بفعل ارتفاع حرارة الأرض، أصبح موسم الملاحة البحرية في أقصى الشمال الروسي يمتد من يونيه إلى منتصف نونبر. ولتأمين الربط بين أوربا وآسيا، أخذت 46 باخرة تجارية أجنبية هذا الطريق الأقصر والأرخص. وتطمح روسيا في النهاية، منافسة قناة السويس. لدى فياشيسلاف روكشا, مدير أسطول روسيا لكسر الجليد, العاملة بالطاقة النووية المتمركزة في مورمانسك، مشروع ضخم: يحلم بأن يجعل من طريق الشمال الشرقي الأسطورية الرابطة بين آسيا وأوربا عبر شمال روسيا، تبديلا اقتصادياً حقيقياً لطريق بحري لا يقل أهمية هو قناة السويس. صراع عمالقة على مستوى الكون يجري بأسلحة غير متكافئة لحد الآن: 18 ألف باخرة (و 1000 مليون طن من البضائع المحملة) تمر عبر قناة السويس على طول السنة، مقابل حوالي 40 باخرة تمر عبر طريق الشمال الشرقي (1,2 مليون طن من البضائع) طيلة 5 أو 6 أشهر التي أصبحت خلالها الملاحة ممكنة بفعل ارتفاع درجات حرارة الأرض. يعترف روكشا قائلا: »بطبيعة الحال، لن ننزع الريادة من قناة السويس، ولكن بالنسبة للنقل البحري في شمال أوربا والبلطيق حتى الجزء الشمالي للصين، فإن طريق الشمال تشكل بديلا حقيقياً». الطريق التي فتحت زمام الملاحة الدولية سنة 2010 فقط، ستعرف نشاطاً كبيراً في السنوات القادمة مع المشروع الضخم لشركة »غازبروم« (العملاق الروسي في مجال الغاز)، في شبه جزيرة يامال في سيبيريا الغربية. ويؤكد ميخاييل بيلكين نائب المدير العام لشركة كسر الجليد »روزاتومفلوت« قائلا" »سننتقل من 1 مليون طن من البضائع حالياً إلى 20 مليون طن خلال ست سنوات القادمة بفضل مشروع يامال«. المعطيات تغيرت بفعل ارتفاع حرارة المناخ، وأصبحت فترة الملاحة البحرية أطول. وامتدت هذه السنة ولأول مرة من يونيه الى منتصف نونبر، بينما لم تكن تمتد إلا من يونيه حتى شتنبر خلال سنوات 2000، وآخر باخرة تجارية أبحرت طريق الشمال الشرقي هذا الموسم غادرت يوم 18 نونبر، كانت تحمل علم جزر مارشال، وكانت تحمل الغاز السائل من ميناء هامرفيست النرويجي إلى ميناء توباتا في اليابان. امتداد فترة الملاحة تم بالتدريج مع تقلص سمك الخليج، بينما ارتفعت أسعار المحروقات، وهو ما يلعب لصالح طريق الشمال الشرقي، فقط أربعة بواخر اختارت هذا الطريق سنة 2010، وكان عددها 34 في السنة الموالية (2011) و 46 هذه السنة، وتنقل أساساً المنتجات البترولية وفي بعض الحالات النادرة بعض المعادن أو السمك المجمد. صحيح أن طريق الشمال الشرقي يبقى قزماً بالمقارنة مع قناة السويس الذي تعبره حوالي 50 باخرة كل يوم، ولكن هناك حقيقة ساطعة: هذا الطريق البحري في الشمال الروسي بدأ يغري أكثر فأكثر الملاحة التجارية. سيم رادمان (47 سنة) وهو قائد باخرة لدى شركة »مارينفيست« السويدية يتحدث بتأثر عن رحلته الأولى على طريق الشمال الشرقي، من ميناء يونيو في كوريا الجنوبية الذي غادره يوم 11 غشت، متوجهاً إلى ميناء بورفو في فلندنا حاملا شحنة من الكيروزين ووصله في منتصف شتنبر، حيث قضى 10 أيام على طريق الشمال