بعد مضي أسابيع قليلة عن الضجة التي أحدثتها صورته الصادمة رفقة زوجته، والتي تم تعميمها من طرف «فايسبوكيبن» من كروشن، بإقليم خنيفرة، لتتناقلها مواقع تواصلية كثيرة، ومنها إلى صدارة العديد من المنابر الإعلامية، توفي، صباح يوم الأربعاء 23 يناير 2013، بالمستشفى الإقليمي لخنيفرة، العجوز «اعزيز أخواش»، عن سن تناهز 86 سنة، تاركا رفيقة عمره العجوز المقعدة «الطاهرة العاتيق» وابنهما «محمد» البالغ من العمر حوالي 35 سنة، والمصاب باضطراب عقلي حال دون قيامه برعاية والديه بالشكل المناسب. اعزيز أخواش ودع الحياة التي لم يعرف معناها إلا خلال الساعات القليلة من نهايتها بفضل عدد من المتطوعين والمحسنين الذين بادروا إلى رعايته وعائلته فور الإعلان عن «اكتشافها» صدفة من طرف جمعيات محلية بكروشن، وكم كانت اللحظة ماكرة في تزامن «انفجار» خبر هذه الحالة المأساوية مع احتفالات العالم بحلول السنة الميلادية الجديدة. مسؤول ب»جمعية الوفاء للتنمية والبيئة» بكروشن، والتي كان لها الفضل في المساهمة في «العثور» على الأسرة المعنية بالأمر، يوم السبت 29 دجنبر الماضي، أكد ل»الاتحاد الاشتراكي» أن العجوزين كانا لحظة «اكتشافهما» يعانيان من أمراض مزمنة بسبب الفقر والجوع والعطش والرطوبة، حتى أنهما أصيبا بالعمى والهزال بصورة مثيرة للألم والبكاء، والمؤكد أنهما لم يكن ينتظران غير طرقات «عزرائيل» في أية لحظة على بابهما الخشبي القديم، وهما يعيشان مع ابنهما الوحيد، الذي يشكو من خلل عقلي، في وضعية مزرية للغاية وأسوأ درجات الفقر والبؤس. وبسبب عدم تناولهما للطعام لمدة ثلاثة أيام في مناخ بارد جدا، فقد عُثر عليهما وهما في غيبوبة، وكم كان المشهد مروعا من خلال حالة الزوجة «الطاهرة» التي «انكمش» جسدها النحيل، والتصقت رجلاها بصدرها، جراء البرد القارس والجوع والإهمال والعزلة، حتى أنها لم تبارح مكانها منذ 10 سنوات، وهو ما عاينته «الاتحاد الاشتراكي» أثناء زيارتها بدورها للعجوزين. وتعيش هذه العائلة تحت سقف بيت مهترئ شبيه ب»قبو مظلم» دون كهرباء ولا ماء ولا نور، حيث هرعت جمعيات محلية، رفقة عدد من المتطوعين والفاعلين إلى جمع بعض المساعدات العاجلة على هزالتها، وتم بها تنظيف بيت العجوزين من الأوساخ والنفايات، وقد كان هذا البيت وأفرشته مليئة بالقمل والفئران والصراصير والحشرات، ومن فضائل مشاعر التآزر لم يفت المتطوعين القيام باستبدال الأفرشة الرثة بآخرى نظيفة، كما نقلوا العجوزين وابنهما إلى حمام عمومي قصد إعادة الحياة والدفء لأجسادهم التي لم تعد سوى عبارة عن «كومة عظام» أو «موتى يتنفسون» أو هي «رميم» في ضيافة الحياة. ذلك قبل قيام عدد من المتطوعين بالتبرع على هذه الأسرة بالمساعدات، ومن بينهم أحد المحسنين من مراكش، الذي فضل عدم ذكر اسمه أول الأمر، إلا أن بعض المنابر الإعلامية كشفت عن هويته، والذي لم يكن سوى رشيد المناصفي، رئيس الجمعية المهنية لشركات الأمن الخاص، والخبير في علم الإجرام، والوجه المعروف من خلال «برامج الجريمة» على القنوات التلفزية المغربية (برنامج «مسرح الجريمة» بميدي 1 مثلا)، هذا الذي «استقطبته» صورة العجوزين ليطير في وقت وجيز نحو كروشن ويحل ببيت هذبن العجوزين، في مبادرة ذاتية وتطوعية محضة، وكان لنا الشرف في مرافقته لهذه الخطوة الإحسانية. خبير علم الاجرام بادر، في الوقت ذاته، إلى دعم «الأسرة المكتشفة» بالأفرشة والألبسة والتنظيف، قبل المناداة على «صباغ» محلي لطلاء وتلميع البيت المظلم بلون أبيض ناصع، واختيار مواطنة لخدمة الأسرة المعنية مقابل راتب شهري، وبمساعدة بعض شباب وفاعلي المنطقة تمكن رشيد المناصفي من خلق بعض الدفء والحركة في البيت المنسي، وكم كانت مفاجأته كبيرة أمام حالات مأساوية كثيرة لمواطنين منسيين، من معاقين ومرضى وفقراء يعيشون في صمت ومعاناة خارج الشعارات والخطابات المتغنية ب «شروط العيش الكريم» دون فعل صادق، ولم يفت رشيد المناصفي تقديم وعد لعدد من الفاعلين المحليين على أنه سيعمل ما بوسعه لحشد مناصري قضايا الانسانية نحو دعم فقراء المنطقة. وبذلك نجحت تحركات المجتمع المدني يكروشن في تعميم الصورة التي أبكت و»استفزت» الملايين، وفي تسليط الضوء على وضعية أسرة «العجوز اعزيز أخواش» القاطنة ب»حي البطوار» المهمش، بل وفي توسيع قاعدة التعاطف والتضامن والتفاعل الإنساني مع هذه الحالة المفزعة التي انتشر أمرها بسرعة النار في القش على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر المئات من الفاعلين والمحسنين من عموم المغاربة عن رغبتهم النبيلة والصادقة في مساعدة وإغاثة العجوزين وابنهما، هؤلاء الذين ظلوا «يصارعون من أجل البقاء» بما يجود به عليهم الجيران الذين يتشابهون في المعاناة اليومية والأوضاع المزرية، وقد كتب عليها قدرها أن تزداد فقرا بقرية مثل كروشن محكوم عليها بالتهميش والعزلة والإقصاء الاجتماعي، وبالبنى التحتية المتردية وهيمنة المفسدين وتجار الانتخابات.