رغم جاهزيته منذ ما يناهز سنتين، ورغم مروره اللافت بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة 2012، ونيله لجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وإحرازه على جائزة نجيب محفوظ الرفيعة المستوى، تشاء الصدف أن يتأخر نزول فيلم «المغضوب عليهم» للمخرج محسن البصري، إلى القاعات السينمائية، ليتم ذلك اليوم، وفي هذه اللحظة التاريخية والمفصلية التي تأتي غداة حراك عربي زرع الأمل في النفوس، ولكنه، ويا للأسف، ما لبث أن انتكس أمام زحف قوى ظلامية متطرفة ترفض الحوار ولا ترى غير لغة التفكير والتقتيل بديلا لمقارعة ما عداها من قوى وقناعات ورؤى. من هنا تأتي أهمية فيلم «المغضوب عليهم» في هذه الظرفية بالذات، لأنه يخالف غيره من أفلام توسلت ببعض الوقائع الإرهابية، نموذج أحداث 16 ماي بسيدي مومن، لتتخذ منها مادة لتحقيق فرجة سينمائية لا تنتج معنى يتسامى بالعمل، بقدر ما يمكن اعتبارها تنويعا مزيدا ومنقعا على برنامج «مداولة»، مقاربة تكتفي بإعادة تمثيل وتركيب الأحداث دون خوض في جوهر المسألة ونفوذ لمغالقها. في شريط «المغضوب عليهم» لا يشكل حدث اختطاف أعضاء الفرقة المسرحية من طرف المتطرفين واتخاذهم رهائن سوى ذريعة لخوض حوار بين مخالب الظلام، وعلى ضفاف موت يحلق على الحيز الذي أمسى بمثابة سجن يتساوى فيه السجين والسجان. ولابد هنا من الإشارة إلى توفق المخرج حين ابتعاده عن رسم صورة نمطية كاريكاتورية للإرهابي «اللباس الأفغاني، للحي المنسدلة، الدولار على الجبهة..»، بل نجد صورة الرهائن والإرهابيين، وشباب كلاهم متشابهين، فقط زاوية النظر إلى الحل التاريخي الممكن لمعضلات سياسية واجتماعية ونفسية يعاني منها كلا الفريقين. ولعل توطين الفيلم في فضاء مغلق هو ما جعل الاحتكاك بين الطرفين طاغيا، هذا الاحتكاك - الصراع الذي تراوح بين العنف والغلظة في الجزء الأول، والانتقال إلى نوع من الانفراج المشوب بالريبة والشك في الجزء الثاني، قبل أن يفضي إلى نهاية - حل، كان مزيجا من الموت والنجاة من الأمل والهلاك. إن انتصار الفن على الظلام في معركة جرت على تخوم الموت الدامس يكتسي في الحقيقة بعدا مجازيا يتجاوز الواقعة الإرهابية في حد ذاتها إلى ما هو أعمق.. إنه يريد أن يشير بقوة إلى أن مواجهة التعصب وأطروحاته الهدامة لن يتم بمنأى عن الخلق والابتكار والإبداع، ولا أدل على ذلك من الحساسية المفرطة التي يتعامل بها المتطرفون مع الفن، باعتباره رجسا من عمل الشيطان. فيلم «المغضوب عليهم» يدخل في خانة «السينما المستقلة» التي تعتمد إمكانيات محدودة، ولكنها، وبالمقابل تنتصر لقضايا إنسانية كبيرة، ومن هنا لابد من الإشادة بالممثلين الشباب: جميلة الهوني، ماريا لالواز، أمين الناجى، مصطفي الهواري، عمر لطفي، عصام أبو علي، عبد النبي النبوي، ربيع بن جيهل. ليس فقط لأنهم بصموا عن أداء رائع، ولكن، وبصفة خاصة، لأنهم آثرو على أنفسهم الانخراط في العمل والتطوع لإنجاحه بدون مقابل، لأنهم اقتنعوا بنبل مقاصده، وهي جدارة ممثلين وجب التنويه بها كقيمة تستحق الإعلاء من شأنها. إن فيلم «المغضوب عليهم»، وهو باكورة المخرج محسن البصري يستدعي الكثير من الملاحظات على مستوى السرد الفيلمي والكتابة السينمائية، ولكن، ولأنه خاض بإباء حوارا فكريا وسينمائيا على تخوم الموت، فإننا نتمثل هشاشته بمثابة الهشاشة التي تطاق، على اعتبار أن الفن سهمنا لدحر الظلام، مادام هنالك، دائما، سهم متاح لاختراق كعب إخيل.