يضرب يومه الخميس 8 نونبر 2012، أساتذة التعليم العالي في جميع مؤسسات التعليم العالي بالبلاد. وفي هذا الحوار الذي أجرته «جريدة الاتحاد الاشتراكي» مع ذ. الدرويش محمد الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي بهذه المناسبة، يتحدث درويش عن الأسباب والدواعي لهذا الاضراب الوطني. تخوض النقابة الوطنية للتعليم العالي اليوم 8 نونبر 2012 إضراباً وطنياً بكل مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث، لماذا الإضراب ؟ شكراً على مواكبتكم لحياة التعليم العالي ومراكز البحث وللحياة النقابية لمهنة الأستاذ الباحث محلياً وجهوياً ووطنياً. قرارنا خوض إضراب وطني في كل مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث يأتي نتيجة المعطيات التي جمعتها الأجهزة الوطنية خلال الدخول الجامعي للموسم 2012-2013 ومن خلال ما حصرناه من أوضاع بمجموعة من المواقع الجامعية تازة، فاس، الدارالبيضاء، المحمدية، القنيطرة، الجديدة، مراكش، آسفي، تطوان، طنجة، بني ملال، أكادير،... إما بسبب عدم ملاءمة البنيات التحتية المتوفرة لأعداد الطلاب، وإما بسبب سوء التدبير والتسيير لبعض مسؤولي هاته المؤسسات، وإما بسبب النقص الحاصل في الموارد البشرية من أساتذة باحثين وموظفين إداريين وتقنيين وإما بسبب كل هذا في مواقع أخرى، ومن ثم وبعد تقييمنا للأوضاع المعيشة اليوم واستشرافاً للدخول الجامعي المقبل ودفعاً للمسؤولين لتحمل مسؤولياتهم كاملة، أمام هاته الأوضاع قررنا خوض إضراب وطني اليوم 8 نونبر 2012 من أجل لفت انتباه الحكومة والبرلمان والرؤساء والعمداء والمدراء للظروف والأوضاع التي تتخبط فيها منظومة التعليم العالي ومراكز البحث، حتى يتحمل كل واحد من موقعه مسؤوليته كاملة. ما هي سمات واقع التعليم العالي والبحث العلمي اليوم ؟ إن الأوضاع اليوم بالتعليم العالي تتسم بعدم ملاءمة البنيات التحتية لأغلب المؤسسات من مدرجات وقاعات محاضرات وأشغال تطبيقية وتوجيهية ومختبرات وتجهيزاتها ومكتبات بكتبها وطرق تدبيرها وتسييرها، مع أعداد طلاب التعليم العالي اليوم وغداً. إذ أن أعداد هؤلاء في تزايد مستمر متصاعد وهذا أمر يدركه المسؤولون الحكوميون جيداً، فهم يعلمون نتائج دراسات توقعية أنجزت لهذا الأمر إذ انتقل عدد طلاب الباكالوريا من 96000 تقريباً سنة 2008 إلى ما يزيد عن 230000 سنة 2012. وخلال السنوات المقبلة سيزيد عددهم، وهذا أمر نسجله بإيجاب لأننا نتوق لأن يصبح أغلب المغاربة ذوي تعليم عال بجودة عالية ويصاحب هاته الأوضاع نقص حاد في أعداد الأساتذة الباحثين والموظفين، إداريين وتقنيين. فالخصاص الذي تعرفه المنظومة بالنسبة للأساتذة الباحثين حسب دراسة القطاع الوصي نفسه، يبلغ 2500 أستاذ باحث بالنسبة لكل الجامعات مع تراوح هاته الأعداد من 40 أستاذا باحثا تقريباً بجامعة القرويين إلى 250 أستاذا باحثا بجامعة وجدة و280 أستاذا باحثا بجامعة مكناس إلى 320 أستاذا باحثا بجامعة ابن زهر،... كل المواقع الجامعية تعرف خصاصاً معترفا به من قبل العمداء والمدراء والرؤساء والوزير علماً بأن نسبة الخصاص تختلف من تخصص ، إذ أن أكبر المؤسسات بحاجة إلى أساتذة باحثين في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح هي مؤسسات العلوم الاقتصادية