بينما أنا جالس بالبيت أتأمل المطر والرياح المزمجرة من نافذة بيتي، تسرب إلى ذهني سؤال بسيط كلفني مدة غير هينة من البحث والتمحيص والتأمل ومحاولة مقاربة الموضوع من جوانب متعددة، وهذا السؤال ليس إلا «علاش الريح كيصفر» ؟ لماذا تزمجر الرياح؟ بكل بساطة فوجدتني أسافر بمخيلتي في كل أنواع الضجيج والصخب والصفير والتساؤل عن كيفية حصولها، فوجدت أنه كلما كان هناك عائق في وجه أي شيء منساب إلا وهذا الشيء يحدث صوتا معبرا عن رفضه للعائق واحتجاجه عليه، ومن هنا بدا لي أن الزمهرير هو صوت احتجاج على العوائق التي تعترض الرياح التي تحمل الفصل إلى مثواه ، وأن الرعد والبرق هو صوت احتجاج السحاب المحمل بالمطر على اعتراض طريقة في سبيل حمل الزخات إلى مكانها المأمول ، وأنين الناي كالصفير ليس إلا احتجاج الهواء على اعتراض أصابع العازف له رغم عذوبة العزف والترنم بالموسيقى. وما قرقرة الغازات في البطن إلا احتجاج المصارين على الجوع أو المرض ، إلى أن نصل إلى احتجاجات الشعوب على قادتها وعلى مسؤوليها الذين يعيقون مساراتها وتطوراتها . فقلت مع نفسي لماذا نعتبر الاحتجاج شيئا قبيحا وما هو إلا شيء طبيعي يأتي ضد العوائق التي تعترضنا بل تعترض التطور العادي للطبيعة. فالطبيعة لا تحتمل الركود والسكون والتقوقع لأن الأمل في الحياة هو محرك كل شيء وما إن تعترضه عوائق حتى يبدي احتجاجه ورفضه. وها نحن رأينا كيف قادت العوائق السالبة للحرية والتطور والنمو، مجموعة من الشعوب إلى الاحتجاج وكنس جل المعوقات رغم أن ما كان سيكون ربيعا ديمقراطيا عربيا اعترضته عوائق التخلف والرجعية والتحجج بالهويات، مع العلم أنها مجرد مثبطات تخضع المجتمع إلى التقوقع في عاداته الزائفة، ولكن لابد أن تنساب رياح التغيير لتحدث زمهريرا يسمع صداه في عمق التطور والحرية ورغد العيش .