في نفس اليوم، وفي نفس الوقت، ونفس الموعد من كل سنة، تعود القضية ملفوفة بسؤال الاستنكار. قرأنا من جديد من يستكثر على حزب القوات الشعبية المطالبة بالحقيقة كاملة في ملف الشهيد عمر بن جلون، شهيد الحركة الاتحادية، وشهيد الصحافة الاتحادية. وكالعادة كلما طالبنا بأسرار الدم التقدمي، نجد من يسألنا لماذا تطالبون بالحقيقة في اغتيال الشهيد؟ وأصبحنا، بالفعل، أمام معضلة «فقهية» حقيقية، مفادها أن المطالبة بالحقيقة هي الخطأ، وأن الصمت عندها هو الصواب. الصمت عنها إلى حين، لأن نفس الجهات ونفس الزملاء ونفس الجرائد.. ستسألنا من بعدو لماذا تركتم الشهيد وحيدا في غيابه أو قبره، إذا كان له قبر؟ طبعا الاتحاديون متهمون حتى يثبت.. موتهم، أما البراءة فهي غير واردة في حكام النوايا من أصدقائنا الذين نعزهم. في السنة الماضية، وفي نفس اليوم تقريبا، سألونا لماذا تذكرتم الشهيد. قلنا إننا لم ننسه لكي نتذكره، وأن القضية غير موقوفة التنفيذ، لأن الاغتيال، وإن أقام الدليل على الفعل المادي في التغييب، وهو الأداة المرفرفة على علم التدني القاتل، فإن الحق قائم في دهاليز القرار السياسي الذي سبقنا وبقي من بعدنا. اعتبروا أن القضية، هي قضية «لغز للقادمين الجدد على صهوة الموجة الخضراء في ربيع العرب ملتبس الملامح. وقيل لنا بأننا أردنا أن نعكر صفو القاتل بإحياء ذكرى القتيل. والحال أننا في كل سنة، ومنذ 37 سنة، لم نفتأ نعيد نفس المطلب. وهو الحقيقة. أحيانا يسألون، بغير قليل من الدهاء والبريق يمرق في العينين: لماذا لم تفتحوا الملف عندما كنتم في الحكومة؟ نقول لأن العملية أكبر بكثير من وزير، وأكبر من وزير أول؟ وأن التاريخ أطول بقليل من خيالكم وخيالنا. وأن القضية كانت أصلا من أجل تسييج مجال المشاركة في القرار بدرع من الجثث. في قضية المهدي بن بركة لم يكن هناك أكبر مما قاله جلالة الملك ممثل الدولة ورئيسها واسمها الأعلى، حول رغبته في الكشف عن الحقيقة. وليس هناك ما هو أسمى من إرادة الملك في قاموس الاتحاد والوطنيين. فهل سنطرح السؤال العقيم: ما جدوى أن ترفعوا في وجهنا الوصول إلى مقاعد في ظروف مشروطة بتجاوز ما خلفته القضية نفسها وقضايا أخرى من عطب في جهاز الثقة الوطني؟ وما أحدثته القضية وقضايا أخرى من تشويش في الأولويات؟ لن نطرح هذا السؤال.. فليس من عادة الشهداء أن يعلموننا تقليم الحقيقة ولا تقزيم الأشياء ونسخها في عبارات عابرة في نص عابر. إن حظ الأنبياء أنهم لا يؤسسون أحزابا ولا يناضلون في منظمات مدنية، لكنا سنلوم سيدنا أيوب عليه السلام لصبره على البلاء ولكنا سنلوم موسى وهو يسأل الله من باب الإيمان، لكي يطمئن قلبه. الحقيقة، أيها الزملاء هي حظ الشهداء، وحقهم. لن يكون للتاكتيك السياسي أي تاثيرعلى هذاالحق، سيكون الشهداء الذين تحبونهم، ولا شك سعداء بأن تصروا أنتم على هذه الحقيقة. اذاكان اصرارنا يسيئ للقضية، فنحن نتنازل عن الإصرار، لكن اسمحوا لنا بأن نطالبكم بعدم تنازلنا عن الحققة!.