الشرقي فعلياً بمعدل سرعة 10 عُقَد. على سطح باخرة ماريكا، حاملة النفط الضخمة التي تم تقوية جوفها، التي كانت تحت مسؤوليته، دون القائد رادمان بدقة جميع تفاصيل التغيرات الجوية والجليدية، ويشير "»حتى اليابان كانت الظروف جيدة، في شمال المحيط الهادي، كان هناك ضباب كثيف، ومع الاقتراب من مضيق بيرينغ أيضاً وقوة رياح بين 4 و 6، ولكن الأمور كانت جيدة، لكن بعد مضيق بيرينغ، كان هناك الكثير من الجليد العائم لعدة أيام، لم يكن مفترضاً وجود هذا الجليد العائم في هذا الوقت من السنة، لكن رياحاً قوية من الشمال دفعت بكتل الجليد نحونا ونحو الساحل الروسي«، هذه الرياح الشمالية تبقي في طريق الشمال الشرقي، أكثر خطراً من البرد »لحسن الحظ، في هذا المكان التقينا مع كاسر الجليد روسيا«. كل البواخر التي تعبر عبر هذا الطريق، يجب أن تكون مرخصة »مضادة للجليد«، ويكون هيكلها مقوى، وبتجهيزات خاصة، وطاقم ملاحة مكون، وحماية خاصة للقيادة... ولا يمكن الإبحار في هذه المياه إلا وراء أحد كاسرات الجليد الروسية الست المجهزة بدورها بمستشفى عائم وبمعدات مخصصة للعمليات الأولى في حالة وقوع حادث. إذا كانت الباخرة قادمة من آسيا، ينتظر كاسر الجليد، مباشرة بعد عبور مضيق بيرينغ، وينسحب بعد جزيرة زمبل الجديدة التي تفصل بحر كارا عن بحر بارانت، على بعد بضعة أيام من الإبحار من مورمانسك، والوقت الذي تستغرقه الملاحة على طريق الشمال الشرقي يتراوح ما بين 7 إلى 15 يوماً دون توقف تبعاً لظروف الجليد، وبمعدل سرعة يتراوح ما بين 5 إلى 13 عقدة بحرية. وللسنة الثانية على التوالي، تبحر الشركة السويدية مارينفست عبر طريق الشمال الشرقي. وخلال الشتاء القاسي لسنة 2003/2002، بقيت حوالي 100 باخرة محاصرة في بحر البلطيق لعدة أسابيع. ويقول أحد مسؤولي مارينفيست »فهمنا حينها أهمية التوفر على القدرة المادية لمواجهة الجليد من خلال الحديث مع الشركات البترولية المعنية«. ما بين سنة 2006 و 2008، حصلت هذه الشركة على ستة باخرات جد متطورة من صنف القطب الشمالي، هي عبارة عن بواخر عملاقة بسعة 75 ألف طن بكلفة أكثر من 40 مليون دولار (31 مليون أورو) لكل واحدة. ومع ذلك، خلال صيف 2010، عندما قرر الروسي فتح الطريق أمام الملاحة الدولية، قررت مارينفيست عدم ركوبها وفضلوا أن تجوب بواخرهم العملاقة الجديدة بحر البلطيق، كان السويديون بكل بساطة لا يعرفون ما ينتظرهم هناك هل كان الروس جديين؟ ما هي قيمة تجهيزاتهم؟ وما هي المخاطر؟ وسطح الجليد، دون الحديث عن الرسوم المفروضة آنذاك، 30 دولارا للطن، وهي رسوم مجحفة كثيراً. وفي يونيو 2011 قرر باتريك موسبيرغ ووالده مؤسس الشركة التوجه الى مورمانسك. اكتشف السويديون التنظيمات القانونية وتأكدوا من الاجراءات التي اتخذها الروس، وزاروا كاسرات الجليد. وفي غضون ذلك، تم إقرار تعريفات جديدة بالنسبة للملاحة عبر طريق الشمال الشرقي بدل التعريفة السابقة التي تعود لسنة 1996 والتي كانت جد مرتفعة. الدولة الروسية قررت الاستثمار تجاريا