والقانونية والاجتماعية ثم الكليات المتعددة التخصصات فالقرويين ثم العلوم الإنسانية والاجتماعية فالعلوم، علماً بأن إجمالي الخصاص حسب الحقول المعرفية الكبرى في تعليمنا العالي يسجل أن حقل العلوم والتقنيات به خصاص يقدر ب 1600 أستاذ باحث وحقل الآداب والعلوم الإنسانية والفنون به خصاص يقدر ب 500 أستاذ باحث وحقل العلوم القانونية والاقتصادية وعلوم التدبير خصاص يقدر ب 530 أستاذاً باحثاً. أما الخصاص في أعداد الموظفين الإداريين والتقنيين فيقدر وطنياً ب 1500 موظف . وإذا ما عرجنا على البحث العلمي فاسمح لي أن أقول إن وضع المغرب في هذا المجال كارثي، إذ أننا انتقلنا من الرتبة الثالثة إفريقياً إلى الرتبة الثامنة أو أكثر وذلك يعود في نظرنا إلى غياب سياسة وطنية في مجال البحث العلمي وتعدد وتشتت الجهات التي تقول إنها مكلفة بالبحث العلمي وتنميته 14 قطاعاً وزارياً (التعليم العالي، الفلاحة والصيد البحري، الطاقة والمعادن، الصحة، الشبيبة والرياضة، الثقافة، البريد، الإسكان، التجهيز والنقل،...) وأكثر من 110 مؤسسات جامعية، و55 مؤسسة غير تابعة للجامعات، و15 جامعة، والقطاعات شبه الحكومية، ومؤسسات خاصة، وأساتذة باحثين أفراداً وجماعات وطلاباً، لكن يصعب على المتتبع المختص أن يضع يده على نتائج في كل هاته المجالات تلائم المجهود المبذول بشرياً ومادياً ومالياً من قبل كل هاته الجهات، ثم إن تعقد المساطر المالية المطبقة على التعليم العالي تساهم في عرقلة عمل المختبرات ومراكز البحث والدكتوراه والمؤسسات، وتزيد من تعثر العمليات التربوية والبحثية أضف إلى ذلك ظروف حياة الطلاب بهاته المؤسسات وما يعانونه من صعوبات في التنقل والإيواء بالأحياء الجامعية، إن وجدت، والتغذية بالمطاعم الجامعية... وهذا يؤدي إلى نتائج عكسية في التحصيل بل في تكوين النخب بل أقول إنه أحد أسباب العنف داخل مؤسسات التعليم العالي ومحيطها. وبالمناسبة فإن النقابة الوطنية للتعليمالعالي تنبذ العنف بكل أشكاله وترفضه خصوصاً في مكان نعده مكان حوار واجتماع على الاختلاف ومكان تكوين الفرد وتربيته على المواطنة الحقيقية وعلى ثقافة الحوار والاختلاف وعلى الاجتهاد في أسلوب الإقناع المنبني على العقل والمنطق لا الخرافة والخزعبلات. إنه مكان للتربية على الديمقراطية وعلى الحداثة وعلى تحمل المسؤولية داخل بنيات ومؤسسات المجتمع من أسرة وجماعات علمية، تربوية، وظيفية، نقابية، حزبية، جمعوية وغيرها. ولماذا الإضراب الآن؟ نضرب من أجل كل ما سبق ومن أجل رفض الحلول الترقيعية التي يقدم عليها بعض العمداء والرؤساء في تدبير العمليات التربوية، ضداً على مقتضيات دفاتر التحملات الخاصة، نضرب من أجل الإعلان عن رفضنا للانفراد بالقرارات من قبل بعض المسؤولين تدبيراً وتسييراً وتعييناً وعزلاً، نضرب من أجل دعوة الجميع إلى توفير الظروف الملائمة والضرورية من أجل دخول المغرب مجتمع المعرفة بكل مقتضياته، نضرب من أجل دعوة البرلمان بكل أعضائه والحكومة بكل وزارتها وهم يناقشون قانون مالية 2013 ،إلى إيلاء عناية خاصة بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي وبمكونات أسرتها (طلاباً وموظفين وأساتذة باحثين)، نضرب من أجل دعوة الحكومة عموماً ووزير التعليم العالي خصوصاً والرؤساء والعمداء والمدراء على وجه أخص إلى سن سياسة تدبيرية تسييرية استباقية إعداداً للدخول الجامعي المقبل 2013-2014. هل معنى هذا أن وزارة التعليم العالي الحالي عاجزة لحد الآن عن معالجة ما تطرحون كنقابة وطنية للعليم العالي ؟ أعتقد أن وزارة التعليم العالي قد قامت بمبادرة أساسية لتجاوز بعض الصعوبات والعراقيل، حيث أقدمت بمعية وزارة المالية على تخصيص غلاف ما لي خاص خارج ميزانية القطاع مقدر ب 2.400.000,00 لبناء 24 مدرجاً إضافياً تتكلف الوزارة نفسها بإعدادها وقد وزعت الوزارة هاته المدرجات على مجموعة من الجامعات منها من حصل على 4 مدرجات ومنها من حصل على 3 ،ومنها من حصل على مدرجين ومنها من حصل على مدرج واحد. كما أن طريقة تدبير ملف المناصب المالية للموسم 2012 نسجلها بإيجاب رغم قلة هاته المناصب المحددة في 300 ، ومع أن الخصاص يبلغ أكثر من 2500 منصب مالي ، فإن طريقة توزيعها جعلت بعض الجامعات تحصل على مجموعة من المناصب المالية لم يسبق لها أن حصلت على ذلك. ومن المؤكد أن هناك أموراً أخرى نعود إليها في مناسبة قادمة وباختصار شديد أقول لك إن هناك مجهوداً بذل بالأمس واليوم لكن النقابة تظل تطالب بالأحسن وتناضل من أجل الأفضل، وتدعو إلى التعبئة الوطنية من أجل سياسة وطنية في التربية والتكوين. ورغم ما يقام به من مجهودات، فإن الخصاص يظل حاصلاً في كل المستويات والمشاكل تبقى مطروحة في مجموعة من المواقع بسبب سوء التدبير والتسيير وانعدام المسؤوولية. المهم هو أنه يجب أن تتظافر الجهود حكومة ومسؤولين جهوياً ومحلياً ونقابة للتعليم العالي وموظفين وطلبة من أجل جامعة وطنية ديمقراطية حداثية متطورة يرقى المغرب بها وبمكوناتها إلى مصاف الدول المتقدمة الديمقراطية الحداثية المتطورة، والتي يتبوأ فيها البحث العلمي ومنظومة التربية والتكوين مكاناً خاصاً في إعداد المواطن المتشبع بقيم المواطنة والكون. كلمة أخيرة أرجو أن تتفهم المكونات البرلمانية والحكومية وكل المسؤولين حركتنا الاحتجاجية فيولوا اهتماماً خاصاً بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي ومكوناتها الثلاثة (الطلاب، الموظفون، الأساتذة الباحثون) ويدافعون عنها خلال مناقشتهم لقانون مالية 2013 وكذا باتخاذهم قرارات إيجابية في موضوع المساطر المالية والخريطة الجامعية والموارد المالية والبشرية، فيعفونا من قرار إسماع صوتنا مرة أو مرات أخرى. فحسبي أن رسالتنا بلغت وصوتنا سمع. كما أنني أوجه تحية خاصة لكل أعضاء المكاتب المحلية والجهوية واللجنة الإدارية وممثلي النقابة في مجالس الجامعات على رصانتهم في تحمل المسؤولية تطوعاً في زمن قل فيه التطوع بل ندر، وعلى مسؤوليتهم في تدبير الشأن النقابي محلياً وجهوياً ووطنياً وعلى وطنيتهم في الدفاع عن المصالح الفضلى للوطن من أجل تعليم عال جيد وحديث ومتطور، ومن أجل المغرب الديمقراطي الحداثي المتطور الذي يرقى إلى مصاف الدول المتقدمة، كما أوجه تحية خاصة لكل السيدات والسادة الأساتذة الباحثين على ثقتهم في إطارهم النقابي المناضل المواطن المواكب لكل قضايا منظومة التعليم العالي والبحث العلمي ببلادنا، وتحيتي وشكري ممدودان إلى كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية على متابعتها واهتمامها وانشغالها بقضايا التعليم العالي.