شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير مؤخرا تنظيم الأيام الوطنية العشرين للجمعية المغربية للبحث التاريخي. و خلال هذه السنة نظمت الأيام الوطنية تحت عنوان: «الجهة في تاريخ المغرب»، بتعاون مع شعبة التاريخ بكلية الآداب بأكادير. أكدت الورقية التقديمية للأيام الوطنية على انشغال الساحة السياسية الوطنية راهنا بقضية الجهوية الموسعة، التي أثارت نقاشات مستفيضة بين الفاعلين السياسيين و الأكاديميين من تخصصات مختلفة حول مفهوم الجهوية و آفاق تطبيقها في مجموع التراب المغربي، وإمكانيات استلهام بعض التجارب التي عرفتها بعض الدول السباقة إلى تطبيق هذا النظام. و قد كان لبعض المؤرخين المغاربة نصيب وازن في إبداء بعض الملاحظات و تقديم اقتراحات و آراء مستمدة من تاريخ المغرب، مما أدى إلى ترسيخ الاقتناع بأن أية قراءة للمضمون الإشكالي للجهة باعتبارها مفهوما و مجالا، لا يمكن أن تثمر النتائج المرجوة إلا بتجاوز الظرفية السياسية و ما أثارته من نقاش، لمساءلة التاريخ وفق منهج منفتح في محاولة لاستقراء منطق الجهة و استنباطه عبر مختلف فترات تاريخ المغرب. لذا فالسؤال الأساس الذي تطرحه القراءة التاريخية لهذا الموضوع يتمحور حول البحث في علاقات الدولة بمجالاتها الترابية، و في علاقات هذه المجالات بالدولة المركزية، و هو سؤال يدفع الباحث إلى النظر في مقاربة تهتم بالمميزات الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية و الذهنية لهذه المجالات. فقد كان للجهة دائما دور واضح في نشوء الدول الحاكمة و استمرارها، فالدولة المغربية تشكلت خلال العصور انطلاقا من علاقات جدلية مع السلطة المحلية، التي كانت في الغالب دعامة من دعائم السلطة المركزية. كما أن بعض الجهات في المغرب عرفت بتميزها المجالي و البشري و الثقافي، و سمحت لها مؤهلاتها بإفراز كيانات سياسية لعبت أدوارا حاسمة في حقب هامة من تاريخه. لذلك فإن مقاربة موضوع «الجهة في تاريخ المغرب» سيساهم في تعميق النقاش والبحث في هذه البنية و دورها في تشكيل النسق الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي و الثقافي للمغرب، في تفاعل مع صناع القرار و المعنيين من فاعلين و باحثين في مختلف التخصصات. و قد اقترحت الورقة التقديمية محاور الأيام الوطنية في أربع نقط أساسية: 1. الجهة في تاريخ المغرب: رؤى متقاطعة. 2. إسهامات الجنوب في تاريخ المغرب. 3. الجهة في تاريخ المغرب : قراءة في المسار. 4. محور منهجي : المونوغرافيا والمفاهيم. امتدت أشغال الأيام الوطنية للجمعية المغربية للبحث التاريخي على مدى يومين. فخلال اليوم الأول عقدت جلستان: الأولى ترأسها الأستاذ عبد الكريم مدون و كان عنوانها هو: «الجهة: مقاربات متقاطعة»، حيث قدمت خلالها أربع مداخلات ركز فيها الأساتذة المتدخلون على أربعة محاور أساسية: 1. الجهوية في بعدها التاريخي. 2. الاقتصاد والجهة. 3. استراتيجية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بجهة سوس ماسة درعة. 4. قراءة في مشروع الجهوية الموسعة. أما الجلسة الثانية فقد ترأستها الأستاذة لطيفة الكندوز، و كان عنوانها هو: «سوس، نماذج من تاريخ الجهة»، و قدم خلالها الأساتذة المتدخلون ثلاث مداخلات ركزوا فيها على ثلاثة محاور: 1. الهوية الثقافية للجهة، سوس على عتبة الأزمنة الحديثة. 2. دار تمنارت وآليات تدبير المجال بالسوس الأقصى قبل الحماية. 3. دار إليغ وتدبير المجال السوسي خلال القرن 19. و في اليوم الثاني من الأيام الوطنية عقدت جلستين، فالجلسة الثالثة ترأستها الأستاذة مارية دادي، و كان موضوعها هو: «الجهة في تاريخ المغرب: نماذج و مقاربات»،وتضمنت أربعة محاور: 1. جهة الريف الشرقي في رهانات الحكم المريني. 2. التأريخ لجهة الهبط. 3. تصور الجهة من خلال وثيقة القنصل الفرنسي دوبويي (الحالة الطبوغرافية للمغرب سنة 1805). 4. السياسة الجهوية للمغرب خلال فترة الحماية. أما الجلسة الرابعة و الأخيرة التي ترأسها الأستاذ شفيق أرفاك فقد كان موضوعها هو: «المونوغرافيا و المفاهيم»، و تضمنت محورين: 1. البحث المونوغرافي في المغرب، واقع وآفاق. 2. البحوث المونوغرافية، واقعها وآفاقها بالجامعة التونسية. تم اختتام هذه الأيام الوطنية بعقد لقاء تواصلي بين أعضاء الجمعية ومكتبها، و في اليوم الأخير نظم مكتب الجمعية رحلة دراسية إلى تزنيت و إليغ خاصة بأعضاءه. لتتفق الجمعية المغربية للبحث التاريخي على نية عقد الأيام الوطنية المقبلة في مدينة مغربية أخرى، مع موضوع تاريخي جديد بمقاربات جديدة تفتح المجال للخوض في مواضيع تاريخ المغرب بكل جرأة علمية خدمة للحقل التاريخي المغربي.