في هذا الطريق والاستفادة منها. حيث اشترت كاسرات جليد عملاقة ذات الدفع النووي قادرة على العمل والتدخل في أعماق مختلفة, سواء في البحار القطبية أو في الأودية اليبيرية حتى تتمكن من جذب زبناء جدد. وأنشأت روسيا شركة عمومية لتدبير كل الأنشطة النووية (روزاتوم) وشركة فرعية تابعة (روزاتو مفلوت) تدير كاسرات الجليد الستة العاملة حاليا. وفي مورمانسك يعرف المسؤولون عن الشركة أنه لكي تدخل المنافسة لابد من مجاراة أثمنة المنافس، والمنافس في هذه الحالة هو قناة السويس. وهكذا لم يعد سعر 30 دولارا للطن سوى حد أقصى, ويؤكد روكشا مدير »روزاتومفلوت«" أن »معدل الرسوم اليوم يبلغ 5 دولار للطن"«، ولو أن السعر قد يختلف وفقا للحجم المحمول وظروف الملاحة من ضمن معايير أخرى. ياكوف انطونوف، المدير التجاري لشركة مورمانسيك للنقل البحري لا يراوده أدنى شك في الأهمية التجارية لطريقة الشمال الشرقي ويكفي القيام بعملية حسابية لتأكيد ذلك."الذهاب من أوربا إلى الصين يتطلب من الوقت 25 يوما و625 طنا من الفيول عبر طريق الشمال الشرقي مقابل 35 يوما و875طنا من الفيول عبر قناة السويس. وما بين 2004 و2011 انتقل ثمن الطن من الفيول من 200 إلى 700 دولار,»« ومع توفير 10 أيام في الرحلة يصل التوفير في الفيول 175 ألف دولار دون الحديث عن الأجور. ومن تم لا يصبح كراء كاسرة جليد روسية يمثل مشكلة«" ويضيف انطونوف »قطع قناة السويس يكلف 140 ألف دولار. وإذا كانت الباخرة تحمل 25 ألف طن فإن التكلفة تصل إلى 5,6 دولار للطن ومن تم نفهم التسعيرة التي أقرتها شركة »روزاتومفلوت« البالغة 5 دولار للطن لكراء كاسرة جليد. حسابات باتريك موسبيرغ صاحب شركة »مارنيفيست« تسير في نفس الاتجاه "»كراء كاسرة جليد يكلف ما بين 300 ألف و400 ألف دولار, يضاف إليه تأمين خاص وخرائط الملاحة التي نشتريها من الروس, ولكن إذا كنت سأربح 20 يوما من النقل فإنني أوفر 15 ألف إلى 20 ألف دولار من المحروقات يوميا، ولست مضطرا لأداء تأمين في حالة وقوع هجوم من طرف القراصنة في عرض سواحل الصومال ولا توظيف حراس مسلحين فوق باخرتي ولا أداء ثمن عبور قناة السويس«. منظمة الملاحة البحرية العالمية قد تشوش على هذا الطريق من خلال المدونة القطبية التي يجري إعدادها. فالروس يخشون أن تمنع هذه المدونة استعمال الفيول الثقيل الذي يستعمل على نطاق واسع في النقل البحري كما هو الشأن حاليا في الانترتيك، ومثل هذا الإجراء سيشكل ضربة قاسية للروس الذين يحلمون بتمديد فترة الملاحة على طريق الشمال الشرقي لمدة أطول، لأنه حتى خلال فصول الشتاء القاسية، لم تلاحظ روزا تومفلوت على الطريق سوى جليد لا يتجاوز عمره سنة. وسمكه يبلغ في أقصى الحالات مترين في سواحل سيبيريا الغربية. وهو أمر لا يعرقل سير كأسرات الجليد العصرية القادرة على الملاحة ب 4 عقد بحرية بسرعة مستقرة في جليد بسمك 2,30 متر. ويؤكد مدير »روزاتومفلوت« أن الشركة جاهزة ومستعدة لضمان الملاحة على طريق الشمال الشرقي على طول السنة. بتصرف عن لوموند