هوارد شنيدر محلل سياسي أميركي تمضي الولاياتالمتحدة ومجموعة من المقرضين الدوليين قدماً نحو تقديم قروض ومساعدات أخرى، تقدر بمليارات الدولارات من أجل مساعدة مصر والدول العربية المجاورة، على الرغم من الإضرابات السياسية التي تتسم بالعنف أحياناً، وذلك بأمل تجنيب تلك الدول انهياراً اقتصادياً سيؤدي حتماً لزعزعة الاستقرار في المنطقة برمتها. والمخاطر التي ينطوي عليها هذا الجهد، تبدت بشكل واضح في مصر في المصادمات التي وقعت بين المحتجين والقوى الموالية للرئيس مرسي، الذي يجب أن تنال حكومته الثقة من جانب الولاياتالمتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وغير ذلك من جهات، في قدرتها على الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها مقابل الحصول على الدعم الدولي. والدبلوماسيون وغيرهم من المنخرطين في صياغة ملامح برنامج صندوق النقد الدولي، يقرون بأنهم يتعاملون مع أوضاع يصعب التنبؤ بها وأنه على الرغم من حقيقة أن المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تتجنب -رسمياً-الاعتبارات السياسية عند إجراء تقييماتها الخاصة بالقروض والبرامج، إلا أن ذلك لا يشكل حائلًا بينها وبين إدراك أن الأحوال في دول »الربيع العربي« قد باتت متقلبة لحد كبير. ومن المعروف أن الانتفاضات التي حدثت في المنطقة، قد أفرزت حركات ديمقراطية شعبية شجعتها الولاياتالمتحدة، وأدت إلى تقوية الأحزاب الإسلامية، وكانت سبباً في وقوع أحداث جسام مثل الهجوم الذي وقع في شهر سبتمبر الماضي على القنصلية الدبلوماسية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية. ومصر على وجه الخصوص ما زالت تمثل سراً، فالرئيس المصري يسعى إلى المحافظة على موقف معتدل خارجياً، مع الاستمرار في الوقت نفسه في الاصطفاف مع جماعة »الإخوان المسلمين«، التي كانت محظورة في السابق. فخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، نال مرسي الثناء لنجاحه في التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل و»حماس«، بيد أنه أثار في الآن ذاته قلق المقرضين المحتملين بخطوته الرامية لانتزاع صلاحيات القضاء لنفسه، ولجوئه إلى استخدام بعض مواد الأحكام العرفية قبل الاستفتاء على الدستور المقترح. على الرغم من أن صندوق النقد الدولي كان يأمل في المضي قدماً هذا الشهر في إجراءات القرض البالغ 4.8 مليار دولار الذي تحتاج إليه مصر بصورة ماسة، إلا أن قد تم تأجيل تقديم القرض بعد أن تراجع مرسي نهاية الأسبوع عن قراره الرامي لفرض الزيادات الضريبية، التي كان الصندوق يتوقعها لتقليص العجز في الموازنة. ويتساءل »عدنان مازاري« نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووسط آسيا بصندوق النقد الدولي: »هل هؤلاء الرجال على استعداد للتغيير؟ فالنماذج السابقة.. لم تعد تحقق أي شىء... والدول في حاجة إلى تغييرات جذرية، والصندوق يدرك أن عليه أن يفعل شيئاً«. وكان المسؤولون في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد كتبوا بشكل مكثف عن المشكلات التي تواجه المنطقة ومنها ضآلة الصادرات غير النفطية لدول المنطقة، والتي تقل في مجموعها عما تصدره دولة صغيرة مثل سويسرا، وكذلك ندرة فرص العمل للشباب، والاقتصادات المغلقة. وفي ضوء تلك الظروف، تجد دول المنطقة نفسها بين خيارين أحلاهما مر، إما المضي قدماً في تمويل ما أصبح عبئاً عليها، أو المخاطرة برد فعل سياسي عنيف في حال إذا ما توقفت عن ذلك. ومع أنه من المتوقع أن يتضمن صندوق النقد الدولي شروطاً صارمة تشمل الحد من الدعم، إلا أن مصر تسعى على الرغم من ذلك للحصول على قرض بملياري دولار من البنك الدولي، في الوقت نفسه يقوم البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير الذي أنشئ بعد سقوط حائط برلين لتمويل عملية التحول الاقتصادي في أوروبا الشرقية، بتمويل مشروعات تنموية صغيرة في المغرب، وتمويل بناء محطة لتوليد الكهرباء في الأردن. وبحلول عام 2015 يتوقع المسؤولون في البنك استثمار ما يقرب من 3 مليارات دولار سنوياً في مصر والمغرب والأردن وتونس. وهذه المحاولات من المنظمات الدولية لتقديم المساعدات لدول المنطقة تتم وسط أجواء من عدم اليقين السياسي بشأن التوجهات المستقبلية للسياسات والقيادات. فليس من الواضح على سبيل المثال مدى التزام القادة الجدد بقضايا مثل تعليم المرأة وتمكينها في أماكن العمل. وعلى الرغم من أن مشروع نهضة مصر الذي يتبناه مرسي يتضمن تعهدات لتعزيز نصيب القطاع الخاص من العوائد الاقتصادية، واجتذاب المزيد من الاستثمار الأجنبية من أجل »الحد من دور الدولة«، فإن المحللين الاقتصاديين مثل رشاد عبده يقولون إنهم يتشككون في تلك التعهدات، ويعتقدون أن مرسي يعتمد على حلول قصيرة الأمد، وليس لديه خطة واضحة طويلة الأمد. مع ذلك يستخدم المسؤولون الأميركيون وغيرهم من المسؤولين الذين انخرطوا في مباحثات مع حكومة مرسي كلمات مثل »البراجماتية« لوصف مقاربته للسياسة الاقتصادية. في هذا السياق تقول »مانويلا فيرو« مديرة البنك الدولي لشؤون الحد من الفقر والتدبير الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: »لدينا شعور بأن تلك الثورات عندما حدثت قد انطوت على مخاطر، ولكنها تضمنت في ذلك الوقت احتمالات إيجابية ومنها على سبيل المثال لا الحصر العمل من أجل تحسين الحكم الرشيد، وتعزيز المحاسبة والمسائلة وغيرهما من المجالات التي كان الحكام الأوتوقراطيون السابقون يعتبرونها من الأمور غير القابلة للمناقشة. »واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس«