تسود حالة من الترقب لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي وسكان قطاع غزة أيضاً، لردود المقاومة الفلسطينية على العدوان الإسرائيلي بعد استشهاد أحمد الجعبري، نائب قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وبحسب محللين عسكريين إسرائيليين فإن رد فعل المقاومة سيترتب عليه تحديد مسار الحملة العسكرية على غزة التي أطلق عليها «الزوبعة». وأكد أبو أحمد -المتحدث باسم سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي- أن المقاومة أخذت على حين غرة وأنحى باللائمة على الراعي المصري. وقال إن خرق الاحتلال للتهدئة هي مسؤولية الراعي -في إشارة إلى جهاز المخابرات المصرية- الذي كان يفرض التهدئة على الفصائل الفلسطينية. وأضاف «للأسف الكيان الصيهوني لم يحسب للراعي أي حساب ولم يكن له أي قيمة» ، مشيراً إلى أن الراعي اتصل بفصائل المقاومة قبل يومين وطلب التهدئة ووافقت الفصائل عليها، وتابع «أنا لا أعرف هل هناك مؤامرة أم خديعة؟ فعندما ائتمنت المقاومة الفلسطينية هذا الراعي وأعطته كلمة، كان يجب أن يكون ضامناً لها وعلى مستوى هذه الكلمة». وأضاف «إن ما حدث يحاكي ما حدث في العدوان على غزة نهاية العام 2008 وبداية العام 2009 عندما حصلت المقاومة على ضمانات وتفاجأت بعدوان إسرائيلي، ولذلك اعتقد أنه إما أن يكون هناك تواطؤ، وإما أن هذا الراعي لا قيمة له عند العدو الصهيوني والإدارة الأميركية التي أعطته الضوء الأخضر». وأوضح أنه من المستحيل في ظل هذه الظروف الحديث عن تهدئة، مشيراً إلى أن الضامن الوحيد هو المقاومة التي تعمل وفق تنسيق كامل بخلاف العدوان الأخير على غزة قبل نحو أربع سنوات. وأشار إلى أن فصائل المقاومة قررت أن يكون الرد مشتركاً كلما سنحت الظروف الميدانية ، موضحاً أن الفصائل توافقت على طبيعة وكيفية الرد، في حين ترك التنفيذ للمقاومين حسب طبيعة الميدان. وشدد على أن المقاومة الفلسطينية حريصة هذه المرة على تلافي أخطاء الماضي، إذ كان بمجرد اغتيال قائد كبير يخرج رجال المقاومة لملاقاة العدو ويستهدفون في معظم الحالات. وذكر المتحدث باسم السرايا، إن المقاومة تعكف حالياً على دراسة كيفية وآلية الردود التي يمكن استخدامها للرد على العدوان في الميدان في ظل حركة الطيران الإسرائيلي المكثف في سماء غزة. من جانبه قال أبو عطايا -المتحدث باسم ألوية الناصر صلاح الدين الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية- إن التهدئة باتت خلف ظهر المقاومة التي أصبح المجال مفتوحا أمامها للرد على العدوان. وأضاف أن المقاومة الفلسطينية لا يثنيها استهداف قادتها وكوادرها، مشيراً إلى أن العدو بدأ المعركة ولكن نهايتها ستكون بأيدي فصائل المقاومة. وأكد أن المقاومة متماسكة بكافة أطيافها ومجمعة على أن يكون الرد ملائماً لحجم العدوان على غزة. وأكد أن رد المقاومة على الاحتلال سيكون بحجم ما يرتكبه من جرائم، مشيراً إلى أن حجم الجرائم كبير ورد المقاومة سيكون كبيرا جدا عليه. وعلى الجانب الآخر تواصل إسرائيل منذ مساء الأربعاء حشد جيشها على الحدود مع قطاع غزة ورجحت وسائل الإعلامالإسرائيلية نقلا عن مصادر عسكرية بالجيش- أن إسرائيل وباغتيالها الجعبري أعلنت رسميا عن حملة«الزوبعة» وهي عملية عسكرية تتضمن اغتيال المزيد من قيادات حركات المقاومة الفلسطينية وقد تشمل عملية اجتياح بري لغزة. وفي غضون ذلك، قررت إسرائيل تعليق الدراسة الخميس في جميع المدارس والمؤسسات التعليمية والجامعات في جميع البلدات الإسرائيلية بالجنوب والنقب الموجودة على بعد أربعين كيلومترا من الحدود مع غزة، وذلك تحسبا لأي تصعيد قد تشرع به فصائل المقاومة الفلسطينية وللتأهب لمواجهة إطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه النقب، حيث رجحت التقديرات الإسرائيلية أيضا احتمال وصول