{ أصبح الخطاب السياسي المغربي يمتح مؤخرا من قاموس الحيوانات والكائنات الخرافية. كيف تقارب هذا التحول؟ صحيح أن الخطاب السياسي بدأ يمتح من عالم الحيوانات في التوظيف والسجال وفي المحاجة، وهذا أمر لافت حقا نظرا لتكراره من طرف فاعلين سياسيين مختلفين سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية، وهكذا أصبح الحيوان يشكل جزءا كبيرا من المخيال السياسي للنخبة السياسية هنا والآن. صحيح كما قال أرسطو بأن الانسان حيوان سياسي، أي أنه لا يستطيع أن يعيش بدون تسييس ولا فعل سياسي، حيث أن كل شيء في هذا العالم سياسة. فالزلازل لها بعد سياسي، والجفاف له بعد سياسي، والورود حين تتفتق لها بعد سياسي وهكذا، فكل فعل في الحياة إلا وهو سياسة، إننا نستنشقها كالهواء. لكن إذا كان الإنسان حيوان سياسي فهل يعني هذا أنه سيستعمل الحيوان كجزء من مخيلته في الخطاب والتواصل والبلاغة؟ { لماذا حدث هذا الآن ولم يحدث في المراحل السابقة؟ ربما هناك تأثير من رئيس الحكومة، الذي هو من استعمل الاستعارة البلاغية المشهورة، العفاريت والتماسيح. وهي استعارة تمزج بين الحيوانات: التماسيح وبين كائنات لامرئية وهي العفاريت، لكن الذين تأثروا به اقتصروا على الحيوانات فقط، كالضفادع إلى غير ذلك من الحيوانات، حيث تكاثرت مثل هذه الاستعارات من عالم الحيوان. والواقع أن تكاثر هذه الاستعارات من هذا العالم فهو يعكس طبيعة الخطاب السياسي الذي لم يتجاوز البعد الأول في التعبير(degré 1er) وفي المناولات والمطارحات وهذا يدل في جانب منه على قصور المخلية السياسية، من جهة، وعلى قصور المرجعية الفكرية، أقصد بذلك، التكوين النظري والسياسي والعلمي للفاعل السياسي. حيث يلاحظ المتتبع أن الفاعل السياسي يحاول أن يقصي الأكاديمي والمثقف من دائرة المعرفة السياسية، وهذا ما نلحظه في بعض المداخلات في الندوات التلفزيونية حيث ينظر بعض الفاعلين السياسيين إلى الخطاب الأكاديمي والثقافي نظرة دونية، اعتقادا من الفاعل السياسي أنه هو القمين لقول الحقيقة وهو القادر على قولها أيضا بحكم ممارسته للنشاط السياسي، ومن تم اكتساب خبرة سياسية ربما متفردة، يعتقد بأن الأكاديمي والمثقف بعيد عنها. والحال أن دور الأكاديميين والمثقفين يجب أن يكون قويا ومن أجل رفع مستوى السجال السياسي والخطاب السياسي في المغرب الذي يبدو وأنه في لحظة من لحظات الانهيار، بمعنى آخر ينبغي أن يرفع هذا الخطاب السياسي إلى مستوى البعد الثاني (2éme degré) في تحليل القضايا من أجل رفع وعي المواطن ورؤيته للعالم باعتبار أن هذا المواطن نبيه، فهو يدرك بفضل حدسه وتجربته ما يدور في العالم الذي يحيط به، وأن المحلل الساسي عليه أن يرفع من هذا الوعي وذلك لما فيه من مصلحة ومنفعة للمشهد السياسي ككل. { هل يعكس هذا المعجم الجديد أزمة في الخطاب السياسي وفقرا لدى الفاعلين فيه؟ لا شك في ذلك أن هناك أزمة حقيقية في الخطاب السياسي حيث يلحظ المتتبع التدني الملحوظ لهذا الخطاب على صعيد الخطاب السمعي البصري بشكل خاص، حيث يمكن القول بأنه خطاب تطغى عليه النفحة الشعبوية التي تبتعد عن الحد الأدنى من التحليل المقبول نظريا، وتقتات من التبسيطية، ولا أقول البساطة، لأن البساطة لا تسقط العمق بينما التبسيطية تسقط في السطح بدعوى أنها تقترب من هموم الناس وتعبر عنهم، وعن أحوالهم بطريقة يفهمها الناس كل الناس، والحال أن الناس تفهم وأن المواطن ذكي ونبيه وله قدرة على التمييز. إن الشعب هو أكثر وعيا على عكس ما يعتقده بعض الفاعلين السياسيين انطلاقا من منطق تراتبي. يعتقدون بأنهم هم النخبة والشعب هو القاعدة. وأخيرا أريد أن أختم أن استعمال الحيوانات في الخطاب السياسي قد يكون مفيدا في لحظات معينة قد يقوى فيها السجال أو تكون لحظات تحول حقيقي ويكون القصد منها هو إفحام الخصم أو التقليل من أهميته، كما كان مثلا في الثورة الليبية خاصة بعض الهتافات التي استعملت حيوانات أيضا من بينها المثالين التاليين: المثال الأول: يا ما قلنا لك يا جربوع / دم ضنانا مو مبيوع المثال الثاني: مسراته أنقنك حاجة / خليك الطاغي دجاجة لاشك أنها لحظات فارقة في الاستبداد وهي هتافات جماهيرية كانت تقاسي شوارع المدن الليبية ولعل جماهريتها هنا تعطيها مشروعية لكن في المقابل نتساءل ما مشروعية استعمال القاموس الحيواني بكثافة لدى نخبتنا السياسية؟