تحيط مخاوف كثيرة بمستقبل الحريات والفنون في مصر في ظل محاولات القنوات الدينية وشيوخ السلفية فرض وصاية أخلاقية على الفن، كما قد يفتح الدستور الجديد الذي صوت عليه المصريون الباب لتطبيق هذه الوصاية بشكل أوسع. تتوقف الفنانة وفاء عامر عند مقتل الصحفي الحسيني أبو ضيف، الشاب الذي لقي مصرعه خلال الاشتباكات بين معارضي الدستور ومؤيديه في محيط قصر الاتحادية الرئاسي (في الخامس من دجنبر 2012) وتوضح وفاء عامر، التي جسدت مؤخرا سيرة حياة الراقصة المصرية الراحلة «تحية كاريوكا» في مسلسل تليفزيوني، ل «دوتشي فيليه» «كيف يمكن أن يقتل صحفي لأنه يمارس مهنته؟»، مشيرة إلى «الخوف بشكل عام على مصر»، حيث تقول «لا يمكن أن أكون أنانية وأفكر في مستقبل مهنتي ولا أفكر بما يجرى بالبلاد». وتعتبر عامر أن هناك حالة هجوم شديدة على الفن، وهو ما تراه محاولة «لاختزال الفن في صور بسيطة مرتبطة بالتسلية والإثارة فقط، رغم أن الفن عمل هام، ويعبر عن طموح الأمة». وتؤكد وفاء عامر تلقى العديد من الفنانات تهديدات وتعرضهن لمضايقات من جانب بعض دعاة السلفية، مشيرة لتطاولات الداعية الإسلامي عبد الله بدر على الفنانة إلهام شاهين، الذي صدر حكم ضده بالسجن والغرامة المالية. وتوضح عامر بهذا الصدد «لم يتعرض لي أحد، لكن لا أحب أن تكون هناك وصاية.. كيف تفرض وصاية على المجتمع المصري، نحن مجتمع متنوع وشعب عظيم، ولا يقبل أحد أن تكون هناك وصاية على أحد»، وتضيف «لا أعترض على وجود الإسلاميين في الحكم أو وجود رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين». لا تعارض صاحبة «كاريوكا» وجود «فن إخواني»، وتصرح ل«دوتشي فيله» «ما المانع أن يكون هناك توجه لدى التيار الإسلامي لتقديم الفن وإنتاجه حسب رؤيتهم!؟»، ولكنها تشترط «أن يتم ذلك بدون وصاية، بمعنى أن يقدم كل طرف الفن حسبما يراه ويحبه.. ربما نستطيع تقريب وجهات النظر». كما تشير عامر لدعاوى انطلقت عقب الثورة المصرية بدخول جماعة الإخوان المسلمين لمجال الإنتاج الفني وتأسيس شركات حسب الفهم الخاص بجامعة الإخوان المسلمين للفن، لكنها تحبذ «أن يترك الأمر لأهل الاختصاص كلٍ في مجاله، أن يتكلم الطبيب في مجال الطب، والداعية في الدين، والفنان في الفن»..لهذا تعتبر الفنانة أن الدعاة كان من الأفضل لهم «التركيز على موضوع الدعوة فقط، وعدم الكلام في الفن وفرض تصوراتهم الأخلاقية المقيدة على أهله». ومن جهتها اعتبرت الفنانة سلوى خطاب ل«دوتشي فيليه» عربية أن ما يحدث «أمر غريب، لا يمكن تصوره، ولا يحدث في أي بلد»، ورأت أن الدولة يفترض فيها عدم الرجوع للوراء «الناس تطمح لحريات أوسع وأمان أكثر، لكن ما يتم هو تقليص مساحة الحقوق والحريات»، وتؤكد خطاب أن «العالم سيستمر في التقدم بينما سنصبح نحن متخلفين». واعتبرت أن النخبة الحاكمة في مصر المنتمية للتيار الإسلامي تتعمد العودة للماضي «كيف يمكن لبلد مثل مصر أن يتخلى عن مستواه الراقي في مجالي الثقافة والفن، حيث تجد أن مجمل الحديث يدور حاليا حول التطاولات والتهديدات، وحالة الترهيب، كل هذا غير مناسب لطبيعة مصر الثقافية». وعن الدستور الجديد ترى خطاب «أنه دستور يقسم مصر، والطريقة التي تم وضعه بها، عقب انسحاب القوى المدنية بالكامل وممثلي الكنائس المصرية، ليست إلا كلاما فارغا»، وتضيف «هل نطالب بحرياتنا ولا نفكر في حقوق المصريين الطبيعية؟». وتوضح بطلة الفيلم المميز «عفاريت الإسفلت» إلى أن «الدنيا صارت تنقلب رأسا على عقب إذا تحدث شخص ما بحرية، أو أبدى اعتراضه أو انتقاده للأوضاع.. وفى وسط هذه الحالة المنفلتة كيف يمكننا أن نتحدث عن الإبداع والحريات؟» وتتساءل «كيف سنعمل ونبدع في ظل هذه الظروف!؟». كما ترى خطاب الوضع الحالي «أقرب لبلد تحكمه شريعة الغاب.. طالما لا توجد محاكم ولا قانون ينفذ، فلن تجد حقوقا ولا حريات»، فالدستور «ليس مجرد ورق»، كما تقول سلوى، وإنما «وثيقة محترمة تعكس مبادئ وقيم وحقوق، لكن ما يحدث على أرض الواقع غير ذلك». تتوقف خطاب عند حالة الترهيب ضد الفنانين والإعلاميين أيضاً، وتتوقع أن تتزايد، في ظل ما تسميه غياب تنفيذ القانون، وانتشار «شريعة الغاب»، واستطردت «ماذا بعد الدستور؟ وكيف سيطبق الدستور أصلا؟». في سياق متصل صرح المحامى محمود فتح الباب ل«دوتشي فيليه» أن مشروع الدستور «لم يشتمل على مواد ضد الفن أو تقوم بتقيده بشكل مباشر، لكنه يحتوى على نصوص دستورية عامة يمكن استخدامها في التقييد»، حيث يرى المحامى بمؤسسة حرية الفكر والتعبير أن «الدستور قدّم أرضية مناسبة لإصدار قوانين وأحكام تعطل الحريات.. هي أرضية تشريعية تتسم بالميوعة الشديدة». هناك مواد تنص على احترام «الأخلاق وقيم الأسرة المصرية الأصيلة»، مما يشير لإمكانية تقييد أي عمل فني لا يتماشى مع هذه المصطلحات الواسعة والفضفاضة. ويضيف فتح الباب بهذا الصدد «بناء على مشروع الدستور ننتظر الكثير من القوانين الجديدة المقيدة، لأنه يحتوى على المادة ونقيضها في الوقت ذاته».