الصواريخ من طراز «فجر» إلى منطقة تل أبيب والمركز. وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت على موقعها الإلكتروني نقلا عن مصادر عسكرية بأن اغتيال الجعبري بمثابة بداية للحملة العسكرية على القطاع، وذلك وفقا لأوامر صادرة عن رئيس هيئة الأركان بالجيش الإسرائيلي بيني غانتس، وبحسب الصحيفة فقد شرع الجيش بحشد العديد من الوحدات والمعدات العسكرية إلى منطقة الجنوب لترابط قبالة الحدود مع غزة، إلى جانب ذلك تم استدعاء العديد من وحدات وجنود الاحتياط، فيما أعلنت قيادة الجبهة الداخلية عن حالة طوارئ واستنفار لمختلف قواتها ووحداتها. ورجحت الصحيفة أن عملية حشد الجنود ونقل الوحدات العسكرية للجنوب تأتي ربما تمهيدا لتنفيذ عملية اجتياح بري لغزة، كما أن سلاح الطيران الحربي شرع بتزويد منظومة القبة الحديدة المنتشرة بالنقب بالمزيد من الصواريخ المضادة للقذائف، وذلك تحسبا لتعرض النقب لقصف مكثف بالصواريخ والقذائف من قبل الفصائل انتقاما لاغتيال الجعبري. ويرى المحلل العسكري في يديعوت أحرونوت رون بن يشاي أن عملية اغتيال الجعبري بمثابة الرد الإسرائيلي لاستعادة قوة الردع، مؤكدا أنه كان واضحا أن عملية صارمة تجبي ثمنا باهظا من قدرة التنظيمات الفلسطينية ، ستساهم باستعادة قوة الردع الإسرائيلية المتآكلة، خصوصا وأن حركتي حماس والجهاد الإسلامي لديها صواريخ من طراز فجر يصل مداها إلى 75 كيلومترا، وعليه ليس من المستبعد تعرض تل أبيب لقصف بهذه الصواريخ. وأعلن عن حالة تأهب قصوى في منطقة مركز البلاد أيضا ورفعت الطواقم الطبية والإسعاف استعدادها وتأهبها إلى أعلى المستويات، كما استنفرت الشرطة قواتها وتأهبت بأعلى الدرجات مثلما نقلت صحيفة معاريف، التي أكدت أن الشرطة تتحضر لإمكانية إطلاق صواريخ طويلة المدى التي من شأنها الوصول إلى منطقة تل أبيب، حيث نقلت الصحيفة على لسان ضابط كبير بالشرطة قوله «لديهم القدرة على إطلاق صواريخ باتجاه التجمعات السكنية في منطقة المركز، لكن السؤال المطروح هل لديهم الشجاعة للقيام بذلك؟». بدورها، اعتبرت صحيفة هآرتس الجعبري على أنه بن لادن بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خصوصا وأن عملية الاغتيال تأتي في خضم الانتخابات الإسرائيلية، حيث رجحت توظيف عملية اغتيال الجعبري في المعركة الانتخابية من قبل نتنياهو وكذلك وزير الدفاع إيهود باراك، لكنها لم تستبعد أن تكون عملية الاغتيال بمثابة رهان خاسر. وذكرت الصحيفة بأن «نتنياهو وباراك كانا لحظة عملية اغتيال الجعبري في جولة تفقدية وميدانية بالمنطقة الحدودية بهضبة الجولان وبهذا الموقع نجحا بالتحايل على حماس لتعتقد قياداتها بأن إسرائيل قررت التغاضي عن إطلاق القذائف على الجنوب لتنفذ عملية الاغتيال وتصفي الحسابات مع الجعبري الذي أشرف على اختطاف واحتجاز الجندي جلعاد شاليط، ليكون ذلك الانطلاقة للحملة والدعاية الانتخابية لنتنياهو وباراك». واستذكر المحلل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هارئيل تهديدات حزب الله لإسرائيل في العام 2006 إثر العمليات العسكرية في لبنان، حيث ترجم الحزب تهديداته وشرع بالحرب، لذا يقول هارئيل يجب أخذ تهديدات حماس بالتصعيد وإعلان الحرب ضد إسرائيل على محمل الجد، مشيرا إلى أن رد حماس قد يكون قاسيا وموجعا لإسرائيل التي قد ترد بتنفيذ المزيد من الاغتيالات، وبالتالي نتنياهو حتى وإن لم يكن معنيا بعملية برية واسعة واجتياح لغزة سيجد نفسه مرغما على ذلك. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أجرى الاثنين الماضي سلسلة من الجلسات مع العديد من سفراء الدول الأجنبية المعتمدين في تل أبيب، وذلك بهدف إطلاعهم على تطورات الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة، وهدفت الجلسات -بحسب ما أوردته وسائل الإعلام الإسرائيلية- إلى تهيئة الرأي العام الدولي للحملة العسكرية التي كان الجيش الإسرائيلي يعد لها. وتنسجم هذه الاجتماعات مع التهديدات التي أطلقها نتنياهو باستهداف غزة في ظل التصعيد على الجبهة الجنوبية وتردي الأوضاع الأمنية على الحدود مع القطاع، وبالمقابل عممت الخارجية الإسرائيلية تقريرا على السفراء الأجانب سردت من خلاله ما وصفتها ب«المعاناة الإنسانية» لسكان إسرائيل بالنقب جراء تواصل إطلاق الصواريخ من غزة إلى منطقة الجنوب. وتعيش إسرائيل حمى انتخابات عامة للكنيست ستجري في شهر يناير 2013. ويرى محللون أن ذلك يضاعف احتمالات الحرب أو العمليات العسكرية الواسعة النطاق، كي تدرأ الحكومة الإسرائيلية عن نفسها أي شبهة بعدم الحزم أو الحسم ضد عمليات المقاومة الفلسطينية خصوصا في ضوء ما اعتبر تراجعا من طرفها بشأن ما يتعلق بالموضوع الإيراني، وفي ضوء عجز تل أبيب عن التدخل في سيناء المصرية. ويرجح العديد من المتتبعين للشأن الإسرائيلي احتمال شن عملية عسكرية على القطاع نظرا لسعي نتنياهو واليمين الإسرائيلي عموما إلى تركيز الحملة الانتخابية حول القضية الأمنية وصرف الأنظار عن سائر القضايا وخصوصا الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي فشلت الحكومة في معالجتها. وأوضحوا أنه «لا بد من الأخد في الاعتبار أن شن عملية عسكرية على غزة سيحظى بتأييد الإدارة الأميركية بحجة أنها «دفاع عن النفس»، وبالتالي من شأنها أن تعيد العلاقات الخاصة بين الدولتين إلى أصولها الإستراتيجية الحقيقية وتقضي على أوهام راجت في الآونة الأخيرة وفحواها أن الخلافات الأخيرة بين الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما وبين نتنياهو ستتسبب بتدخل الإدارة الأميركية في الانتخابات الإسرائيلية لمصلحة منافسي نتنياهو، وهو أمر لا ينطوي على تشخيص دقيق لجوهر تلك العلاقات». ومن المستبعد أن يقوم أوباما بالانتقام من نتنياهو الذي أيد المرشح الجمهوري ميت رومني صراحة. وبالتالي فإن الخصومة الشخصية لا تحدد اتجاهات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. كما أن تحالف المصالح بين أميركا وإسرائيل أكبر وأهم من علاقات أوباما ونتنياهو . أما بشأن استئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين، فإن موضوعات مثل إيران والحرب في سوريا والعلاقات الشائكة بين الولاياتالمتحدة وبين روسيا والصين تبدو الآن ملحة أكثر وستكون في صدارة جدول أعمال الرئيس الأميركي. وفي ظل هذا الوضع من المستبعد قيام الإدارة الأميركية بالتدخل بالانتخابات الإسرائيلية رغم الموقف العلني الذي اتخذه نتنياهو بدعمه رومني، وذلك رغم تحفظات أوباما على سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي ومواقفه حيال المفاوضات مع الفلسطينيين وتفضيله قيادات مثل وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني ورئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، وعليه سيسعى البيت الأبيض جاهدا لإيجاد السبل للتعاون مع حكومة نتنياهو. لأن هذا الأخير يعي تطلع الرئيس الأميركي إلى تحريك الملف الفلسطيني وتنشيط مفاوضات السلام وإخراجها من دائرة الجمود حتى وإن ألزمه ذلك فرض تسوية سياسية على إسرائيل، وبالتالي فإن نتنياهو ،وفي ظل أزمة الثقة مع البيت الأبيض، سيتصرف بحذر وسيسعى خلال دعايته الانتخابية لتشديد مواقفه من غزة والفصائل الفلسطينية للتأثير على المجتمع الإسرائيلي عبر اصطفاف سياسي حوله وتعزيز معسكر اليمين، وذلك رفضا للخنوع وتجنبا لأية ضغوط من البيت الأبيض . فالتاريخ يثبت أنه بعد كل عملية عسكرية جرت خلال فترة الانتخابات فإن المجتمع الإسرائيلي يصوت لمعسكر اليمين، وبالتالي فالتصعيد على جبهة غزة فيه تسويق لنتنياهو الذي يريد تقديم نفسه كقائد يضرب بيد من حديد الفصائل الفلسطينية المعادية .