عبارتان أخذ استعمالهما يتردد بكثرة، وفي مناسبات متنوعة، هما: »ذلك الزمن الجميل« لنعت ما كانت عليه الأمور حتى ماضٍ قريب، و »هذا الزمن الخطأ« لنعت ما آلت إليه. ويبدو أن في المسالة تعميماً مبالغاً فيه. ذلك أن هناك عصوراً كانت تجبّ ما قبلها، وأن فلسفات ظهرت في بعض الحقب لتعلن بالضبط، أن ما كانت عليه الأمور ينبغي تجاوزه، وأنها ستكون أحسن وأرقى وأكثر ازدهاراً فيما سيأتي. يكفي مثالاً على ذلك استذكار الأيديولوجيات التي رفعت مفهوم التقدم شعاراً. إذ لو كان »القنوط التاريخي« واليأس من المستقبل هما الفلسفتين السائدتين لما عرفت الإنسانية ما عرفته من غزو للطبيعة جغرافياً وفلكياً وفزيائياً وكيماوياً وبيولوجياً. سئل الفيلسوف الفرنسي مشيل سير أخيراً عن رأيه في عبارة «الأمور كانت أحسن مما هي عليه»، لكنه لم يجب فيلسوفاً واكتفى بأن رد على مستجوبه بأنه كشيخ طاعن في السن، عاش نتائج الحربين العالميتين وعاصر حرب إسبانيا والحروب الاستعمارية، وعاش فترة تاريخية عرفت موسوليني وهتلر وستالين وفرانكو وتشاوتشسكو وبولبوت، يستطيع أن يقول إن ما يعيشه اليوم من سلم، حيث تفصله عن آخر حرب زهاء سبعين سنة، كافٍ ليؤكد أن هذا الزمن الحالي »ليس الزمن الخطأ« على أية حال. قد لا تكون تجربة شخصية، حتى وإن كانت لفيلسوف مثل م. سير، كافية لإقناع المرء بسداد الرأي، ولكن لا ينبغي أن ننسى أن الرجل على دراية كبيرة بما عرفته مختلف فروع المعرفة العلمية من تطور، وبالضبط، خلال السبعين سنة الأخيرة، وما كان لذلك من انعكاس على صحة البشر وأعمارهم، وعلى أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. ورغم ذلك يظهر أن المسألة تحتاج إلى طرح نظري، ولا تكفيها الشهادات الشخصية. ويبدو أن السؤال الذي يلزم أن يطرح هو: متى تظهر مثل هذه العبارات التي ترى الحاضر سواداً والماضي بياضاً ناصعاً؟ ولماذا تتردد اليوم بوتيرة غير معهودة، بل معمّمة ترى أن أعلام الأمس هم الأعلام، وأن أدب الأمس هو الأدب، وأن فكر الأمس هو الفكر، وأن ترجمة الأمس هي الترجمة، وأن أخلاق الأمس هي الأخلاق، وأن سياسة الأمس هي السياسة؟ الظاهر أن الإجابة الممكنة لا بدّ أن تدخل في حسابها النمط الثالث للزمان، أي نمط المستقبل. فحينما يتبدى الحاضر من غير آفاق، حين يختنق الحاضر ويكون حبيس أفق مسدود، لا يتبقى له إلا أن يلتفت إلى الوراء ليتحسر على ما فات فيتراءى له كل ما كان فيه مزدهراً جميلاً. لعل هذا ما يبرر كون عصور النهضة والانعراجات التاريخية الكبرى، حيث يسود الأمل في المستقبل، تبدو أكثر قساوة من باقي العصور على ماضيها ولا ترى فيه مطلقاً »زمناً جميلاً«. يكفي دلالة على ذلك، أن نذكر ما أبداه جيل مونتيني وديكارت إزاء الفلسفات القديمة، وما عبر عنه بعض فلاسفة الأنوار إزاء كل قديم. ألح نشطاء الحركة الأمازيغية بطرق مختلفة على ضرورة مراعاة الكثير من الشروط والمعايير في تنفيذ هذا الإجراء ، ومنها ضرورة توحيد الترجمة، وفي هذا الصدد نسقت جمعيتا أمغار للثقافة والتنمية و مدرسي اللغة الأمازيغية بمدينة خنيفرة مع مسؤولي النيابة لاقتراح الترجمة المناسبة ، وقد تكلف رئيس جمعية مدرسي اللغة الأمازيغية السيد مصطفى أوموش بترجمة أسماء كل المؤسسات التعليمية الابتدائية بالإقليم وكتابتها بحروف تيفيناغ، قبل أن تتوصل النيابة بدليل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الخاص بالترجمة الموحدة. وبعد مرور أشهر على تنفيذ هذا الإجراء, برزت الكثير من الأخطاء الناجمة عن عدم التنسيق الجيد بين رؤساء المؤسسات ومصلحة التخطيط بالنيابة، والدليل هو وجود بعض الأخطاء في بعض أسماء بعض المؤسسات. هناك معيار آخر ركزت عليه ملاحظات الحركة الأمازيغية، وهو ما يتعلق بتراتبية الأسماء، لقد طالبنا بضرورة كتابة اليافطات بطريقة تقابلية أي أن تكون التسمية العربية متقابلة مع التسمية الأمازيغية، وهو ما لم تتم مراعاته في الكثير من المؤسسات (مجموعة مدارس تيمضغاس، إعدادية 13 نونبر بالهري ، إعدادية بدر ومدرسة خالد بن الوليد بخنيفرة، مجموعة مدارس صرو ...). لسنا في حاجة إلى إعادة تكرار ما قلناه في مقال سابق حول دلالات هذه التراتبية ، فهي تحيل على موقع اللغة الأمازيغية في عقلية المخزن ، وفي هذا الصدد يدعو الكثير من النشطاء الأمازيغ وعلى رأسهم الأستاذ لحسن أيت باحسين إلى ضرورة التمييز الإيجابي لصالح الأمازيغية على الأقل في هذه الفترة، لكي تتمكن من الانتقام لعقود التهميش والإقصاء. لا أحد ينكر أهمية حضور الأيقونات الأمازيغية في الفضاء العمومي وفي وسائل الإعلام. ولا شك أن المتتبع لهذا الموضوع قد انتبه لنوعية الصور التي تلتقطها كاميرات القنوات التلفزية بما فيها القناة الأمازيغية، و في تغطية هذه الأخيرة لأشغال الندوة الفكرية التي نظمت بخنيفرة يوم 24 نونبر 2012 تحاشى المصور التقاط صورة عامة للأساتذة المحاضرين خوفا على إدخال الأعلام الأمازيغية في الإطار ، وأنا أكاد أجزم أن مسؤولي القناة يطلبون من المصورين تجنب الأيقونات الأمازيغية أثناء التصوير خارج استوديوهات القناة. لا أحد من النشطاء الأمازيغ خاصة الجيل الأول والثاني كان يتوقع أن يعيش أمازيغيته أيقونيا بالشكل الحالي، إن حضور حروف تيفيناغ في الفضاء العمومي أعاد للأمازيغية تلك الثقة المفقودة، بسبب سنوات طويلة من التعتيم والإقصاء. حضورها أمر يثير فضول بعض الأمازيغ أنفسهم، فما بالك بالزائر الأجنبي. كل من يجهل حروف تيفيناغ عندما تصطدم عيناه بها سواء كان مغربيا أو أجنبيا يطرح السؤال حول ماهية هذه الحروف و أصلها، وسيكون هذا السؤال بداية البحث عن الذات عند الكثيرين. أعود إلى نقاش قديم نسبيا يتعلق بما سمي ب " معركة الحرف" التي يصر قادة العدالة والتنمية وبعض الإستئصاليين من اليساريين والقوميين على إحيائها، وذلك من خلال الاستهزاء بحروف تيفيناغ، والدعوة إلى كتابة اللغة الأمازيغية بالحروف الآرامية / العربية، وهي مسألة خطيرة بسبب الانطباع الذي كان من الممكن أن يخلقه تأثيث الفضاء العمومي المغربي بحروف آرامية /عربية ذات دلالة أمازيغية. فكتابة الأمازيغية بالحرف الآرامي/ العربي سيجعل كل من يزور المغرب يعتقد أن تلك الكتابات كلها عربية . نفس الشيء سيعتقده الكثير من المغاربة لأنهم يعرفون مسبقا حروف اللغة العربية، وبالتالي سيعتبرون ما كتب بالأمازيغية بحروف عربية عربي أيضا. وقد يكون هذا سببا في إلحاح الكثير من القادة السياسيين المعروفين بمعاداتهم لكل ما هو أمازيغي على كتابة تامازيغت بحروف أرامية/ عربية. كما أن هذا النقاش بدأ يكشف عن إيجابيات اختيار تيفيناغ لكتابة اللغة الأمازيغية بالمغرب. ولمن يود معرفة أهمية اللغة التي تنتشر في يافطات الفضاء العمومي، ما عليه إلا العودة لأرشيف وزارة الداخلية في سنوات الستينيات ، ليكتشف الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة في شخص وزارة الداخلية لهذه المسألة، وقد توصلنا مؤخرا من أحد المناضلين بوثيقة مؤرخة ب 29 فبراير 1968 موضوعها : تعريب لافتات المتاجر والمصانع وأصحابها،أصدرتها وزارة الداخلية المغربية بتنسيق مع المكتب الدائم للتعريب في العالم العربي. نصت هذه الوثيقة على ضرورة مراعاة التعريب الصحيح والاستشارة الدائمة مع مصالح العمالة في كل التفاصيل. وهذه الاستشارة لا تستحضر بما فيه الكفاية عندما يتعلق الأمر يتمزيغ يافطات الفضاءات العمومية الآن. بل إن وزارة الداخلية التي يسيرها حزب يتبجح باهتمامه بالأمازيغية لم تبدأ في إجراء تمزيغ لافتات ولوحات مؤسسات الوزارة، وسبقتها في ذلك وزارة يسيرها وزير استقلالي يكن حزبه عداء تاريخيا للأمازيغية. لقد فطن العقل المخزني لأهمية حضور تيفيناغ في الفضاء العمومي، وما يمكن أن تجنيه الحركة الأمازيغية في ذلك من تعاطف شعبي محلي ودولي. ولهذا يخطط بأساليبه الخسيسة لإفشال هذه العملية مثلما أفشل إدماج الأمازيغية في المدرسة والإعلام. وما الطريقة التي يتم بها تنفيذ قرار وزارة التربية الوطنية إلا جزءا بسيطا من مشروع مخزني يستهدف تأخير أي نهضة أمازيغية.