بعد مرور 35 سنة على الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس المصري المغتال أنور السادات إلى القدس، والتي قادت بعد شهرين إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين إسرائيل ومصر سنة 1979، قررت إسرائيل نشر أرشيف ظل إلى حدود يوم الثلاثاء الماضي يحمل طابع «سري جدا». أرشيف يكشف بالتفصيل كيف تدخل الملك الراحل الحسن الثاني لتقريب وجهات النظر بين مصر والإسرائيليين، من خلال استضافة وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك موشي ديان ونائب رئيس الوزراء المصري حسن التهامي في الرباط. وحسب تلك الوثائق، فإن التقاء الجانبين المصري والإسرائيلي في المغرب سبقته لقاءات سابقة بين الرئيس الروماني نيكولاي تشاوسيسكو ورئيس الوزراء الإسرائيلي ميناحيم بيغن بتاريخ 4 شتنبر 1977، حيث جاء في محضر أحد تلك اللقاءات، بلسان بيغن: «لن أكشف عن شيء لا يمكن نشره. لقد أخبرني الرئيس [الروماني] أن السادات مستعد لعقد لقاء بين ممثلين عن إسرائيل ومصر. سألته إن كان ذلك يعني عقد لقاء بين الرئيس المصري وأنا، وأجابني بأن اللقاء سيكون في هذه المرحلة بين مبعوثين إسرائيليين ومبعوثين مصريين. ومما لا شك فيه أنه من المستحيل كشف هذا الأمر للعموم، وسنرى كيف ستتطور الأمور». وبعد هذه الرسالة التي بعثها انور السادات عبر رومانيا، عمل المسؤولون الإسرائيليون على تكثيف اتصالاتهم بالملك الراحل الحسن الثاني من أجل تسهيل عقد لقاء رفيع المستوى بين الإسرائيليين والمصريين. وبتاريخ 9 شتنبر 1979، سيتوصل الجانب الإسرائيلي برسالة إيجابية: المصريون مستعدون للقاء. يوم 16 شتنبر 1979، سيتوجه وزير الخارجية الإسرائيلي موشي ديان سرا إلى المغرب، وسيلتقي نائب رئيس الوزراء المصري حسن التهامي. وجاء تقرير جهاز الاستخبارات الإسرائيلية «الموساد» متضمنا لتفاصيل دقيقة حول ذلك اللقاء، علما أن نقط الحذف جاءت في النسخة التي نشرتها إدارة الأرشيف الإسرائيلي: «لدى وصول الضيوف... تم أخذهم إلى المقر الرسمي لاستقبالهم، الذي يوجد على مقربة من الفيلا الخاصة بالملك. وبعد استراحة قصيرة... تم أخذهم عبر باب خلفي خاص يتم استخدامه... للزيارات والضيوف السريين. وبعد ذلك تم استقبال الضيوف من طرف... وهو ما مكن موشي ديان من التخلص من الرتوشات التنكرية والعودة لمظهره الطبيعي.» وهناك خاطب حسن التهامي موشي ديان قائلا: «كل هذه السنوات كنت أعتقد أنني سألتقيك فقط في ميدان المعركة أو إثر اندحار دبلوماسي، وها نحن الآن، كلانا نبحث عن السلام، بفضل مجهودات الملك ولثقة السادات في بيغن وفيك. أنتم قادة أقوياء وشجعان، ونثق في قدرتكم على اتخاذ قرارات مصيرية من أجل سلام شامل وعادل.» وأضاف التهامي: «السادات جدي للغاية في ما يتعلق بمسألة السلام»، مؤكدا أن هذه المرحلة من المحادثات تتم دون علم الولاياتالمتحدةالأمريكية. وعرف اللقاء مناقشة القضية الفلسطينية، حيث قال التهامي، حسب الوثائق الإسرائيلية: «من الممكن أن يتم كبح خطر الأصولين الفلسطينيين لو سُمح للدول العربية بالتعامل معهم. وسيصبح الفلسطينيون عاملا أقوى ما لم يتم تقديم إجابة لتطلعاته الوطنية. وبإمكان الدول العربية الإشراف على توجهاتهم الأصولية، التي يمكن تحييد معظمها...» ومن مجمل ما قاله المسؤول المصري إن السادات موافق على التحاور مع إسرائيل وإنه يثق في حكومة بيغن، لكنه رهن اللقاء بالاتفاق مسبقا على الانسحاب من الأراضي المحتلة. وكشف وثائق الاستخبارات الإسرائيلية أيضا أن الأطراف التي شاركت في اللقاء تبادلت الهدايا خلال حفل العشاء الذي نظمه الحسن الثاني على شرف الحاضرين، حيث أهدى موشي ديان ملك المغرب «مجموعة من الأسلحة الكنعانية كان يحتفظ بها ضمن مقتنياته الشخصية». وأضاف التقرير أن «أحد الأشخاص الحاضرين في اللقاء اقترح على موشي ديان الحرص في الزيارة القادمة ارتداء نظارات أشد سوادا، لأن تلك التي كان يضع كانت شفافة للغاية»، في إشارة إلى ظهور تجويف عينه اليسرى التي فقدها في عملية عسكرية لدول الحلفاء ضد قوات فيشي الفرنسية في لبنان.