نشرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» بتاريخي 10 و 13 من الشهر الجاري مقالين موقعين من طرف السيد زهير لخيار تحت عنوان «الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب: منزلقات أستاذ وادعاءات متحامل». و يتعلق الأمر بانتقاد لكتاب أصدرته خلال شهر يوليوز من هذه السنة تحت عنوان:»الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب: التنمية المعاقة وجدلية الاقتصاد والمجتمع». إلا أن السيد زهير لخيار عمد إلى تبخيس هذا الكتاب انطلاقا من تحريف عنوانه. وهكذا حور صيغة «التنمية المعاقة» ليحولها إلى «منزلقات أستاذ» وحور صيغة «جدلية الاقتصاد والمجتمع» ليحولها إلى «ادعاءات متحامل». عبر السيد زهير لخيار وبشكل صريح عن المحرك المباشر لتجريحه لكتابي على خلفية عرض العضلات «الأكاديمية»، وإن كان يفتقد لها، من جهة، و»أخذ الثأر» بناء على ما اعتبره مسا بأناه الجريحة والممرغة في الوحل، إذ يقول: «يأتي ردنا هذا على زميلنا الذي بعد اطلاعنا على مضامين كتابه، لم نجد فيه احتراما لأدبيات البحث العلمي المفروض توفرها في أهل ميدان التدريس والمحاضرة (...) بالنظر إلى أن احد (إحدى !) فقرات الكتاب تناولت بالنقد اتجاهنا في البحث في مجال تخصص الاقتصاد الاجتماعي بالتجريح الخالي من التقدير والاحترام الذي يفرضه واجب الزمالة (...)». وتأسيسا على ما سبق، يتضح بالملموس أن هدف السيد لخيار من هذا التجريح يتلخص في قلق التعبير عن أبشع نوايا التجرد من كل موضوعية ونزاهة فكرية ومنهجية لإعلان الحرب مع سبق الإصرار والترصد والاستعداد المبيت والمتعمد للتقيؤ حقدا والنفث سما للتعبير عن موقف قائم ليس على الفعل، أي تقييم البحث من منظور ما له وما عليه، وإنما على العاطفة والانفعال وسوء النية والشر والإساءة، وفق المثل الفرنسي القائل ما معناه «إن من يضع في رأسه مطرقة لا يرى إلا المسامير». لقد حاول السيد لخيار جاهدا نسف المجهودات التي بذلتها لانجاز هذا العمل قصد تجريده من كل مصداقية وقيمة علمية. ولو كانت نيته سليمة، لكان قد عمل، بصفته نائبا للعميد مكلفا بالبحث العلمي، على تنظيم يوم دراسي خاص للقراءة في موضوع الكتاب، يشارك فيه الأساتذة الباحثون وعموم المهتمين ولتكون فيه الكلمة للمناظرة والنقاش والإقناع، لكنه فضل نفث سمه على صفحات جريدة الاتحاد الاشتراكي. والأغرب ما في الأمر هو لجوء نائب عميد مكلف بالبحث العلمي في مؤسسة جامعية إلى صفحات الجرائد لمحاربة البحث العلمي والتحامل على الأساتذة الباحثين. إن ضوابط النقد العلمي للإصدارات العلمية، حسب ما هو متعارف عليه، تتمثل في جانبين: مساءلة جدية الموضوع من حيث الاختيار ومساءلة الإشكالية والمقاربة والمنهجية ومحاور البحث وأهمية المعطيات والاستنتاجات، الخ، أولا، ومساءلة مدى قدرة الباحث، من خلال توظيف المفاهيم، على استيعاب الواقع من جهة ومساءلة مدى توفقه في بلورة المفاهيم من خلال مقاربة الواقع، من جهة ثانية. لكن بالرجوع إلى مضمون «صك الإتهام» الذي حرره بشأني السيد لخيار، يتضح جليا لجوءه إلى قاموس الهدم الرخيص والطعن الهجين في مصداقية كتاب «الاقتصاد الاجتماعي: التنمية المعاقة وجدلية الاقتصاد والمجتمع» من خلال الوقوف عند قول «ويل للمصلين». وهكذا وظف السيد لخيار أسلوب الافتراء والمغالطة تارة، وأسلوب محاولة إستبلاد القارئ تارة أخرى. لقد تناولت في كتاب «الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب» (ص.81) تلك المقولة المغربية التي تفيد «أن الرجل هو الكلمة» لأبين أن هذه المقولة لا تعكس