قد تنحصر الكلمات، وقد لا تسعفنا التراكيب اللغوية، والإشارات الرمزية، وقد تخدعنا الذاكرة، وقد يغلبنا النسيان، وقد يعجز اللسان والبيان، وقد يصطدم بأن آسية الوديع هي أكثر من موضوع، وأبعد من منظور، فنصاب بالقصور، وقد ننجح في رسم البدايات وقد لا نقترب من النهايات وكيف لي أن أقوم بتأبين عملة نادرة غير قابلة للصرف. آسية الوديع المولودة بعيد وثيقة الاستقلال بآسفي المدينة العريقة والمترعرعة بسلا المدينة القديمة بأسوارها ومآذنها وأوليائها وتاريخها وأعلامها وعطائها الوطني. آسية البهية ابنة الوديع الآسفي الشاعر وثريا السقاط الشاعرة المقترنين بعقد شرعي محشو بالحرف والشعر والنثر والمتن والصداق الرمزي والعشق الأبدي والحب الأصلي فكان الفرع من ذاك الأصل. آسية الزاهدة اختارت مسارها المهني بإرادة ودون أي اعتباط واشتغلت على القواعد القانونية والأصول الفقهية وقواعد العدل والإنصاف في سلك القضاء والمحاماة، وشكلت نموذجا نادرا في النزاهة، والحرص على القيم، والأعراف المهنية وعرف عنها المقاومة بدون هوادة، ودون مساومة، ضد مغتصبي القواعد القانونية وأحكام القانون ومن وضع المصالحة مع القانون إلى الاشتغال في حقل صعب وبتعقيداته السلوكية ألا وهو حقل الجانحين في خلاف مع القانون. خبرت السجون من زاوية الزوار، لتفقد صلاح وعزيز، طيلة سنوات تغلبت فيها على الحسرة، وتكلفة القفة، وفراق الأخوين، وأدركت بالحس وبالخبرة الوجه القيمي للعزلة، للأغلال، للحرية والانعتاق، وبعد النظر من الخارج، تسللت ومن موقع المسؤولية إلى النظر الثاقب، لكن هذه المرة من الداخل، بملامسة واقع الإصلاحيات، وأجنحة الأحداث بالسجون المغربية، مراهنة على احترام الكرامة، وقواعد السلوك، ومعايير المؤسسات الضبطية، وأهم من ذلك البحث الدؤوب عن النماذج الممكنة في باب الإدماج. بالموازاة قدمت الكثير من العطاء بالمهنية المطلوبة، وبالحكمة المرغوبة، كعضوة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (المجلس الوطني حاليا) وكان لها إسهامها الخاص، في التجربة المغربية المميزة، في مجال العدالة الانتقالية كما أنها وقبيل مماتها، وفي آخر أيامها، تحملت الثقل والعبء العلمي والمعرفي والتقني في بلورة تقرير المجلس الوطني حول المؤسسات السجنية. آسية أيتها الشحرورة، افتقدك القضاء، والمحامون، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، والمرصد المغربي للسجون، وجمعية أصدقاء مراكز الإصلاح، وأخيرا وليس آخرا المنظمة المغربية لحقوق الإنسان. افتقدك النساء والرجال والصغار والكبار والشيوخ والجوار وأصحاب العقل والراسخون في العلم والمصلحون والصامدون في الظل. افتقدتك العائلة الصغيرة والعائلة الممتدة في السهول والهضاب والجبال والصحراء والثلث العامر. دلوني كيف حصل الإجماع، حول هذه المرأة الاستثناء، فوق العادة والقاعدة، دلوني كيف حصل الاتفاق، على أجمل النساء، أجمل الأمهات، دلوني كيف حصل الوئام، حول المسكونة بالوطن والبشر والغجر؟ آسية الفاضلة، الشامخة شموخ الأطلس. آسية الزاهدة، الصامدة، الناعمة. آسية أحببناك حد الجنون. أنت هنا وهناك معنا وبجانبنا، أمامنا ووراءنا مابدلت تبديلا وماتركت للوجع رنينا. نامي مطمئنة راضية مرضية هكذا ترحل الخالدات. وإنا لله وإنا إليه راجعون.