أصيب ما يفوق 65 فردا من القوات العمومية وعشرات آخرين من المحتجين خلال المواجهات العنيفة التي اندلعت بحي سيدي يوسف بن على بمراكش بعد صلاة الجمعة يوم 28 دجنبر 2012 ، حين كان عدد من الاشخاص ينوون تنظيم وقفة احتجاجية أمام مكتب الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بسيدي يوسف بن علي بإيعاز من جهات لم تقم بالإجراءات القانونية التي تسمح بالقيام بمثل هذه التظاهرات، وهو السبب الذي دعا القوات العمومية لاعتراضهم. غير أن المتظاهرين أوهموا هذه القوات بأنهم مسالمون بترديدهم ل: « سلمية، سلمية...» إلى أن أحاطوا بالقوات الأمنية من كل جانب فانهالوا عليها بالحجارة، هذا الوضع فاجأ رجال الأمن الذين اضطروا في البداية تحت وابل من بالحجارة التي تنزل عليهم كالمطر، إلى الانسحاب إلى حدود باب احمر.. وبعد ذلك عززوا صفوفهم مما سمح لهم بالتدخل، غير أن هذا التدخل وُجِه من طرف المتظاهرين بالحجارة و«البَّافي» المقتلع من الطِّوارات وبإشعال النيران في حاويات الأزبال .. في ظل هذه الأوضاع المشحونة هاجمت مجموعة من المتظاهرين مخفرا للشرطة يتواجد قرب مركز «راديما» وأصابوا ثلاثة عناصر أمنية كانت بداخله وخربوا محتوياته وكسروا بابه ونوافذه قبل ان يكسروا سيارة صغيرة للأمن ويقلبوا أخرى.. واستمرت المواجهات على هذا النحو طيلة فترة ما بعد الظهر من يوم الجمعة مُخلفة إِصابات كثيرة في صفوف رجال الأمن والمتظاهرين كما خلقت الرعب في صفوف الساكنة . و مما زاد الطينة بلة ، اقتحام المحتجين للمؤسسات التعليمية وإخراج التلاميذ من المدارس وتوظيفهم من خلال إِلحاقهم بصفوفهم لتمتد المواجهات على طول الشارع المؤدي من باب احمر إلى شارع المصلى فشارع المدارس.. وأمام اكتظاظ المتظاهرين وحِدَّة مواجهتهم للقوات الأمنية اضطرت هذه الأخيرة إلى استعمال القنابل المسيلة للدموع لتفريق الغاضبين الذين كانوا يستعملون أسلوب «حرب العصابات» حيث يتراجعون من جانب ليهاجموا من جانب آخر، ساعدهم في ذلك معرفتهم بالأزقة الضيقة التي لم تستطع القوات الأمنية اقتحامها، غير أن هذه الأخيرة التجأت إلى عناصر الصقور ممن يستعملون الدراجات النارية في اقتحام صفوف المشاغبين واعتقال عناصر محددة منهم، حيث بلغ عدد المعتقلين 30 معتقلا تم الاستماع إليهم وأُطْلِقَ سراح 20 منهم و احتفظ بالباقي لتعميق البحث معهم . بعد السابعة مساء من يوم الجمعة، وصلت تعزيزات أمنية إلى مراكش قادمة من سطات وآسفي وقلعة السراغنة، واحتدت المواجهات خاصة على مستوى شارع المدارس وكان أغلب المتظاهرين من الشبان والتلاميذ ممن تم توظيفهم في هذه الأعمال.. وإلى حدود الثامنة مساء، تبين أن القوات العمومية سيطرت على الوضع غير أنها كانت تُفاجأ بين الحين والآخر بمجموعات تخرج من أزقة سيدي يوسف بن على القديم.. بعدها عاشت المنطقة ما تبقى من الليل في ظل هدوء مشوب بالحذر.. واستؤنفت المواجهات يوم السبت 29 دجنبر2012 ببعض المناوشات، وقامت القوات العمومية بعمليات تمشيط داخل أزقة ودروب سيدي يوسف بن علي ، وعاينت «الاتحاد الاشتراكي» إصابة رجل أمن من فرقة الصقور بضربة سكين على مستوى العنق والرأس وإحراق دراجته بعدما كان مُحْتَجزا من طرف بعض المحتجين. وواصل المحتجون أسلوب «حرب العصابات» معززين بأسلحة بيضاء بالإضافة إلى سلاحهم الأول وهو الحجارة ومحاولة عرقلة تقدم رجال الأمن عن طريق حرق الإطارات وحاويات الأزبال ووضعها كمتاريس وسط الطرق لعرقلة تقدم الأمن .. يوم السبت دائما عاشت أحياء سيدي يوسف بن علي حالة شلل تام، بحيث أن كل المحلات التجارية أغلقت، ووجد السكان مشكلا في التزود بالمواد الغذائية كما تعطلت المؤسسات التعليمية وأُغلقت الشوارع الرئيسية في وجه المرور حيث أُقيمت عند مداخلها حواجز أمنية. وعلمت «الاتحاد الاشتراكي» أن الأمن يتوفر على لائحة بأسماء الاشخاص المحرضين على استعمال العنف ويجري البحث عن الرأس