في سابقة هي الأولى من نوعها وفي منطقة نائية محاذية للحدود المغربية الجزائرية، استطاعت ان تستقطب العشرات من المحامين والمهتمين بالشأن السياسي والاجتماعي العام، وعدد من الهيئات وجمعيات المجتمع المدني، نظمت جمعية «نعيم للدفاع عن ضحايا حوادث السير» بدعم من شركة معادن إيميضر حيث قام منظمو هاته الندوة بعرض وتشريح هذا الظهير من خلال التطرق الى ثلاثة محاور: قراءة في تعويضات حوادث السير مقارنة - التعويضات المنصوص عليها في ظهير1984 - التأمين كشكل من أشكال الريع الاقتصادي والسياسي. ووقف كل المتدخلين عند الحيف والاجحاف الذي تمارسه شركات التأمين تجاه ضحايا حوادث السير وضحايا التأمين ، وما أثير في النقاش أن مغرب الأزمة الاقتصادية يتعرض لهزات في العديد من المؤسسات وتصاب الشركات والمقاولات بأزمات أدت ببعضها الى الافلاس باستثناء شركات التأمين التي « تحلب» وتمتص جيوب المواطنين بدون قواعد وضوابط محددة، فخير مثال على ذلك تنوع واختلاف المبالغ المستخلصة في الكثير من المجالات والقطاعات التي يشملها التأمين»السيارات»الشغل» ، بل اختلاف المبالغ المستخلصة في قطاع السيارات مثلا بين الجهات المغربية وجهة العيون، وهذا ما يدل أن بعض هاته الشركات لها يد طولى في الاقتصاد الوطني تتصرف فيه كما تشاء ، وحتى حينما تعرضت بعض هذه الشركات لبعض الهزات تدخلت لانقاذها من الافلاس وبأموال عمومية ودون ان تنصف الضحايا الذين يتعرضون لحوادث مميتة، فلا يحصل ذوو حقوق الهالك الا على الفتات. كما ان هاته الصورة السوريالية يمكن ان نجدها مثلا في التأمين المدرسي الذي تقوم الدولة المغربية ممثلة في وزارة التربية الوطنية بإجبارية الأداء عن التأمين المدرسي وبيد عاملة من وزارة التربية الوطنية، إذ يقوم المديرون او من ينوب عنهم بدور موظفي هاته الشركة باستخلاص الاموال لها داخل المؤسسة التعليمية وإيداعها في الحساب البنكي الخاص بالشركة دون تعويض للموظفين أو تقديم خدمات لهاته المؤسسة التعليمية ، وهذا حيف في حق رجال ونساء التعليم سواء في القرى او المدن، ولايؤمنون في حياتهم اذا ما تعرضوا لحادث عرضي «سرقة» اعتداء..وحتى التلميذ الذي يتعرض لحادثة مدرسية أو حادثة رياضية، يطالب بإنجاز سلة من الوثائق والشواهد الطبية الاولية والنهائية وفي الاخير يقبل بتسلم ما يتم تحديده من تعويضات لايساوي ولو مصاريف التنقل بين محل السكنى ومستشفيات العلاج ودون اعتراض على المبلغ، وحتى اذا كان الضحية غير راض على المبلغ المحدد سيضطر الى الانتقال إلى المقر المركزي لشركة التأمين، وتعرف كذلك المحاكم المغربية عشرات الالآف من ملفات حوادث السير المعروضة عليها ابتدائيا واستئنافيا ونقضيا، لكن في الكثير من الحلات يتم اللجوء الى عملية الصلح التي تلجأ اليها بعض الشركات من باب الابتزاز او القبول بالانتظار الى ان يرث الله الارض ومن عليها، فيضطر ذوو الحقوق او الضحية الى قبول العرض المقدم له تحت ضغط الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية لأسرة الهالك او الضحية ، بل ان العديد من القضاة لاتعطى لهم حرية الاجتهاد في ايجاد حكم منصف وعادل للضحية او لذوي حقوق الهالك لأن هؤلاء مقيدون بجدول يتضمن معايير ومقاييس صارمة لايمكن الخروج عنها . كل هاته القضايا والاشكالات طرحت في هاته الندوة الناجحة في منطقة نائية استحقت ان تحمل شعار: « إسقاط ظهير 1984 »، فالندوة