نزعة ذكورية تحتقر وتسفه المرأة، بقدر ما تبين بوضوح أن «المرء مخبوء تحت طي لسانه». غير أن السيد لخيار لم يعر لهذا التأويل أهمية حتى يدير لسانه في فمه سبع مرات قبل أن ينطق بترهاته ويزيد في تشويه سمعته. وهكذا تبنى من جهة، أسلوب الافتراء والمغالطة عبر تقويلي ما لم أقله، أو عبر الوقوف، عن قصد، عند قول «ويل للمصلين». ومن جهة ثانية، تبنى أسلوب استبلاد القارئ من خلال السعي إلى جره وإقحامه في منظومة النقاش العقيم حول جدلية «الأنا والآخر» (المسلمون والغرب) ومن ثم اللعب على حبل حشري قي خانة الاستلاب والاستغراب قصد شيطنتي ومن ثم تبخيس عملي. وفي هذا النطاق يدفع باغترابي وتشبعي بالثقافة الغربية، ومن ثم انسلاخي عن هويتي. وتأسيسا على ما سبق أبان عن جهله، الذي وصل حد الغباوة، وعن مستوى أميته المركبة التي وصلت حد السخافة. وقبل التطرق لما ورد في صك الإتهام هذا، أود أن أشير إلى أنني قصد تعزيز مكتبة البحث العلمي، في بلد كالمغرب يتميز (وليس يمتاز حسب تعبير السيد لخيار) بضعف وقلة الانتاجات العلمية، ويشكل إصدار كتاب جديد حدثا استثنائيا شبيها باستقبال (وليس بصدور، حسب تعبيره دائما) مولود جديد، فقد عملت على وضعه رهن إشارة المهتمين والفاعلين والطلبة من خلال توزيعه عبر قنوات التوزيع العادية وعلى الشكل الذي يسمح بالإطلاع عليه من طرف الجمهور الواسع، وأهديت طبعا للسيد لخيار نسخة شخصية. وبالتالي لم أقم بتوزيعه تحت جنح الظلام ولم أرغم الطلبة على اقتناء المستنسخات والخردة (حسب تعبير الأستاذ محمد جسوس في «طروحات حول المسألة الاجتماعية»، ص.3) من خلال فرضها كجزء من المقرر على الطلبة، ومن ثم مقايضة نقطة الامتحان باقتناء خردة ممن نصبوا أنفسهم خبراء في التنمية، وهم في الواقع جزء من مشكلة التخلف والرداءة وتقهقر المستوى التعليمي وعائقا ثقافيا في وجه الإقلاع. وعلى عكس ما يدعي السيد لخيار، فإن كتاب «الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب: التنمية المعاقة وجدلية الاقتصاد والمجتمع»، حسب ما وصلني من أصداء، لقي قبولا حسنا وأثار اهتمام الباحثين والمهتمين لتميز مقاربته السسيو-اقتصادية والتصاقها بتحليل الواقع وقطعها مع الرؤى الإيديولوجية السطحية والنزعات الاقتصادوية المنغلقة على نفسها والمكتفية بذاتها. وقد رحبت بصدور هذا الكتاب معظم الصحف الوطنية، وبالتالي لم ينصب القراء أحدا للتعبير عن خيبات الأمل المزعومة التي يتحدث عنها السيد لخيار. قد يكون رد فعله مبنيا على خلفية اعتبار نفسه معنيا بما قلته حول وضع التعفنات والانحرافات التي تعرفها بعض المؤسسات الجامعية التي تحولت إلى مرتع خصب للفساد والزبونية والمحسوبية على مستوى معايير انتقاء الطلبة في بعض التكوينات، بحيث يخضع ولوج هذه الأخيرة بالأساس لمعايير القرابة والخلان والأصهار و»زملاء التعاون» والقبلية والعشائرية والجهوية والزبونية وعقلية «باك صاحبي»، مما يسيء إلى سمعة ومكانة الأساتذة الباحثين إلى درجة أن الطلبة في إحدى كليات الحقوق أطلقوا تسمية «الشيخ عسيلة» على أحد أساتذة الارتزاق لقبوله تسلم سطل من العسل مقابل تسجيل أحد الطلبة في إحدى شعب «الماستر» . وأتساءل كيف يحسب السيد لخيار نفسه معنيا بما قلته، والحال أنني لم أذكره بالاسم، وبالتالي لا أرى ما يبرر اتهامه لي بالتجريح ونسف مجهوداته وما يقوم به من أنشطة (وليس نشاطات) علمية في مجال البحث العلمي. في سياق ممارسة حق الرد، سأوضح افتراءات السيد لخيار من خلال التطرق إلى تجليات افتراءاته ومزايداته وتعرية الطابع المركب لأميته. يتبع