برحيل نعيمة سعودي بوعناني، تكون السينما المغربية قد فقدت ركناً من أركان تأسيس وبناء صرحها. نعيمة التي وافتها المنية بمدينة تطوان، وهي تمارس عشقها الأبدي كصانعة للفرجة السينمائية، مشهود لها بمرافقة الفيلم المغربي عبر مراحله التاريخية. لقد ساهمت هذه السيدة الطيبة إلى جانب جيل الرواد والجيل الثاني والجيل الثالث. وظلت نعيمة حاضرة رغم الألم الذي أصبح قدراً يلازمها منذ عقدين من الزمن، بدءاً بالموت التراجيدي لابنتها «باتول» التي خطفها القدر فجر انبلاج موهبتها السينمائية، وظلت نعيمة صامدة رغم الفقدان الأليم لرفيق دربها المخرج الكبير أحمد بوعناني الذي شكلت بمعيته أشهر زوج في السينما المغربية. ولم تدعن نعيمة لقاعدة «استراحة المحارب» رغم المرض المزمن الذي ألم بها في السنتين الأخيرتين من عمرها. لفظت نعيمة آخر أنفاسها الزكية وهي تشتغل إلى جانب المخرج الجيلالي فرحاتي في فيلم «سر الوسادة»، وبذلك وشمت في الذاكرة السينمائية المغربية.إن السينما بالنسبة لنعيمة لم تكن مجرد هواية ولا مهنة لكسب العيش، بل كانت بالنسبة إليها قدراً ملأ حياتها وجعلها يداً بيضاء لكل من عملت إلى جانبهم. نعيمة السعودي المحترفة بامتياز المهنية ذات التكوين الموسوعي هي التي برعت في مهن سينمائية مختلفة. وفي شهادة للناقد السينمائي ورئيس المركز السينمائي المغربي الذي هاتفها قبل يومين من وفاتها للاطمئنان على صحتها، صرح الأستاذ نور الدين الصايل أنها حرصت على طمأنته وقالت بنبرة واثقة، «إن عودتي للاشتغال إلى جانب الجيلالي فرحاتي أعاد إلي حيويتي، وأنا أشعر بأنني تخطيت أزمتي الصحية بالكامل». شكراً نعيمة، لأن وجودك في حياتنا السينمائية المغربية كان وسيظل هبة من السماء، ومن المؤكد أن تاريخ السينما المغربية سيحتفظ لك بذكرى من مداد من ذهب، وأن الأجيال القادمة ستتخذ مسارك الاستثنائي نبراساً وقدوة وسيرة سينمائية فنية تتجلى فيها كل قيم البذل والعطاء. وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه القيم النبيلة لحماية شعلة الفن ومحرابه من كل سدول الظلام التي تتهدده. نامي مطمئنة أيتها العميدة وأبلغي سلامنا للعزيزة «باتول» وللشاعر «سيدي أحمد بوعناني» الذي أهداك أجمل القصائد.