حاكمت محاكمة دقيقة مقتضيات ظهير 1984 رقم1.84.177 الصادر في محرم1405 موافق02/10/1984 المعتبر بمثابة قانون يتعلق بتعويض المصابين عن حوادث سير تسببت فيها عربات ذات محرك والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 3753 بتاريخ03/10/1984 الصفحة930 ، ولم تقتصر الندوة على اجتهادات وأبحاث المحامين ورجال القانون، بل كانت ندوة حوار وكشف ساهمت فيه كذلك فعاليات وأطر المجتمع المدني سلطت الضوء على الاختلالات والهفوات التي يعرفها الظهير المذكور. جلسة محاكمة الظهير هاته قضت بلا دستورية ولا قانونية الظهير الذي يتنافى والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وكذا الشريعة الإسلامية، باعتباره قانونا مجحفا وعنصريا وتمييزيا ضد الضحايا خصوصا المرأة والطفل والشباب والعاطلين، ومتحيزا لشركات التأمين المتخبطة في مستنقع الريع. هكذا قضت جلسة المحاكمة /الندوة ، هاته بإسقاط الظهير المتعلق بتعويضات ضحايا حوادث السير والذي يعود لعقود من الزمن، والذي جاء تحت طلب شركات التأمين دون مراعاة لمصلحة الضحية، واستبداله بظهير يحترم كرامة الإنسان المغربي والحياة كحق مقدس، ويتماشى والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان. خلال هاته الندوة ترافع مجموعة من المحامين من مختلف الهيآت الوطنية إلى جانب أحد القضاة وفعاليات المجتمع المدني السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية، والتي أجمعت على كون الندوة سابقة في التاريخ الحقوقي والسياسي والقانوني، إذ أماطت اللثام من خلال جمعية «نعيم للدفاع عن ضحايا حوادث السير»، ومن خلال الفعاليات الحاضرة، وكشفت أحد الطابوهات التي لم يجرأ احد من قبل على مباشرتها لعدة اعتبارات، حيث فصلت الندوة وشرحت ظهير 1984 وفصلت في كشف تناقضاته مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومع الدستور الحالي وحتى مع أحكام الشريعة إحدى ركائز التشريع بالمغرب، حيث أشار المتدخلون إلى عدم تطبيق مبدأ الإرث في التعويض عن فروع المتوفى بسبب حادثة، مقارنة مع دول مجاورة كمصر مثلا، إضافة إلى كونه لا يحترم مبادئ الدستور الجديد الذي أشار إلى مبدأ المساواة، إذ يتم من خلال الظهير تعويض إنسان غني أكثر من إنسان فقير بالنظر الى جدول التخصيص المتعلق بالتعويضات والذي حدد مسبقا معايير للتعويض كالدخل والسن والجنس والقرابة، مقيدا بذلك سلطة القضاة الذين يتحولون أمام هكذا قانون إلى ناطقين فقط بالحكم المتعلق بقيمة التعويضات دون مراعاة ما يظهر للقاضي من معطيات أخرى وما يدور حوله وتقييدا لقناعته السريرية. هذا وخلصت الندوة من خلال توصياتها إلى رفع مذكرة او نداء في موضوع إسقاط وإلغاء الظهير السالف الذكر، إذ اقترح بعض الحضور تسميتها بمذكرة او نداء بومالن داس التي انطلقت منها الندوة وتفجر لأول مرة النقاش حول هذا الظهير ، حيث أكد الأستاذ المحامي ، نائب رئيس جمعية « نعيم للدفاع عن ضحايا حوادث السير»، في نفس الإطار وفي مداخلته بعنوان « التأمين ضمن أشكال الريع »، حيث دعا إلى صوغ ما سماها نداء او مذكرة بومالن دادس التي ستنطلق منها «الشرارة» لمواجهة اقتصاد الريع و الجاثمين على ثروة المغرب و على المال العام بالمغرب، لتنطلق من بومالن دادس باعتبارها منطقة من المناطق المهمشة. وقال: « لقد وصلنا في المغرب إلى درجة من النهب والسلب لا يجب السكوت عنها».