تحولت شوارع وأزقة مختلف الأحياء البيضاوية ليلة السبت/ الأحد إلى ساحات للوغى، حيث الكر والفر من كل حدب وصوب، وحيث المواجهات الحامية الوطيس بين أفراد «عصابات» تكونت من أطفال، يافعين وشباب على حد سواء، عاثوا فسادا في دروب المدينة، مشيعين الفوضى ومحدثين الرعب تحت مبرر الاحتفال بذكرى عاشوراء! لم تمنع التدخلات التي أقدمت عليها المصالح الأمنية على صعيد الدارالبيضاء طيلة الأيام الأخيرة، والتي تم خلالها حجز آلاف الوحدات من المفرقعات، من كبح جماح مروجيها ومستعمليها، ومن تجفيف منابعها، إذ اندلعت «ثورة» عنوانها «القنبول» و «الشعالة» باستعمال الإطارات المطاطية، فضلا عن القنابل اليدوية المستعملة من «الكاربون» وغيرها من المواد الأولية التي أضحى المغاربة بارعين في استعمالها، نهاية الأسبوع الفارط، انطلقت بعد مغيب شمس السبت واستمرت إلى الساعات الأولى من الصباح، عمد خلالها «المحتفلون» الى سد الطرقات ومنع حركة السير والجولان في عدد من المحاور الرئيسية للطرق، متسببين في تصاعد أدخنة كثيفة من لهب نيران «لبنوات»، وهو ما دفع عناصر الوقاية المدنية من رجال الإطفاء إلى التدخل مرارا وتكرارا. وعاينت «الاتحاد الاشتراكي» تدخلات حتى لأعوان السلطة بعدد من الأحياء من أجل إطفاء هذه النيران كما هو الحال بالنسبة لحي الداخلة بالفداء مرس السلطان، هذا الحي الذي بلغت الجرأة بعدد من أبنائه إلى مهاجمة السلطات والمتدخلين من أجل فرض الأمن والاحترام بقنابل المفرقعات وتوجيهها صوبهم، الأمر الذي كاد أن يؤدي إلى حوادث لا تحمد عقباها، في وقت تمكنت فيه المصالح الأمنية ليلة واحدة قبل ذلك أي الجمعة من اعتقال شخص جديد يتاجر في المفرقعات وهو من مواليد سنة 1990 بحي العيون وبحوزته حقيبة يدوية بداخلها 39 وحدة من المفرقعات المختلفة تنوعت ما بيد «زيدان، ميسي، رونالدو ...» فضلا عن شهب اصطناعية. وبحي المسجد تراشق حوالي 100 شاب في ما بينهم بالحجارة وبالقنينات الزجاجية واستعملوا «الما القاطع» في حربهم، غير مكتفين بباقي الأدوات «الحربية» التي استعملوها المعتمدة على المفرقعات كمادة أولية تطورت إلى الاستعانة بوسائل أخرى للتخريب، وهي الفصول/ الطقوس التي تكررت مشاهدها بحي الفرح وبحي درب الشرفاء، وبالمدينة وبوركون، وبكل من سيدي عثمان ومولاي رشيد ...، حيث وجدت العناصر الأمنية والسلطات المحلية والوقاية المدنية نفسها تعيش ليلة ليلاء في وضعية استنفار من أجل التدخل في كل وقت، بينما ظلت البرقيات ترد تباعا على لاسلكي الأجهزة المعنية. اقتناء المفرقعات لم يكن لصيقا بالصغار لوحدهم، بل لاحظت «الاتحاد الاشتراكي» نساء يقتنينها من عدد من الأحياء الشعبية وفي مقدمتها «كراج علال»، مساهمات بذلك في إحداث حالة من الفوضى غير عابئات بتداعيات هذا الأمر، ولم تفلح خطب صلاة الجمعة ليوم الجمعة 23 نونبر الجاري بدورها، والمواعظ التي قدمت خلالها لعموم المصلين من أجل حث الآباء والأمهات على الاطلاع بأدوارهم التربوية، وعدم فسح المجال أمام الممارسات الدخيلة المرتبطة بعاشوراء للتأثير على سلوك أبنائهم من تحقيق هذا المبتغى، إذ أن أعداد المفرقعات التي تم تفجيرها والفوضى التي تم إحداثها كانت كبيرة بكل المقاييس، جعلت عددا من المسؤولين يبدون استنكارهم لعدم التشديد في ولوج المفرقعات إلى داخل البلاد ودعوتهم إلى مواجهتها والحيلولة دون تفشيها، الأمر الذي اعتبروه أمرا يطرح أكثر من علامة استفهام؟ بدورها عدد من المؤسسات التعليمية شهدت صباح الاثنين استمرار تفجير المفرقعات، ومواجهات بالماء الممزوج بالصباغة والبيض، حيث تم استهداف عدد من التلاميذ سيما التلميذات، وذلك لكون طقوس «زمزم» المحدثة ببلادنا، البعيدة كل البعد عن الحدث، تصادفت ويوم الأحد الذي يعد عطلة فكان أن تم تأجيل المواجهات «المائية» إلى غاية الاثنين! ورغم غياب إحصائيات دقيقة للعدد الحالي للمغاربة الذين استوطنوا في الأراضي العربية المحتلة، إلا أنهم لا يقلون بحسب شهادات متطابقة لعدد منهم يقيمون في قطاع غزةوالقدس، عن 15 ألف شخص. يحكي الحاج