في نهاية الشهر الجاري، ستوزع دار النشر الفرنسية «ستوك» كتابا سيسيل، بدون أدنى شك، الكثير من المداد ويولد جدلا حامي الوطيس في المجالين السياسي والإعلامي الفرنسيين، بل قد يصل إلى المحاكم. الكتاب يحمل عنوان «جميلة ووحش»، وهو من توقيع الاختصاصية في حقل القانون وكاتبة عمود صحفي بيومية «ليبراسيون» الفرنسية: مارسيلا ياكوب. أما بطله، فهو ليس سوى دومينيك ستراوس كان، الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي، ورجل السياسة والدولة الذي كان يتوفر على أوفر الحظوظ لنيل تزكية الحزب الاشتراكي الفرنسي قصد منافسة نيكولا ساركوزي خلال الرئاسيات الفرنسية الأخيرة... لولا أن فضيحة فندق «سوفيتيل» بنيويورك وضعت حدا لطموحه السياسي، بل ولرئاسته لصندوق النقد الدولي أيضا. لنتذكر: في ماي 2011، وأنصار الحزب الاشتراكي الفرنسي متيقنون أن مرشحهم للرئاسيات المرتقبة لن يكون إلا ستراوس كان، فوجئ الجميع بالقنوات التلفزيونية تبث مشهد الرجل مكبلا بالأصفاد الأمريكية، وعلامات الخزي والعار والتعب بارزة في وجهه وهيئته. لقد اتهمته عاملة الفندق، الإفريقية المهاجرة نافيساتو ديالو، بالتحرش بها جنسيا خلف أبواب غرفة «سوفيتيل» الحاملة لرقم 2806. سقطت التهم الجنائية الموجهة للاقتصادي البارز بفعل شك المحكمة في صدقية ادعاءات الخادمة وتناقضات تصريحاتها، لكنه سيضطر إلى دفع مقابل مالي لها (لم يكشف عن قيمته) لتتنازل عن متابعته مدنيا. طوال تلك الفترة العصيبة من حياته، التي لن تكون الأخيرة نظرا لاتهامه لاحقا بانحرافات وتحرشات جنسية أخرى في فرنسا، ستظل زوجة ستراوس كان، الإعلامية البارزة آن سانكلير، بجانبه مثل ظله، تسانده وتدافع باستماتة عن زواجهما. وذلك قبل أن تنفصل عنه نهائيا فيما بعد. في الحقبة نفسها أيضا سيلتقي «المتهم» بالصحفية والباحثة في حقل فلسفة القانون، مارسيلا ياكوب، التي ستنشر، في يناير 2012، كتابا خصصته للدفاع عنه وعنونته ب»مجتمع المغتصبين؟». لكن العلاقة بينهما لن تكون مهنية محضة، بل ستتحول إلى عشق متبادل سيدوم سبعة أشهر. في كتابها الجديد، الذي يصف العلاقة تلك، وأساسا ستراوس كان الذي هو، حسبها، «نصف إنسان ونصف خنزير»، تكتب الأرجنتينية المولد: «كنت أحب الكائن الأكثر احتقارا من طرف البلاد، الأكثر احتقارا من قبل العالم». إن الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي، تعترف الكاتبة/ العاشقة والعشيقة السابقة، خنزير سام، لا عقلاني ومفرط. شخصيته مناقضة تماما، إذن، لمدونة السلوك الاقتصادي التي ظل يقترحها على العالم طويلا، داعيا دوله إلى التسلح بالصبر والعقلانية وإلى حساب كل خطوة والبحث عن التراكم. ولا تكمن مأساة الرجل في كونه كان خنزيرا أكثر من اللازم، بل في كونه لم يكن كذلك بما فيه الكفاية، في كونه كره المكون الوحيد الحقيقي المتمتع بالحرية في دواخله. وهو الحكم الذي ينير مسار ستراوس كان: علاقته المسمومة مع زوجته آن سانكلير، قضيتا «سوفيتيل و»كارلتون» التي يتابع في إطارها بالمشاركة في لقاءات جنسية جماعية، إصراره على الاندحار، عجزه عن تحمل مسؤولياته... وإذا كانت الكاتبة لم تشر بالاسم، ضمن صفحات «جميلة ووحش»، لا