المتزعمة لهذه الأحداث ، وهو شخص معروف.. وحسب بعض المعلومات المتداولة في أعقاب هذه الأحداث فالمعني مختفي في مكان ما وأحاط بنفسه قنينات غاز يهدد بتفجيرها ! وكانت أزيد من 50 جمعية من المجتمع المدني، قد اجتمعت في مقر الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء وأكدت أن الساكنة غير معنية بهذه الاحتجاجات، وهي مقتنعة بالاتفاقية المبرمة مع الوكالة، وأن عدة أشخاص يخدمون أجندة معينة هم من يخلقون هذه البلبلة وأن شخصا يدعى (ر) هو المحرك لكل هذه الاعمال التخريبية، وقد خرجت هذه الجمعيات ببلاغ يندد بهذه الأعمال التي يريد من خلالها البعض استغلال قضايا اجتماعية لقضاء مآرب سياسوية ضيقة. ومما ميز مواجهات يومي الجمعة والسبت، كون القوات العمومية رغم كثرة عدد عناصرها، لم تتدخل بشكل حاسم لفض حالة الفوضى التي عرفتها المنطقة، بل كانت في غالب الأحيان في موقف تلقي هجومات المتظاهرين، وحسب بعض الأمنين، فالسبب في ذلك يعود إلى عدم ورود تعليمات واضحة بالتدخل الصارم ، لتفسح المجال لعمليات الدراجين الذين نفذوا اختراقات في صفوف المتظاهرين واعتقال بعضهم . و هو ما يفسر حسب أمنيين ارتفاع عدد الإصابات في صفوف القوات العمومية. وقال مسؤولون إن التعليمات الواردة تؤكد على تدخل بدون أضرار.. وسواء في يوم الجمعة أو يوم السبت، كانت التدخلات الأمنية تتم تحت إشراف المسؤولين الكبار وعلى رأسهم والي الأمن عبد الرحمان هاشم. وكان بلاغ لوزارة الداخلية قد أفاد بأنه تم اعتقال نحو 30 شخصا، يوم الجمعة بمراكش، كانوا يشاركون في مظاهرة غير مرخصة، وقاموا خلالها بأعمال عنف وشغب، مما تسبب في إصابات في صفوف المواطنين وقوات الأمن. وأوضح البلاغ أن متظاهرين أقدموا خلال هذه المظاهرة التي نظمت بسيدي يوسف بن علي بمراكش على» الرشق بالحجارة، مما تسبب في إصابات في صفوف المواطنين وقوات الأمن» مضيفا أن «قوات الأمن تدخلت لتفريق هذه المظاهرة غير المرخصة وألقت القبض على نحو 30 شخصا قاموا بأعمال عنف وشغب». وأشار المصدر ذاته إلى أن المتظاهرين كانوا يعتزمون الاحتجاج على غلاء فواتير الكهرباء. وذكرت وزارة الداخلية بهذا الخصوص بأن الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمراكش اتخذت منذ سنة 2011 وبتنسيق مع السلطات المحلية وبتشاور مع ممثلي المواطنين المعنيين، سلسلة من الإجراءات «تهدف إلى تخفيف عبء فواتير الكهرباء لفائدة الأسر الأكثر عوزا». وأوضح البلاغ أن هذه الإجراءات تتعلق بمنح تسهيلات أداء على امتداد 24 شهرا بالنسبة ل 16 ألفا و433 مشتركا وبيع وتركيب 50 ألف مصباح ذات الاستهلاك المنخفض وإنجاز 9395 ربطا اجتماعيا وتركيب 21 ألفا و973 عدادا إضافيا لتحديد الاستهلاك الخاص بكل أسرة ووضع نظام للتحقق من وصولات الأداء. وأضاف المصدر أنه كان لهذه الإجراءات المذكورة وقع مالي على ميزانية الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء من خلال تراكم لمتأخرات الأداء بلغ أكثر من 100 مليون درهم من بينها أزيد من 30 مليون درهم سجلت على مستوى وكالة سيدي يوسف بن علي. وأكدت وزارة الداخلية أن «الحوار الذي شرعت فيه الوكالة مع ممثلي السكان بتنسيق مع السلطات المحلية، يظل الوسيلة الملائمة لإيجاد حل لحالات النزاع التي قد تظل عالقة» . وخلص البلاغ إلى أن السلطات العمومية «تؤكد عزمها على مواصلة القيام بواجبها المتمثل في الحفاظ على النظام في احترام تام للقوانين الجاري بها العمل بهدف ضمان أمن المواطنين وحماية ممتلكاتهم». وما زال البحث جاريا عن الجهات التي تقف وراء دفع الموقف الذي هو في الأصل احتجاج عادٍ إلى التصعيد والتحريض على تحويله إلى حالة من العنف و التمرد، و خاصة في ظل ما لوحظ من تحرك منظم من قبل جماعات بعينها من المتظاهرين خلال المواجهات، و الذين حولوا حي ساحة سيدي يوسف بن إلى ساحة معركة حقيقية ، بعيدا عن منطق الاحتجاج العفوي .