أطلقت الحكومة حملة إعلامية وطنية للتوعية ضد مخاطر الرشوة تحت شعار «وياك من الرشوة»، ولأن الرشوة هي العنوان العريض لملفات الفساد ، فإن الحكومة تريد ، بحملتها هاته، أن تظهر أنها عاقدة العزم على محاربة الفساد. لكن عن أي فساد يتحدثون إذن؟ فبالرغم من أن المغرب يضم أكثر من خمس مؤسسات للمراقبة والتوعية ضد الفساد والرشوة، إضافة الى ترسانة قانونية وافية، وانخراطه في مسلسل آلية استعراض تنفيذ اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، فإن تصنيفه العالمي تراجع في هذا المجال، إذ كشف تقرير «ترانسبارنسي الدولية» الصادر مؤخرا تراجع المغرب بثماني نقاط في سلم الترتيب الدولي الخاص بالرشوة، حيث احتل المرتبة 88 من بين 176 بلدا تحدث عنها التقرير. واتهم فرع المنظمة الدولية في المغرب الحكومة بالفشل في محاربة الرشوة، وعدم تحقيق أي تقدم ملموس رغم الوعود المقدمة من طرف مكوناتها السياسية. محاربة الفساد تقتضي حصره وضبطه لتفعيل العناصر الأساسية في استراتيجية مكافحته، كالمحاسبة والمساءلة والشفافية والنزاهة، فتعقد الظاهرة في المغرب، وإمكانية تغلغلها في كافة جوانب الحياة ، تفرض تبني استراتيجية تقوم على الشمولية والتكامل لمكافحة هذه الظاهرة، على أن يسبق ذلك تحديد دقيق لمفهوم الفساد وأسبابه وأشكاله ، ومن ثم العمل على التقليل من الفرص والمجالات التي تؤدي إلى وجوده أو تضفي عليه الشرعية والمقبولية من المجتمع، وتعزيز فرص اكتشافه عند حدوثه، ووضع العقوبات الرادعة بحق مقترفيه. محاربة الفساد تقتضي سيادة القانون، من خلال خضوع الجميع للقانون واحترامه والمساواة أمامه وتنفيذ أحكامه من جميع الاطراف، عبر نظام يقوم على الشفافية والمساءلة. محاربة الفساد تقتضي بناء جهاز قضائي مستقل وقوي ونزيه، وتحريره من كل المؤثرات التي يمكن أن تضعف عمله، والالتزام من قبل السلطة التنفيذية على احترام أحكامه . محاربة الفساد تقتضي التفعيل الحقيقي لمبدأ : «من أين لك هذا؟» عوض الاكتفاء بالاجراءات الشكلية لقانون التصريح بالممتلكات. محاربة الفساد تقتضي تطوير دور الرقابة والمساءلة من قبل الهيئة التشريعية من خلال الأدوات البرلمانية المختلفة في هذا المجال مثل الأسئلة الموجهة للوزراء وطرح المواضيع للنقاش العلني، وإجراء التحقيق والاستجواب، وطرح «الثقة» بالحكومة. محاربة الفساد تقتضي إعطاء الحرية للصحافة وتمكينها من الوصول إلى المعلومات ومنح «الحصانة» للصحفيين للقيام بدورهم في نشر المعلومات وعمل التحقيقات التي تكشف عن قضايا الفساد ومرتكبيها عوض متابعتهم قضائيا. فهل يمكن القول بأن كل هذه الشروط تتوفر وبالتالي تم إطلاق الحملة الوطنية لمحاربة الرشوة؟ شخصيا أشك في ذلك مادام للفساد «عرابون» يحمونه..