كانت طنجة هادئة وفي حل من أي التزام مع الرحلة منذ زمان ابن بطوطة، إلا أن نزل على أرضها رحالة وباحثون من كل اللآفاق للبحث مجددا في أدب الرحلة، في محور " الروائي والرحلة". بتدبير و إشراف الاستاذ شعيب حليفي، مدير مختبر السرديات بكلية اللآداب بنمسيك، ومنتدى الفكروالثقافة والإبداع بطنجة برئاسة الاستاذ محمد المسعودي. وقد استمر اللقاءعلىمدى يومي الجمعة والسبت 15-16 من الشهر الجاري. وقد كان لافتا حضور جمهور متنوع من طلبة وشعراء ونقاد سينمائيين و أساتذة. كيف يكتب الروائي الرحلة؟ هذا هو السؤال الكبير الذي الذي عالجه المتدخلون، من زوايا نظر مختلفة و متعددة، تعدد اختصاص المحاضرين، وتنوع خصائص النص الرحلي الذي درسوه. ترأس الجلسة الأولى الناقد السينمائي خليل الدامون ، تدخل فيها شعيب حليفي بورقة عن " الرحلة بوصفها نصا ثقافيا " دارس وُقارب فيها مجموعة من النصوص التأسيسية لمحمد حسنين هيكل و الكاتب التونسي علي الدوعاجي و الروائي السوري الراحل عبدالسلام العجيلي و المغربي عبد الكريم غلاب . أما عبد الحميد عقار فقد درس رحلة حسونة المصباحي " التيه، رحلات إلى مدن من الشرق والغرب"، واعتبرها نص خاص مركب بمدى روائي لافت، ينصهر فيه محكي الأسفار والسيرذاتي بذلك الشغف في التقاط الأصوات والتيه والتماثلات .أما شرف الدين ماجدولين فتحدث في مداخلته عن " السفر والتخييل والمقايسة الهجائية ' في رحلة "سبع سماوات" لسعد القرش. فركز على لعبة المقايسة بين الأمكنة، بين هنا وهناك ،عبر السفر إلى الداخل العميق بلغة شفافة وصافية ضخ من خلالها حسه ومعارفه، الشيء الذي جعل رحلته ترتقي على النثر الروائي .وحول رحلة علي بدر " خرائط منتصف الليل " قدم عبد الفتاح الحجمري عرضا بعنوان" شمس رائعة تنزل على الماء"، ممهدا لها بعدد من الاسئلة النظرية حول فن الرحلة قبل أن ينتقل إلى تفكيك رحيلات علي بدر التي كانت تبحث وتكتب عن الأمكنة والشعراء والأحداث المألوفة ،متوقفا عند رحيلة الكاتب إلى إيران وعمقها الأدبي والفكري والفني . أما العرض الذي قدمه محمود عبد الغني فحمل عنوان "الرحلة والإنبهار المعكوس في " النخيل والقرميد" للروائي السعودي يوسف المحيميد، معتبرا أن السفر شكل من أشكال المعرفة والإبداع ، أما رحلة يوسف المحيميد فقرأها من ثلاث زوايا : الذاكرة التي تكتب الرحلة ؛ والطفولة في حضورها المحرك للتذكر ؛ ثم الإنتقاء في سرد الأحداث والوقائع. وتناولت ورقة صادق السلمي من اليمن التخييلي والرحلي في الرحلة الروائية للكاتب اليمني عبد الله باوزير (أيام في بومبي) وهي رحلة علاجية إلى الهند ، قارب فيها الباحث العتبات النصية ثم التخييل والواقع وتعالقهما في النص من خلال المكان والأحداث . وقد تلا العروض نقاش علمي جمع بين الجمهور والمتدخلين، كان بمثابة تتمة للعروض، حيث طرح المتدخلون من الجمهور أسئلة حول طبيعة الرواية و اختلاف الرحلة. أما جلسة يوم السبت، التي ترأسها أحمد فرج الروماني فعرفت تدخل يحيى بن الوليد بقراءة في رحلة الكاتبة المغربية ليلي أبو زيد "بضع سنبلات خضر" (1979)، باحثا في مضامين النظرة المتضمنة في النص ، وطبيعة اللغة الشفافة والهادئة التي تعتمدها الكاتبة في التقاط ما يمكن عدّه بمثابة "نبض لندن". وفي سياق الوصل ما بين "النصية" و"التاريخية" بحث في ما يضمن للنص حضوره داخل "أدب الرحلة". وتدخل محمد المسعودي بخصوص رحلة للروائي المصري خيري شلبي ( فلاح مصري في بلاد الفرنج)، مشتغلا على التقنيات الجديدة والسخرية وضمير الكتابة والشخصيات الثلاث ( حامل القلم والفلاح والذي يري ) والتي هي شخصية واحدة يتخذها الكاتب / الرحالة قناعا للقول والإمتاع . وقدم ناصر ليديم عرضا بعنوان ( نفس السرد ، حينما يقبض الروائي على الرحالة ) في رحلة أحمد المديني " رحلتي إلى البرازيل " ، توقف فيها عند الأثر المجهول الذي تقتفيه الرحلة والحقائق التي تستنطقها في فضاء متعدد الأبعاد متسلحا بوعي فكري وإيديولوجي مسبق ومحددات ومرجعية يستمد شرعيتها من الممكن والمحتمل. أما إبراهيم أزوغ فتدخل حول رحلة إبراهيم عبد المجيد "الى أين تذهب طيور المحيط "فقد نظر إليها باعتبارها أفقا آخر للإبداع الروائي من خلال السفر إلى أماكن موسكو وأوربا والمغرب وحضور التداخلات النصية والمكون التاريخي والسيرذاتي .