كيب كنافيرال (فلوريدا) - قال علماء إن ادارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) ازاحت يوم الجمعة الستار عن تفاصيل برنامج الرحلة الحالية للمسبار كيوريوسيتي في اطار مهمته التي تستغرق عامين للتأكد مما اذا كان كوكب المريخ -وهو أكثر كواكب المجموعة الشمسية شبها بالارض- قد شهد من قبل ظهور المقومات الاساسية للحياة. وكان المسبار -الذي يزن طنا ويعمل بالطاقة النووية ويضم معملا علميا يعمل آليا- قد هبط على سطح الكوكب الاحمر عند فوهة تقع على خط استواء الكوكب في السادس من أغسطس/آب الجاري بحثا عن مواد عضوية ومواد كيمائية أخرى تعد مفتاح نشأة الحياة على اي كوكب. ونقطة هبوط المسبار الاساسية هي جبل «شارب» وهي هضبة مكونة من طبقات صخرية ترتفع لمسافة خمسة كيلومترات عن سطح فوهة «جيل». وقبل ان يبدأ المسبار ذو العجلات الستة رحلة مسافتها سبعة كيلومترات تستغرق بضعة أشهر الى قاعدة جبل «شارب» سيقوم بزيارة قريبة نسبيا الى موقع يسمى «جلينيلج» الذي استقطب اهتمام العلماء لانه يتألف من ثلاثة انواع من التضاريس الصخرية. وتعتمد الرحلة الى موقع «جلينيلج» في جانب منها على الكيفية التي يجتاز بها المسبار الفحوص التي ستجرى على بقية معداته ومكوناته. وفي مطلع الاسبوع القادم يختبر المسبار جهاز الليزر القوي الخاص به في مهمة سحق قطعة صغيرة من الصخور التي كشف عنها المسبار بعد انطلاق العادم من محركه. ثم يتولى تلسكوب صغير بعد ذلك تحليل المواد الناتجة من المسحوق الصخري للتعرف على مكوناتها من المعادن. وقال روجر وينز كبير مسؤولي المعدات والذي يعمل في معمل لوس الاموس القومي إن نظاما مزدوجا من الفحوص الكيميائية والتصوير الالكتروني يهدف الى اجراء 14 الفا من القياسات خلال مهمة المسبار. وأضاف «هناك جهاز ليزر عالي القدرة يسلط اشعة قوتها بضعة ميغاوات على بقعة حجمها مثل رأس الدبوس على سطح المريخ». وقال «ينشأ عن هذه الاشعة كرة صغيرة من اللهب او الشرارة في حالة البلازما وهي حالة وسط بين الحالتين الغازية والسائلة». ويتولى التلسكوب فحص هذا اللهب من مسافة تصل الى نحو سبعة أمتار ثم يقوم بفصل الضوء الى مكونات ذات اطوال موجية مختلفة. ويستعين العلماء بكل المعلومات المستقاة من هذه الفحوص لتقدير التركيب الكيميائي لصخور الكوكب الاحمر. وتستغرق الرحلة الى موقع «جلينيلج» -الذي يبعد مسافة 500 متر عن موقع هبوط المسبار- شهرا او أكثر قليلا ويتوقف ذلك على عدد مرات الوقوف التي يقررها العلماء على طول مسار الرحلة. القصة تبدأ منذ زمن طويل عندما حاول كثيرون اكتشاف طريق قصير يربط بين قارتي آسيا وأوروبا.. فبين هاتين القارتين تبحر سفن لا حد لها تحمل مليارات من أطنان الشحن.. فهناك ملايين من الرحلات البحرية في المياه الدولية تحمل كل أنواع البضائع بما في ذلك مستلزمات الإنتاج.. وهو ما يجعل أي طريق ملاحي يختصر المسافة بين القارتين موضع اهتمام كبير من العالم. لقد أدي ذوبان الجليد في القطب الشمالي بسبب الاحتباس الحراراي إلى فتح طريق قديم بين آسيا وأوروبا كانت الأجيال تحلم بعودته علي مر العصور.. اشتهر