تحدث المسؤولون كثيرا عن الخطة الوطنية لمحاربة الفساد، فساد يقول عنه المسؤولون أنه يلتهم 2 بالمئة من الناتج المحلي - شخصيا لا أعرف على أي أساس بنيت هذه الخلاصة - لايهم، فالمهم أن المسؤولين انتبهوا- بالفعل- إلى أن هناك فسادا يتطلب خطة من 43 اجراء جديدا من بينها أن يعلن كبار مسؤولي الدولة عن ثرواتهم وأن تتكفل الحكومة بحماية العاملين في هيئات مكافحة الفساد وإعطاء دروس لتلاميذ المدارس عن مكافحة الفساد وإتاحة قنوات للجمهور للابلاغ عن حالات الفساد والاختلاس لموظفي الحكومة. حددوا موعدا لتنفيذ الخطة الجديدة وهي أوائل سنة 2011 على أن تستمر في العام الموالي للتاريخ دلالته فالموعد قد مر ونحن الآن في ظل دستور جديد قديم بتجليات جديدة، لربما قد تتطور الأمور لاحتلال مراكز مشرفة ضمن مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية بعد أن تبوأنا مركزا مهينا العام قبل الماضي حيث احتل المغرب المركز التاسع والثمانين بين 180 دولة. عن أي فساد يتحدثون إذن؟ محاربة الفساد تقتضي حصره وضبطه لتفعيل العناصر الأساسية في استراتيجية مكافحته كالمحاسبة والمساءلة والشفافية والنزاهة، فتعقد الظاهرة في المغرب، وإمكانية تغلغلها في كافة جوانب الحياة تفرض تبني استراتيجية تقوم على الشمولية والتكامل لمكافحة هذه الظاهرة، على أن يسبق ذلك تحديدا دقيقا لمفهوم الفساد وأسبابه وأشكاله ومن ثم العمل على التقليل من الفرص والمجالات التي تؤدي إلى وجوده أو تضفي عليه الشرعية والمقبولية من المجتمع، وتعزيز فرص اكتشافه عند حدوثه، ووضع العقوبات الرادعة بحق مقترفيه. محاربة الفساد تقتضي سيادة القانون، من خلال خضوع الجميع للقانون واحترامه والمساواة أمامه وتنفيذ أحكامه من جميع الاطراف، من خلال نظام يقوم على الشفافية والمساءلة. محاربة الفساد تقتضي بناء جهاز قضائي مستقل وقوي ونزيه، وتحريره من كل المؤثرات التي يمكن أن تضعف عمله، والالتزام من قبل السلطة التنفيذية على احترام أحكامه . محاربة الفساد تقتضي التفعيل الحقيقي لمبدأ : «من أين لك هذا؟» عوض الاكتفاء بالاجراءات الشكلية لقانون التصريح بالممتلكات. محاربة الفساد تقتضي تطوير دور الرقابة والمساءلة من قبل الهيئة التشريعية من خلال الأدوات البرلمانية المختلفة في هذا المجال مثل الأسئلة الموجهة للوزراء وطرح المواضيع للنقاش العلني، وإجراء التحقيق والاستجواب، وطرح الثقة بالحكومة. محاربة الفساد تقتضي إعطاء الحرية للصحافة وتمكينها من الوصول إلى المعلومات ومنح الحصانة للصحفيين للقيام بدورهم في نشر المعلومات وعمل التحقيقات التي تكشف عن قضايا الفساد ومرتكبيها عوض متابعتهم قضائيا. فهل يمكن القول بأن كل هذه الشروط ستتوفر لإطلاق الحملة الوطنية لمحاربة الفساد؟ شخصيا أشك في ذلك وموعدنا نهاية السنة الجارية لنتأكد من الأمر وإن كنت أشك في أن الحملة قد تكون ناجحة مادام للفساد «عرابون» يحمونه...