الكيلومترات، و مع ذلك فإنها لا تزال مجهولة تحتفظ بمكنوناتها منتظرة تطور التقنيات من أجل إماطة اللثام عن مُحتوياتها. و من هذه العوالم أعماق المحيطات التي لا زال العلماء يبذلون الجهد الجهيد من أجل اكتشاف المزيد. اكتشفت مجموعة من العلماء البريطانيين الذين يقومون باستكشاف قاع البحر الكاريبي مجموعة «مذهلة» من فوهات الدخان والمياه الحارة التي تعد الأعمق من نوعها في العالم بأسره. وباستخدام مركبات تدار عن بعد في منطقة حوض كايمان، عثر الباحثون على الموقع الذي لم يكتشف من قبل على عمق نحو خمسة آلاف متر تحت سطح البحر. وأظهرت تسجيلات مصورة بثتها المركبة الى السفينة التي تدير عملية البحث أعمدة من الدخان والمياه الساخنة يصل ارتفاعها الى نحو عشرة أمتار. وقال احد العلماء عن الفوهات التي تطلق ماء داكن اللون إنها «مشهد رائع». وفي الضغط شديد الارتفاع للبحر على عمق ثلاثة اميال، تمكنت المركبة من التقاط صور للفوهات وجمع عينات. وتعد فوهات المياه شديدة الحرارة من أغرب ما يوجد في أعماق المحيط ولم يكن وجودها معروفا حتى السبعينيات من القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين، تم اكتشافها في نحو 200 موقع في العالم بما في ذلك المحيط الأطلسي. ولكن لم يتم اكتشاف الفوهات في حوض كايمان الا منذ ثلاث سنوات. وتصل درجة حرارة المياه المندفعة من الفوهات في حوض كايمان نحو 410 درجة مئوية، مما يجعلها من اكثر الفوهات حرارة في العالم. وتدار الرحلة الاستكشافية، التي يمولها مركز الابحاث البيئية الطبيعية، من على متن سفينة الابحاث البريطانية جيمس كوك، التي سميت باسم المستكشف البريطاني الذي بدأ استكشاف منطقة المحيط الهادي. وتستخدم السفينة أحدث التقنيات لاستكشاف أعماق المحيط وما يعج به من صور عجيبة للحياة. وقال الدكتور جون كوبلي كبير الباحثين في المركز الوطني لعلم المحيطات إن «رؤية الاعمدة كان مدهشا للغاية». وأضاف «اعتقدنا في بادئ الامر إننا في منطقة شاهدناها من قبل ولكننا أدركنا لاحقا إننا في منطقة جديدة تماما». وأضاف أن المثير في العمل في أعماق المحيط هو العثور على ما هو جديد وما لم يكتشف من قبل. وقال « إنه يعلمنا أننا لا نعلم سوى القليل وانه لبعض دقائق لا يصبح الأمر محض بحث علمي بل انبهار بما يحتويه كوكبنا والأشياء التي كانت مختفية من قبل». وبالنسبة لعلماء الأحياء على متن السفينة البحثية، تمثل الفوهات بيئة طبيعية جديدة تماما مع الاختلاف الضخم في درجات الحرارة بين الفوهات التي تبلغ درجة حرارة المياه فيها الى 400 درجة مئوية والمياه المجاورة التي تبلغ حرارتها اربع درجات مئوية. ويمثل الحيز الضيق بين الدرجات الشاسعة الاختلاف، والذي يبلغ في بعض الأحيان عدة سنتيمترات، بيئة فريدة لمجموعة من المخلوقات. فيمكن رؤية تجمعات القريدس (الروبيان) الأبيض التي يبدو أنها فاقدة لحاسة البصر لأن اعينها مدمجة. وقال فريتي ناي احد العلماء الذين يدرسون الروبيان فاقد البصر إنه جلب صناديق ممتلئة به من قاع المحيط. وقال «لا نعتقد ان اعينهم تعمل، ولكن يوجد عضو غريب على ظهورهم يعمل كنظام إنذار ينبههم إلى ارتفاع درجة الحرارة بصورة كبيرة حتى لا يقتربوا من المياه شديدة الحرارة». محرر العلوم: «بي بي سي»