مدينة جميلة ناعسة العينين إلا قليلا... سلام عليك يخترقك المحيط، تستظلين بعشق العابرين والمرابطين حول تفاصيل بهائك ينخره جراد المختلسين والمبددين ... منذ سنوات. في مدينة الصويرة تجاوز التبديد أوجهه المادية، فقد طال التاريخ والمستقبل والأحلام الجملية، والأماني المنكسرة، والعلاقات الاجتماعية النظيفة، ورأسمال الثقة الذي ظل طويلا صمام أمان الصويريين ضد تيبس الأمل وانسداد الافق. في موكادور الحانية حيث يزرع «لقطاء» السياسة القسوة والرداءة والدناءة ، يتم تبديد الكرامة الانسانية كل ثانية في الاركان والنتوءات المنسية المتوارية خلف صورة نمطية يؤثتها الشاطئ والكورنيش والأبواب والأسوار والنوارس المنتشية برذاذ مياه الامواج المتكاسلة... من الملاح إلى الملاح تأخذنا حكايات الزمن الجميل، والزمن الرديء أيضا. غير أن الرداءة والبؤس والقسوة والإهمال والتهميش والإقصاء ، وكل معاجم الوجع والقبح، تتجسد جلية في مأساة « الكرنة» بالصويرة. تخيلوا معي 30 أسرة بأطفالها، ونسائها، وشيوخها وعجائزها تعيش منذ قرابة سبع سنوات داخل جحور المجزرة القديمة، بلا ماء ولا كهرباء، وسط النتانة والبرودة والرطوبة. 30 أسرة لجأت من بيوت آيلة للسقوط إلى جحور آيلة للسقوط ، حيث تتكدس المعاناة، والآمال المضيعة، والكبرياء المنكسر على صخر القسوة والآذان الصماء. هنا يستهلك الاهمال انتظارات عشرات المواطنين منذ سبع سنوات، هنا تستنزف المأساة كل الترسانة الحقوقية المضمنة في الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011 . هنا تعيش الفصل الثاني من مذبحة برنامج إعادة إيواء قاطني ساكنة حي الملاح بمدينة الصويرة، تحول المؤقت إلى وضع دائم، ومازال المرحلون في انتظار الذي لا يأتي. أرامل ومهجورات ومطلقات، أيتام، منسيون، عطالة، مرض، بؤس متعدد لا يفرق بين صوره الثلاثين سوى قطع من بلاستيك متآكل . ولا شيء لينعش مشاريع الزواج المعلقة، وأحلام الاستقرار المجهضة، ويسكن أوجاع أمراض الربو والحساسية والروماتيزم والطفوح الجلدية داخل فضاء الكرنة المؤثث بالسواد.فحيث تعبر مياه الواد الحار تنزف الكرامة الانسانية وتذبح ذوات المواطنين المجروحة كل لحظة.