كانت الأمور تجري حسب العادة في بهو الفندق الجزائري الذي يقيم فيه كل المشاركين في المعرض الدولي للكتاب الأخير بالجزائر. حسب العادة عبارة معناها أن المشاركين يتناولون وجبة الفطور، يتعرفون إلى بعضهم، يتبادلون الكتب والعناوين والمعلومات والأفكار. كان الروائي الجزائري ياسمينة خضرا (محمد مولسهول) يجلس إلى شاب حول طاولة. وفجأة ظهر شاعر جزائري وهو يمشي من هنا إلى هناك، في شبه هرولة، و في شبه دحرجة. مال علي وسأل: هذا هو بوعلام صنصال، لكن من استدعاه؟ هل هو مدعو أم جاء من تلقاء نفسه؟ قلت له إنني لا أعرف و أنكم انتم الجزائريون أدرى بالمدعويين و بغيرهم. أجابني بأن الخبر اليقين سيكون عنده بعد نصف ساعة. قلت له إن نصف ساعة زمن كثير للحصول على الجهة التي دعت هذا الروائي ذو النزعة الصهيونية، لأن كلمة مطبع مع الكيان الصهيوني قليلة في حقه. الدرس من هذه الواقعة هو أن الناس في المعرض و خارج المعرض يتحادثون مع واسيني الأعرج و مع ياسمينة خضرا ومع محمد ساري، لكن مع بوعلام صنصال فلا، لا يمكن الاقتراب منه، كأنه قنفذ مغطى بالشوك. هكذا جرت الأمور، ففيما الجزائريون في غمرة احتفالهم بمعرض كتابهم و بالذكرى 50 لاستقلال بلدهم، ظهر هذا الكاتب غير المرغوب فيه. بيقت أنتظر صديقي الشاعر الجزائري ليعود و يخبرني بنتيجة بحثه. لم يظهر طيلة ذلك الصباح. كنت على يقين بانه لن يعثر على أي أثر. فصنصال مدعو، والجهة التي دعته لن تكشف عن نفسها. وصنصال نفسه كان يتجول في بهو الفندق كالغريب. لا من يحدثه ولا من يحييه، زلا من يقول له على سلامة عودتك من باريس. بل إن هناك كاتب كان يجلس إلى جانبي قال لي سأنهض و أعانقه و أقول له: حمدا على سلامة عودتك من إسرائيل. قلت له هو لم يعد من إسرائيل بل من القدسالمحتلة التي احتضنت المعرض العالمي للكتاب المنظم من طرف إسرائيل. وقد قاطع هذا المعرض أغلب الكتاب العالميين. أجاب نعم لكنها إسرائيل من دعت هذا الجرذ الباحث عن الشهرة. في ذلك الصباح كان من المفترض أن يشارك الناقد الجزائري الدكتور محمد ساري في جلسة فكرية هامة حول التاريخ والأدب. لكن مسير الجلسة قال إن محمد ساري يعتذر عن مشاركته اليوم وهو بالتأكيد سيشارك غدا في جلسة أخرى في نفس المحور. ومحمد ساري باحث جزائري مهم، ولكنه أيضا من الذين ترجموا روايات بوعلام صنصال إلى اللغة العربية. وقد ظهرت مؤخرا ترجمته لوراية صنصال « قسم البرابرة». ومن المؤكد أنه غير راض على مشاركته في معرض للكتاب تنظمه دولة محتلة. كما عبر عن ذلك الكثير من الكتاب الجزائريين، نذكر منهم الموقف الشجاع للروائي أمين الزاوي. رغم أن تجربة ساري في ترجمة رواية صنصال كانت محطة هامة وجديدة في مساره كمترجم. أيامها كان صاحب «قسم البرابرة» و عاشق إسرائيل مديرا عاما في وزارة الصناعة. أما اليوم فإنه بين الجزائر وباريس تطارده لعنه إسرائيل. بعد ظهور صنصال في الفندق، اختفى دون أثر. هل ذلك شبيه باللعنة التي يطلقها المغاربة في عز سخطهم على الشخص: «الله يغبر ليك الأثر»؟ بكل تأكيد.