هل تصورت في يوم من الأيام أن ترى شخصا يخرج من بيته إلى المتجر القريب، فيتكئ على ركن الجدار و ينام قبل وصوله لغايته؟ هل تخيلت مشهدا ، تتحدث خلاله مع سيدة في بيتها ، و في وسط جُملة تضع السيدة يدها تحت ذقنها و تذهب في إغفاءة طويلة دون أن تعتذر منك؟ هذا ليس خيالا بل واقعا تعيشه و تُعاني منه عائلة «لوبيز» الإسبانية القاطنة بالقرب من العاصمة مدريد. فقد نشرت صحيفة «غارديان ويكلي» البريطانية في عددها الأسبوعي (15 فبراير الماضي) تقريرا عن العائلة المريضة بمرض النوم (لا علاقة له بمرض النوم أو «تسي تسي» المشهور في إفريقيا). و بدأ استغراب الصحفي البريطاني حين اتصل هاتفيا بأحد أفراد العائلة قصد تحديد موعد لزيارتها و ملاقاة أفرادها، حين اقترح عليه «دافيد لوبيز» الإبن بأن يأتي «في منتصف النهار، علك تجدنا إن كنت محظوظا، يقظين جميعا». و بالفعل يصل الصحفي إلى بيت عائلة «لوبيز» حيث يجد «خوليان» الأب و»دافيد» الإبن ذو الستة و ثلاثين عاما إضافة إلى توأمه «ميغيل أنخيل» و الأم و «نوريا» و هي ابنة عم لهما تحرس البيت أثناء نوبات نومهم المتكررة. أفراد هذه العائلة جميعهم يُعانون من مرضين يُدعيان بلغة الطب «كاتابليكسي» و «ناركوليبسي» و هو مرض نادر يصيب بضعة آلاف من البشر في العالم. بيد أن عائلة «لوبيز» هي العائلة الفريدة في العالم التي يُعاني جميع أفرادها من هذا المرض الغريب. و يعتبر الأطباء المرضين المذكورين مرضين منفصلين، ف «الناركوليبسي» يُسبب نوبات نوم لا تُقاوم، تُسقط صاحبها فجأة في نوم عميق، بينما مرض «كاتابليكسي» يتمثل في تقلص عضلي لحظي يعقب الضحك المفاجئ، لذلك فإن أفراد عائلة «لوبيز» المصابين بالمرضين معا، حريصون على عدم الانجراف مع الضحك خوف السقوط المفاجئ في النوم. و قد تم اكتشاف و توصيف المرضين معا سنة 1880 من طرف الطبيب العسكري الفرنسي «جون باتيست جيلينو» (يُدعى المرض في بعض الأحيان مرض جيلينو نسبة إلى الطبيب الذي اكتشفه) و لا زال المرض يكتنفه الغموض إلى حد الآن. أما عن أعراضه و آثاره فيقول «ميغيل أنخيل» أن «الأصعب ليس هو النوم في حد ذاته بل الكوابيس التي تنتابنا خلال النوم و هي كوابيس مُرعبة و مُخيفة و تترك آثارها لعدة لحظات بعد اليقظة، كما أننا نحتاج إلى بضع دقائق بعد النوم حتى نسترجع تنبهنا بالكامل، و هذا بالطبع له آثاره فأنا لا أستطيع أن أنخرط في أي عمل لعدم قدرتي على الالتزام به كما أني حين ألتقي بفتاة أنوي مواعدتها علي أن أخبرها فورا بوضعيتي قبل أن أنام... و أين هي من تقبل برجل ينتابه النوم في أي لحظة ؟» حين تزوجت روزا والدة «دافيد» و «ميغيل أنخيل» كانت تعلم أنها مُقبلة على الزواج من شخص مصاب بمرض النوم و ينتمي لعائلة جل أفرادها مرضى، فعمته «تيودورا» كانت معروفة في الحي بلقب «لادورميدا» (النائمة)و جده «دومينغو» كان يعاني من نفس الأعراض. و مع ذلك تزوجت و أنجبت ابنين ورثا معا لعنة المرض. يقول «ميغيل أنخيل» :»كانت أمنا، و نحن أطفال، دوما تراقبنا ترصدا لهذا المرض. إلا أن الأعراض الأولى لم تظهر علينا إلا في بداية المراهقة و تكرست في أواخر عشريناتنا». و ال»ناركولبسي» أو التغفيق بالعربية هو واحد من اضطرابات النوم النادرة، يتعرض فيه الشخص لنوبات نوم شديدة لا تُقاوم . و يمكن أن تحدث خلال ممارسته لأي من نشاطاته اليومية الاعتيادية (أثناء الأكل أو الدراسة أو السير أو الحديث أو العمل ...) و التغفيق اضطراب عصبي غير ناجم عن مرض عقلي أو مشاكل نفسية، فصاحبه إنسان سوي تماما على الصعيدين العقلي و النفسي، و يعزوه الأطباء إلى تشوهات جينية تؤثر على عوامل بيولوجية في الدماغ. و من أعراضه النعاس المفرط آناء الليل و أطراف النهار حيث تبلغ ساعات النوم ما بين 18 و 20 ساعة يوميا. كما أن ما بين 60 و 90 بالمائة من المصابين بهذا الاضطراب يعانون أيضا من ضعف مفاجئ في العضلات يحدث عادة نتيجة للانفعالات القوية مثل الغضب أو الضحك... و لا زال الأطباء و الباحثون يسعون لحد الآن وراء علاج لهذا الاضطراب، الذي يصيب ما بين 2 و 3 أفراد من كل عشرة آلاف، و لم يتمكنوا إلا من إعداد أدوية لعلاج و مكافحة الأعراض لا غير.