فيما ذهبت ورقة أحمد بلاطي إلى البحث في تداخل التسجيلي والتخييلي في رحلة (مدينة الغرباء مطالع نيويوركية) لجمال الغيطاني مقاربا السمات النصية وإشراطات إنجازها وما التيمات المعالجة وأخيرا الأسئلة التي ظلت عالقة بلا إجابة في هذه الرحلة . وبخصوص رحلة أمجد ناصر (رحلة في بلاد ماركيز ) تحدث خالد أقلعي بتفصيل عن السمات والخصائص الفنية المائزة لهذه الرحلة مبينا العنصر الروائي فيها واللغة الشاعرية التي شكلت عمادا رئيسا في نقل تجربة أمجد ومقارناته بين ما عاشه وبين ما يحياه . وذهب محمد البغوري في مداخلته عن رحلة خليل النعيمي (قراءة العالم ، رحلات في كوبا ، ريو دي خانيرو ، مال ، لشبونة ، والهند الوسطى ) إلى تقديم قراءة من منظورين واقعي ومتخيل وكيف تمكن النعيمي من إبداع نص رحلي بنَفس روائي متجدد . وقدم بوشعيب الساوري ورقة في موضوع " الرحلة المفارقة في الهندوس يصعدون إلى السماء" للروائي والقاص العراقي وارد بدر السالم ، مبرزا كيفية حضور الروائي في بناء هذا العمل الرحلي، وكيف يسهم في إخراج هذا النص الرحلي عن نمط الكتابة الرحلية. وذلك من خلال تمظهر نصي جعل هذا النص ينطبع بحس روائي، وهو المفارقة التي تُعد حقلاً للتنافر والتوتر نظراً لكون هذا الأخير يعد أحد الشروط المتحكمة في الرواية ومن المكونات الجوهرية التي ينبني عليها جنس الرواية، وهو علامة فارقة في إنتاجه. وهذا ما يحصل في رحلة الهندوس يصعدون إلى السماء، التي تعبر في كثير من المواقف عن تنافر انتقادي. حول (مغامرة السرد وسرد المغامرة قراءة في "مفاكهة الخلان في رحلة اليابان")ليوسف القعيد ، جاءت ورقة مصطفى الغرافي مستجلية العناصر البانية لدينامية السرد والتسريد ومظاهر التداخل والتلاقح بين الواقعي المرجعي والتخييلي الروائي فيما يمكن الاصطلاح عليه ب مغامرة السرد وسرد المغامرة". ذلك أن انبناء محكي السفر كما تجسد قصة وخطابا في في نص "المفاكهة" يخضع لعملية تحويل وتحوير مستمرة تنتقل بموجبها وقائع الرحلة من نص فعلي مرئي إلى نص لغوي تخييلي يستقطب مختلف وسائل التمثيل السردي من أجل تشييد واقع "محتمل" يتأسس انطلاقا من معطيات واقع فعلي حقيقي. وبحث عبد المنعم الشنتوف في عرضه (تمثيلات الرحلة في "خلوة الغلبان") لإبراهيم أصلان ، عن التخييلي والواقعي ، حيث ركز على تشكل البورتريهات التي حفل بها النص بالإضافة إلى الاستثنائي والمدهش والمثير للسؤال فيما يسم الشخصيات في الرحلة والموزعة بين الصحفي والناقد والشاعر والروائي وبين ابن الحارة البسيط وموظفة الاستقبال الفرنسية ذات الأصول المغربية والمغترب المصري اليهودي والمواطنة الفرنسية البسيطة. الورقة الأخيرة لميلود الهرمودي والتي قاربت رحلة الجزائري رابح خدوسي (انطباعات عائد من مدن الجمالاهتمت بالتعالق بين التخييلي والواقعي، وآليات حضورهما من خلال حدود التقاطع بين الثلاثي: المؤلف (الرحالة) / السارد / الروائي، وكيف يتم تقمص الأدوار داخل الرحلة في تفاعلها مع أجناس سردية كالرواية، وإلى ذلك الحضور الخصب لخطابات موازية كالشعر والتاريخ والجغرافية والتراجم.. هذا، مع تتبع خطابات المتخيل عبر قنوات التحويل المجسدة في اللغة من الرحلة باعتبارها فعلا إلى الرحلة كإنجاز (التقييد)، مع ملامسة بنية الفضاء والزمن ارتباطا بمرجعيتهما الواقعية أو المتخيلة. وقد اختتمت الندوة بنقاش عام مع توصيتين ، الأولى بعقد الجزء الثاني والثالث من هذه الندوة ، بالدار البيضاء والشاون ، حول الرحلة العربية المعاصرة كما كتبها الشعراء والمفكرون والصحفيون . أما التوصية الثانية وهي أن مختبر السرديات سينشر أشغال الندوة في كتاب محكم.