في يوم الأحد 14 غشت 1960، تقدم مجموعة من رجال الشرطة إلى بيت المرحوم أحمد بن مبارك اغويركَات بحي بياضة بمدينة آسفي يسألون عن أخيه بوشعيب ويطالبونه بالبحث عنه وتسليمه لهم بصيغة لا تخلو من تهديد ووعيد. بعد أسبوع كامل من البحث والانتظار والترقب، عثر عليه صهره الشريف سيدي محمد البوعناني ميتا في مستودع الأموات ملطخا وجهه بالدماء وآثار العنف والضرب بادية على أطراف جسده، ما جعل الزيت يصب على جمر كان متقدا تحت الرماد، لتنفجر القلوب العليلة حزنا وأسى، بل حتى العقول طارت من مكانها من هول الصدمة. نزل الخبر كالصاعقة على القلب والوجدان. مات بوشعيب تحت الضرب والتعذيب في مركز الشرطة. تراجيديا حبك فصولها البوليس على عادتهم في ذلك الزمن الرديء حيث كان العنف إستراتيجية للتدبير السياسي. كيف يقتلون الرجل و يبحثون عنه في الآن نفسه؟ ماذا فعل بوشعيب ليلقى هذا المصير؟ من أمر بقتله ومن نفذ؟ أسئلة حارقة لم تعرف العائلة أجوبة عنها سوى أن الشهيد اقتيد من مقهى بحي التراب الصيني في يوم 11 غشت 1960 نحو مقر الشرطة لأسباب مجهولة ليلقى حتفه في اليوم الموالي رميا بالرصاص بعد حصص من الضرب وشتى أنواع التعذيب. وهو الخبر الذي نشر على صفحات الجرائد آنذاك خاصة جريدتي الرأي العام والتحرير. لتبدأ رحلة العذاب التي دامت عقودا بكاملها في البحث عن الحقيقة دون جدوى. لم يفلح المرحوم المعطي بوعبيد، عضو الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك والمحام المكلف من طرف العائلة، من فك طلاسم هذه القضية حتى بعد تبوئه منصب وزير العدل. منظر الدم وهو يخترق كفن الشهيد ظل عالقا في أذهان كل من حضروا جنازته، التي كانت بحق جنازة مهيبة حضرها آلاف المشيعين، حيث كبر الشهيد وعلا و خسئ القتلة وصغروا. في هذه الأيام تمر الذكرى الخمسون لاغتيال الشهيد بوشعيب بن مبارك من طرف البوليس في أجواء من الحزن حيث القلوب تلتاع بالأسى، خاصة عندما نتذكر إخوته وأخواته الذين توفوا كلهم دون أن يصلوا إلى حقيقة ما وقع، رغم ما كابدوا في سبيل ذلك من بلايا وألم فتت أكبادهم، ومحن قاسوا شدائدها أدمت قلوبهم وقرحتها. نتذكر إخوته وأخواته وما عانوه من شظف العيش وقسوة الحياة، لكنهم ساروا في حياتهم سيرة كلها إباءً وترفعا وعاشوا بعزة نفس وكبرياء، وكانوا أشد ما يحرصون عليه ألا تتدنى النفس إلى ما لا يليق بها. وهذا درس من دروس الشهيد حفظه أخي الأكبر الحاج حسن اغويركَات وطبقه حين رفض تقديم العائلة لطلب التعويض المادي سواء من هيئة التحكيم المستقلة للتعويض عن الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أو من هيئة الإنصاف والمصالحة رغم إلحاح المعارف والأصدقاء. في الذكرى الخمسين لاغتيال الشهيد بوشعيب تشاء الصدف أن يدفن إلى جانبه المناضل الحقوقي الأستاذ عبد الله الولادي الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فهل كانت محض صدفة أم هو مكر التاريخ أن يقف بجوار قبر الشهيد عدد كبير من المناضلين الحقوقيين والمسؤولين السياسيين وأعضاء سابقين في هيئة الإنصاف والمصالحة وأعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وعلى رأسهم رئيسه السيد أحمد حرزني. هذا المناضل الأحمد مطالب اليوم بمساعدة العائلة على إجلاء الحقيقة عن هذه القضية. أما أنت يا شهيد فستبقى حياً متميزاً في ذاكرة كل من عرفك وسمع عنك وعن أخلاقك الحسنة وشهامتك الناذرة ومحبتك للجميع. فنم قرير العين أيها الشهيد فعزاؤنا فيك أنك تركت قلوباً امتلأت حباً بشخصك الفاضل، وأيادي ترفع بالدعاء لروحك الطاهرة، و دفئاً إنسانيا قل نظيره.