باسم «الممر الشمالي الغربي «.. وبدأت القارتان باستغلاله ملاحيا لتوفير مليارات الدولارات تدفعها في طرق ملاحية أخري أطول عبر قناتي بنما والسويس. لم تعد كتل الجليد العنيدة خاصة في شهور الشتاء تقف في وجه الملاحة الدولية عبر هذا الطريق خاصة بعد أن ذاب الجليد في الصيف الماضي بعشرة أضعاف ما كان يحدث فيما قبل.. وقد قدر العلماء حجم الجليد الذائب في الصيف الماضي بما يزيد علي حجم ولايتي تكساس ونيو مكسيكو معا. أكثر من ذلك أصبح من السهل الوصول إلي ثروات القطب الشمالي التي تخبئ ما يقرب من ربع احتياطي الطاقة في العالم. وكان لابد أن تتصارع الدول العظمي علي القطب الشمالي خاصة بعد أن ذاب الجليد عنه ومنها الولاياتالمتحدة وروسيا وبريطانيا وكندا.. وسعت كل منها لفرض سيطرتها علي هذا الجزء الجديد من العالم. وتشير التقديرات إلي أنه بحلول الفترة ما بين عامي 2025 و2040 ستصل ظاهرة الاحتباس الحراري إلي الحد الذي يمكن عنده فتح الممر الشمالي الغربي عبر القطب الشمالي.. فسوف يتحول ذلك القطب إلي محيط طبيعي مثله مثل المحيط الهادي أو المحيط الاطلنطي. وحتي ذلك الحين ستحتاج الدول الكبري إلي سفن مجهزة بمعدات خاصة تسمح لها بالمرور في الممر الشمالي الغربي الذي سيصبح خلال سنوات قليلة ممرا ملاحيا شديد الأهمية يختصر ما لا يقل عن 5 آلاف ميلا بحريا.. أي نحو 8 آلاف كيلومتر بين أوروبا وآسيا.. أي أن من يستخدم قناة بنما مثلا لشحن بضاعته سيضطر إلي قطع 8 آلاف كيلومتر زائدة علي من يستخدم الممر الشمالي الغربي. علي سبيل المثال تضطر السفينة التي تبحر من نيويورك إلي طوكيو عبر قناة بنما (الطريق الوحيد المعروف الآن) إلي قطع ما يقرب من 18200 كيلومتر بينما لن تقطع سوي 14 ألف كيلومتر فقط لو استخدمت الممر الشمالي الغربي أي ستختصر ما يقرب من 4 آلاف كيلومتر. لكن الضرر الأكبر سيقع علي قناة السويس.. فالسفينة التي تقطع الطريق من لندن إلي طوكيو عبر قناة السويس تضطر للإبحار نحو 21 ألف كيلومتر بينما لن تقطع سوي 13 ألف كيلومتر لو استخدمت الممر الشمالي الغربي.. بعبارة أخري ستختصر هذه السفن نصف المسافة بين دول أوروبية كثيرة تتعامل مع آسيا. إن عامل توفير المسافة والطاقة والوقت والمال يرجح للأسف كفة الممر الشمالي الغربي علي حساب قناة السويس بلا مناقشة.. لكن.. لا تزال هناك عوامل أخري لا يمكن تجاهلها.. منها مثلا : إن استخدام الممر الشمالي الغربي يحتاج الآن إلي سفن مجهزة لأن مياهه يصعب الإبحار فيها رغم ذوبان الجليد.. وإن كان متوقعا أن يتغير ذلك سنة بعد أخرى مع زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري.. يُضاف إلي ذلك أنه من المحتمل جدا أن تجد دول كثيرة صعوبة في استخدام الممر الشمالي الغربي وعلي رأسها كندا بسبب أنصار حماية البيئة الذين يعارضون بشدة سير السفن التي تنشر مخلفات الزيت والوقود وغيرها في منطقة بحرية هادئة من أرضها.. وهو عامل لا تهتم به الدول النامية وربما ساعد ذلك على مد عمر قناتي بنما والسويس.. لكن لا يجوز الرهان على ذلك طول الوقت.. فمصالح الكبار أقوى من أي شيء آخر.