رياض العلمي المنحدر من مدينة فاس، والذي تزامن وصول أسلافه إلى بيت المقدس مع دخول القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي إليها أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، كيف أن وجدان المغاربة تعلق بمدينة القدس بشكل دفع بالملك الأفضل ابن صلاح الدين الايوبي لأن يخصص لهم هبة سنة 1193 للميلاد، عرفت لاحقا بحارة أو بباب المغاربة. وتابع العلمي في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء أن ارتباط المغرب بالقدس يتعدى كونه عاديا حيث نسجت الأرضان، وشائج دينية عقائدية وروحية بحتة تجسدت في الرعاية الخاصة التي يحظى بها المقدسيون والفلسطينيون عامة لدى ملوك الدولة العلوية ،والتواجد المتواصل للمغاربة في أكناف بيت المقدس حيث وهبوا مالهم وحياتهم ووقتهم لخدمة هذه البقاع والدفاع عنها. وقد دأب العلمي، هذا الشيخ الذي تخطى عقده السبعين، على زيارة المستشفى الميداني والطبي الجراحي الذي أقامته القوات المسلحة الملكية في غزة بشكل يومي للقاء المغاربة المشرفين على المستشفى عربونا لتعلقه ببلده الأصلي، حيث لا يمل عن الحديث عن المغرب وزياراته المتكررة له وما يلحظه من طفرة وتنمية بالمملكة بين زيارة وأخرى. وانتهى المطاف بعائلة العلمي بالاستقرار في قطاع غزة رفقة نحو 200 من العائلات المغربية، نجحت في خلق شواهد دالة على هذا التواجد مثل سوق المغاربة المحاذي للمسجد العمري و»دار العلمي» التراثية، إضافة إلى انخراط المغاربة هنا في العمل الإغاثي والخيري من خلال جمع التبرعات وتقديم خدمات إغاثية مجانية لفائدة الفلسطينيين. وكما مغاربة غزة أو القدس أو الضفة وباقي مدن فلسطين، يحتفظ كل واحد من هؤلاء بجواز سفره المغربي وبه يتحركون ويحيون كل الأعياد الوطنية المغربية، ويزورون بلدهم الأصلي كلما سنحت لهم الفرصة بل رسخوا تقاليد مغربية بحتة في عدد من مدن فلسطين، مثل عادة تحضير وجبة الكسكس كل يوم جمعة التي تكاد تلمسها في كل بيت غزاوي. وعن أسباب تخصيص أرض للمغاربة بمحاذاة الأقصى بجانب حائط البراق دون غيرهم من الجاليات العربية، تحكي وثائق تاريخية لاتزال بحوزة المغاربة بأن صلاح الدين الناصر قال « أسكنت هناك من يثبتون في البر ويبطشون في البحر وخير من يؤتمنون على المسجد الاقصى وعلى هذه المدينة» حيث لعب المغاربة دورا لافتا في تحرير المدينة من الصليبيين وتركيز أسس الدول الأيوبية هناك. وفي هذا الصدد يؤكد عبادة زين العابدين رئيس لجنة الوقف والوثائق في تجمع العائلات المغربية المقدسية ورئيس جمعية الحفاظ على الوقف والتراث المقدسي (من أصول مغربية) أن فريضة الحج وطلب العلم ليسا الدافعين الوحيدين لتواجد المغاربة ببيت المقدس، بل حضروا يضا وخصيصا لدعم المسلمين في الحروب الصليبية وأبلوا فيها بلاء حسنا . وأشار إلى أن الجالية المغربية هي أكبر الجاليات الإسلامية التي استوطنت في بيت المقدس ولا تزال آثارها حتى الآن شاخصة ويتوافد عليها الزوار من كل الأنحاء. كما أن زاوية أبو مدين الغوت المغربية والتي فتحت بها مكتبة وقفية مؤخرا لا تزال شاهدة على هذا الارتباط التاريخي. وذكر بأنه كان للمغاربة شرف الحماية والحفاظ على عدد من المراقد المباركة في القدس مثل مقام النبي صمويل عليه السلام، ومقام النبي موسى عليه السلام كما تولى الشيخ المغربي سعد الدين العلمي لأزيد من 40 عاما منصب مفتي القدس ورئيس الهيئة الإسلامية العليا ورئيس مجلس أوقاف المدينة المقدسة لفترة غير يسيرة من الزمن، علاوة على تولي الشيخ زين العابدين منصب رئيس ديوان القائم بأعمال قاضي القضاة، والمؤتمن على سجلات المحاكم الشرعية وأوقاف القدس لفترة غير يسيرة من الزمن. ويذكر عبادة زين العابدين بأسى كبير كيف أن الاحتلال الصهيوني صادر عام 1967 حي المغاربة وهدم مسجد المغاربة، وعمل على طمس ثمانية قرون من تعلق المغاربة وتشبثهم بهذه الديار، موجها دعوة للمنظمات الدولية المختصة بالإسراع في حماية هذه الأماكن التاريخية والوقوف في وجه المحاولات الإسرائيلية لطمسها من الذاكرة والوجدان.