تحولت جنازة المناضل التونسي البارز شكري بلعيد، يوم أمس الجمعة إلى احتجاجات غاضبة تخللها اشتباكات مع قوات الأمن في محيط المقبرة التي سيدفن فيها الفقيد الذي اغتيل الأربعاء في العاصمة تونس، حيث بادرت قوات الأمن إلى استعمال الغازات المسيلة للدموع التي لم يسلم منها أعضاء الوفد المغربي. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد طروش للتلفزيون الرسمي التونسي إن «مجموعة من المنحرفين قاموا بالاعتداء على بعض السيارات في محيط مقبرة الجلاز (التي سيدفن فيها بلعيد) وعناصر الأمن تصدت لهم بالغاز المسيل للدموع». وأفاد شهود عيان من مكان الحادث أن الشرطة قامت بإطلاق الرصاص في الهواء لتفريق المحتجين في محيط مقبرة الزلاج عند المدخل الجنوبي للعاصمة التونسية، كما أطلقت الشرطة قنابل الغاز لتفريق عشرات من المتظاهرين الذين رشقوها بالحجارة. وتجمع آلاف التونسيين من الشباب والنساء، في تعبئة شاملة، أمس الجمعة، في جبل الجلود جنوب العاصمة التونسية للمشاركة في جنازة المعارض اليسار، حيث امتدت المسيرة التي خرجت لتوديع جثمان الراحل على مساحة 6 كلمترات. وفرضت قوات الأمن إجراءات مشددة في العاصمة خاصة في شارع الحبيب بورقيبة الذي يضم مقر وزارة الداخلية، حيث حاول متظاهرون الاحتشاد فيه. وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة في البلاد، عن إضراب عام، ما يمثل تصعيدا في الأزمة التي نجمت عن اغتيال شكري بلعيد الأربعاء الماضي أمام منزله. وكان آخر إضراب عام دعا إليه الاتحاد لمدة ساعتين فقط يوم 14 يناير 2011، ما أسهم في الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في اليوم ذاته وفراره إلى السعودية. ويأتي الإضراب في ظرف اقتصادي واجتماعي بالغ الصعوبة مع تعدد التظاهرات الاحتجاجية على البطالة والبؤس، وهما العاملان اللذان كانا وراء ثورة «الكرامة والحرية» في 2011. ودعت رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية التونسيين إلى التظاهر في هدوء. وأفاد وكالات أن شركة الطيران التونسية ألغت كافة رحلاتها الجوية من وإلى تونس بسبب الإضراب العام ليوم واحد. وقال المتحدث باسم شركة الخطوط الجوية الوطنية إن الرحلات التي تسيرها شركات طيران أخرى لم تتأثر. إحراق مركز للشرطة جنوبيتونس على صعيد آخر، قال مصدر أمني إن شبان أحرقوا مركزا للشرطة في حي النور بمدينة قفصةجنوب غربي تونس مساء الخميس. وقال المصدر إن عناصر الأمن أطلقوا قنابل الغاز المسيل على عشرات من الشبان الذين هاجمموا مركز الشرطة لكنهم لم يتمكنوا من تفريقهم فانسحبوا وتركوهم يحرقون المركز. وكانت المدينة قد شهدت صباح الخميس مواجهات عنيفة بين الشرطة ومئات من المتظاهرين أقاموا جنازة رمزية للمعارض اليساري شكري بلعيد. تهديد شخصيات بالقتل في مؤشر على المخاوف من تفاقم الوضع طلبت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، الخميس، من السلطات حماية الشخصيات السياسية المهددة. وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل أن أمينه العام حسين العباسي تلقى الخميس عبر الهاتف تهديدا بالقتل من مجهول. وفي هذا السياق قال الناطق باسم الرئاسة عدنان منصر، إن جهاز الأمن الرئاسي وفر حماية أمنية «للشخصيات السياسية وزعماء الأحزاب التي طلبت توفير الحماية». وأعلن رئيس الحزب الجمهوري (وسط) المعارض أحمد نجيب الشابي، أول أمس الخميس، أن اسمه مدرج على «قائمة شخصيات مستهدفة بالاغتيال»، وأنه يتمتع بحماية رسمية. وقال الشابي في حوار مع إذاعة «آر تي أل» الفرنسية: «أنا مهدد، وزارة الداخلية أعلمتني رسميا منذ أربعة أشهر أني ضمن قائمة شخصيات مستهدفة بالاغتيال. ورئيس الجمهورية (منصف المرزوقي) وضع لي حراسة أمنية منذ ثلاثة أو أربعة أشهر». وإزاء مخاطر عدم الاستقرار دعت السفارة الفرنسية مواطنيها البالغ عددهم 25 ألفا في تونس إلى الحذر، وأعلنت غلق المدارس الفرنسية (أكثر من سبعة آلاف تلميذ) الجمعة والسبت. وكانت وزارة التعليم العالي التونسية قررت غلق الجامعات من الجمعة إلى الاثنين. ودخل القضاة والمحامون في إضراب بداية من الخميس للتنديد باغتيال شكري بلعيد الذي كان من المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان. إلى ذلك، أعلنت الرئاسة التونسية، تأييدها تشكيل «حكومة توافق وطني»، في وقت تعم الاضطرابات والاحتجاجات عدة مدن تونسية، إثر اغتيال الزعيم المعارض شكري بلعيد. وقال الناطق باسم الرئاسة التونسية، عدنان منصر، إن الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، لم يتلق «استقالة رئيس الوزراء ولا تفاصيل حكومة تكنوقراط مصغرة أعلنها رئيس الوزراء»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن «المرزوقي يؤيد تشكيل حكومة وفاق وطني تضم تكنوقراط يتولون الوزارات الاقتصادية والفنية». وأكدت الرئاسة أن المرزوقي، سيتعامل مع أي حكومة يوافق عليها المجلس الوطني التأسيسي.