إلى ستراوس كان ولا إلى زوجته السابقة آن سانكلير، وأعملت التخييل في وصفها للمشاهد الجنسية، فإنها صرحت ل»لونوفيل أوبسرفاتور» في الحوار الوحيد الذي قالت إنها ستجريه حول الكتاب، أنها تقصد المسؤول الأول السابق عن صندوق النقد الدولي. عن كتابها، تقول المؤلفة أنها أرادت، عبره، تشييد نظرية للحب «انطلاقا من حالتها، راهبة تقع في شراك حب خنزير. راهبة تهجر عظمة الحب الإلهي لكي تتمرغ في الأزبال». وتضيف :»الشخصية الأساسية كائن مزدوج، نصف خنزير ونصف إنسان. (...) الإبداعي فيه، الفني في ستراوس كان، ينتمي إلى الخنزير وليس إلى الإنسان. الإنسان فظيع، بينما الخنزير رائع رغم أنه خنزير. إنه فنان المجاري، شاعر السفالة والأوساخ». تصرح مارسيلا ياكوب كذلك، في حوار صحفي، أن: «الخنزير هو الحياة التي تريد فرض نفسها بدون أخلاق، التي تأخذ دون أن تطلب أو تحسب، دون أن تهتم بالعواقب. (...)الخنزير هو الحاضر، اللذة، الآني، إنه أجمل شيء في الوجود، أجمل مكون للإنسان. والخنزير في الوقت نفسه كائن مقزز، عاجز عن تبني أي صنف من أصناف الأخلاق، الكلمة، العيش اجتماعيا. (...) مثل الخنزير الأعلى هو ممارسة الجنس جماعيا: لا أحد يُقصى من الحفل، لا المسنين ولا الذميمين ولا الصغار. (...)وبينما ظل دومينيك ستراوس يبدو لي يمينيا فعليا، فهذه الشيوعية الجنسية، التي يطمح إليها كخنزير، تغمرني بالمتعة». حتى قبل توزيعه في المكتبات، أثار كتاب «جميلة ووحش» عدة ردود أفعال، من أبرزها موقف المعني الأول بالموضوع الذي نشر رسالة مفتوحة موجهة إلى جون دانييل، أحد مؤسسي أسبوعية «لو نوفيل أوبسرفاتور» التي انفردت بنشر مقتطفات من الكتاب، معلنا ضمنها أنه يشعر باشمئزاز مزدوج، ومنددا ب»سلوك امرأة تقوم بالغواية قصد كتابة مؤلف، وتستغل مشاعر الحب للكسب المالي»، ومنتقدا «الطابع الاستيهامي، ومن ثمة غير الصحيح للسرد». وأكد الوزير السابق، من جهة أخرى، أنه طلب من هيئة دفاعه «دراسة كل السبل القانونية قصد محاربة هذا المقت». آن سانكلير، الزوجة السابقة لستراوس كان، وجهت، هي الأخرى، رسالة للأسبوعية الباريسية لفضح «عملية امرأة منحرفة وغير شريفة، يحركها الافتتان بالمثير جاذبية الربح المالي». وأضافت الإعلامية، التي خصتها الكاتبة بنقد لاذع في مؤلفها، أن هذه الأخيرة «جاءت عندي بمبرر كاذب مفاده تأكيد تعاطفها معي، وقامت بسرد خادع وضاغن لنقاشنا معتمدة تأويلا ملؤه القذف والهذيان لأفكاري. إن الأمر جدير بالاحتقار». مثلما أعلنت الإعلامية عزمها، هي كذلك، عن متابعة صاحبة الكتاب والمجلة التي نشرت مقتطفات منتقاة منه. وبالفعل، ففي عددها الصادر يوم الخميس والموزع حاليا في الأكشاك، خصصت «لو نوفيل أوبسرفاتور» غلافها لكتاب مارسيلا ياكوب تحت عنوان «قصتي مع دي. إس. ك»، ونشرت مختارات منه (يجد القراء ترجمة لبعضها في نفس هذه الصفحة) وحوارا مع المؤلفة. دفاعا عن الخنازير «حتى في الحقبة الذي كان أثناءها عشقي باذخا لدرجة تدفعني إلى التضحية بمستقبلي مقابل ساعة في حضنك، لم أكف على رؤيتك كما كنت: خنزير. إن تعاطفي مع هذه الحيوانات جد المذمومة هو ما أشعل فتيل اهتمامي بك. كنت المضطهد الكبير، كبش الفداء. «شعرت أنني مجبرة على الدفاع عنك للقول: من حق الخنازير أن تكون خنازير. المجتمع الذي يسجن هذه الكائنات لمجرد امتلاكها لأذواق خاصة بفصيلتها، ليس مجتمعا حرا. (...) «كنت تتصرف مثل خنزير شرير. لم تظل، إبانها، ضحية المجتمع، بل أصبحت المعتدي علي، جلادي. كنت أقول لنفسي: ما الفائدة في الاستمرار في جرجرته من محكمة إلى محكمة، من اغتصاب إلى اغتصاب؟ سيكون أكثر إفادة لو تحول إلى شريحة لحم مملحة ومقددة. آنئذ، سيكون باستطاعته تغذية دافعي الضرائب بدل أن يكلفهم كل هذه الأموال.» الإليزيه، علبة للعلاقات الجنسية الجماعية «ها هو خطأك الحقيقي، خطأك الوحيد غير القابل للعفو. زعمت أنك كنت مستعدا للتضحية بدمك من أجل الوطن، بينما كنت، في الحقيقة، مستعدا لاستغلال هذا الوطن قصد سكب منيك اللاينضب. «كنت ستجعل من قصر الإليزيه علبة شاسعة لتبادل الخليلات جنسيا، وستوظف مساعديك، تابعيك، العاملين معك ومستخدميك كقناصين للنساء، كمنظمين للحفلات الجنسية الجماعية، كخبراء في فن إشباع نزعاتك الأكثر عتمة. (...) «ستظل ممقوتا دائما بسبب هذا الخطأ، ملعونا، مهمشا من قبل فرنسا الناعمة التي كانت قد وضعت الكثير من الآمال في شخصك. لا شيء سيكون بإمكانه أن يعيد لك الاعتبار، لا حكما بالبراءة ولا اتفاقا. سيغلق باب السياسة نهائيا في وجهك. (...) تصوري لما حدث في فندق «سوفيتيل» «لا يمكن فهم ما حدث في تلك الغرفة، التي غدت أسطورية، إلا إذا تقمص المرء عقل خنزير حقيقي وفعلي. خنزير يخال عاملة نظافة كاثرين دونوف في فيلم «جميلة نهار». بمفرده خنزير يستطيع اعتبار ممارسة الجنس بدون مقابل مع مهاجرة إفريقية فقيرة أمرا طبيعيا، فقط لجعله يشعر باللذة، فقط بغية التبجيل المتواضع لطاقته. «وعادت المسكينة إلى الغرفة لتعرف إن كنت قد تركت لها منحة مالية، لكنها لم تجد شيئا. لا كلمة حتى ولا زهرة. عاملة الغرفة تعرضت للإهانة لكنها لم تتعرض للاغتصاب. «هكذا بدت لي الأمور من غرفتي حيث أكتب وأقرأ ليلا ونهارا.» مترجل يشعر أنه كلب مجعد الشعر بئيس «قليل من الناس كانوا يعرفون أن زوجتك جعلت منك كلبها مجعد الشعر. (...) لم يكن بإمكانك التفكير في فراقها لأنه كان من المستحيل التخلي عن حياة البذخ هذه. (...) كنت قد أصبحت كلبها مجعد الشعر، مترجلا يشعر أنه كلب مجعد الشعر بئيس. وبقدر ما كانت تتظاهر أنها لم تنتبه إلى كونك مرتبطا بها بسبب مالها، بقدر ما كانت تمتلكك، بقدر ما كانت تُخضعك لهذا الاحتقار، لهذه العهارة الرهيبة.» حياتي كانت خطأ فظيعا «ذات يوم من أيام مارس، وانهيارك في ذروته، قلت لي: «لقد أخطأت. حياتي كانت خطأ فظيعا. كان بمقدوري فعل أشياء كثيرة أخرى بهذه الحياة.» (...) كنت تعتقد حقا، في ذلك اليوم، أن هذه الحياة ليست الحياة الجيدة بالنسبة لك. «لكن، ما الحياة التي كان يجب علي عيشها؟»، سألتني.» (...) يجب أن يصبح الخنزير سيدك «يجب أن يصبح الخنزير سيدك بدل أن يكون أدنى منك، أسيرك، عبدك، سلاحك. (...) سيغير اليوم هذا(...) منيك إلى مداد. وسيكون بإمكانك أخيرا التخلص من جميع العوائق التي تحول بين رغبتك ولذتك. (...) حينها فقط، خنزيري الرائع، حبيبي، كائني الحيواني السامي، ستعرف معنى المتعة.»