2011 - 2012 : هناك دائما رائحة حادة ومترددة كرائحة القتل، ما زالت تنتشر حول المقر المركزي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان. رائحة ليست مثل أغنية حزينة آتية من الأعماق، بل مثل حذاء عسكري مصمم على الذهاب إلى أقصى نقطة في معسكر الخصم. رائحة تذكرنا جميعا أن دم المهدي بن بركة ما زال عالقا في أصابع جلاديه، وأن طبقات سميكة من العناد مازالت تصر على الضغط بكل ثقلها على كل هبة هواء تتسلل إلى الملف.. فرغم أن ماء كثيرا تدفق، ما زالت الحقيقة مثل عظمة بين أسنان كلب، عصية على الانتزاع. ويظهر ذلك، جليا، في التصريحات المتتالية لوزير العدل والحريات، المصطفى الرميد، الذي قال بكل وضوح إن «ملف المهدي بن بركة، المختفي منذ 29 أكتوبر 1965، ليس على رأس أولويات الوزارة». مضيفا « لدينا أولويات وبالتالي ليس لدينا حاليا وقت للتفكير والجواب عليه..». وقال في تصريح آخر: «ملفات الاختفاء القسري التي سيتم تناولها هي الملفات الجديدة. أما الملفات القديمة فان المجلس الوطني لحقوق الانسان هو المسؤول عنها». وفي تصريح للمرة الثالثة، أكد الوزير الإسلامي لوفد من الحقوقيين الناشطين في جمعية «عدالة» إن «الكشف عن حالات الاختفاء القسري العالقة، والتي تعتبر حالة المهدي بن بركة من أبرزها، لا يدخل ضمن أولوياته، وبالتالي ليس له حاليا وقت للتفكير والجواب عنه وسيجيب عنه إذا اقتضى الأمر ذلك، لكن ليس في بداية ولايته» على حد تعبير بلاغ صادر عن الجمعية. إن مثل هذه التصريحات، توضح بما لا يدع مجالا للشك أن هناك مقاومة قوية لذلك الاتجاه الذي يطالب بإعمال المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية لأن مثل هذا الإجراء جزء لا يتجزأ من الحقيقة، فذاكرة الضحايا ذاكرة مزدحمة بالاتهامات، وبالتالي لا يمكن تحرير هذه الذاكرة إلا بعد وضع كل الحقائق أمام كشافات الضوء. ذلك أن تصفية المهدي بن بركة ارتكبت تحت جنح الظلام، والحقيقة، كما تحب أن تكون، تتطلب الكشف عن كل السكاكين، وكل الأيادي الملوثة بالدم.. ولم يكتف الرميد بذلك، بل إنه في كل مرة يحاول أن يرمي كرة اللهب في ثوب المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يترأسه إدريس اليزمي الذي قال، في ماي 2012، بخصوص ما تم التوصل إليه بشأن ملف المهدي بن بركة، إن «هيئة الإنصاف والمصالحة، وهي هيئة غير قضائية، قامت بإجراء عدد من البحوث والتحريات، لكنها لم تتوصل إلى إجلاء الحقيقة بخصوص هذا الملف وعدد من الحالات القليلة العالقة. كما أشار إلى أن القضاء مطالب بقول كلمته بخصوص هذا الملف، خاصة أن الملف مطروح أمام القضاء الفرنسي، مضيفا، في هذا الإطار، أن ذلك يقتضي من القضاء المغربي التعاون لاستكمال البحث والتحري وإجلاء الحقيقة كاملة بهذا الخصوص». وإذا كان إدريس اليزمي ينادي بالتعاون مع القضاء الفرنسي، فهل حقا تبدي السلطات المغربية رغبة حقيقية للتعاون مع نظيرتها من أجل طي هذا الملف؟ لا شيء يشي بذلك. فقد كشفت بعض الصحف الفرنسية منها، في غشت الماضي، عن خبر لجوء الجنرال حسني بنسليمان إلى السفارة المغربية بلندن أثناء تواجده بهذه الأخيرة خلال الألعاب الأولمية التي أسدل عليها الستار يوم 12 غشت الجاري بصفته رئيس للجنة الأولمبية المغربية. وقالت أسبوعية «ليبراسيون» إن القاضي الفرنسي المكلف بملف اختطاف بن بركة، باتريك راماييل، فور علم بوجود حسني بن سليمان خارج التراب المغربي قام باتصالات مكثفة، وعلى أعلى مستوى، من أجل توقيف الجنرال المغربي قصد الاستماع إليه في الملف المشار إليه. كما أضافت ذات الأسبوعية أن الشرطة الإنجليزية، وفور وصول تعليمات القاضي إليها، عملت على التنسيق مع منتدب لمنظمة العفو الدولية الموجودة بدورها في لندن من أجل إيفادها بالمعلومات الكافية حول ماضي بن سليمان والمهام التي شغلها إبان اختطاف المهدي بن بركة، وهذا ما حدث، إذ قدمت «أمنستي» تقريرا يجرد كل صغيرة وكبيرة حول ماضي هذا الرجل وعلاقته بملف بن بركة. وقد علم بنسلمان بذلك، مما جعله بالاحتماء داخل السفارة المغربية بالعاصمة الإنجليزية، ليعود على عجل إلى المغرب قبل متم الأولمبياد. وكان راماييل قد أصدر مذكرة بحث في أكتوبر 2007 ، في حق كل من الجنرال حسني بنسليمان، الذي كان عضوا في ديوان الجنرال أوفقير لحظة ارتكاب الجريمة سنة 65، وعبد الحق القادري، المسؤول السابق عن المديرية العامة للدراسات والمستندات التي ورثت جهاز «الكاب 1»، وميلود التونزي، أحد عناصر المجموعة المتهمة باختطاف بنبركة، وأبو بكر الحسوني، عميل جهاز «كاب - 1»، وعبد الحق العشعاشي المسؤول في نفس الجهاز. على صعيد آخر، كان موريس بوتان، محامي عائلة المهدي بنبركة وأول محامي انتصب في قضية المهدي منذ 1965، قد كشف في ندوة نظمت سنة 2009 حول مستجدات قضية بنبركة، أن السلطات القضائية الفرنسية لم تقم بتفعيل مذكرة البحث التي أصدرها قاضي التحقيق الفرنسي باتريك راماييل في حق مسؤولين مغاربة بينهم الجنرال حسني بنسليمان في أكتوبر من سنة 2007 . وقال موريس بوتان «إن باتريك راماييل راسل وزير العدل الفرنسي مستغربا عدم اعتقال أي من المطلوبين الخمسة بعد سفر الجنرال حسني بنسليمان إلى بكين وسفر مطلوب آخر إلى اسبانيا، فاكتشف أن السلطات الفرنسية «لأول مرة في تاريخ فرنسا، تحجم عن تنفيذ مذكرة اعتقال في حق مطلوبين للعدالة». واستنتج موريس بوتان أن في ذلك دليلا على وجود «تواطأ بين الحكومتين المغربية والفرنسية لعدم كشف الحقيقة في ملف المهدي بن بركة». ورغم هذا التواطؤ المستمر، ما زال نجل المهدي بنبركة، البشير، مصرا على إماطة اللثام عن خفايا تصفية والده متمنيا حياة أطول لجلاديه، حيث صرح في حوار طويل أجرته معه يومية المساء: «أتمنى لكل المتورطين في اختطاف واغتيال المهدي عمرا طويلا حتى يقولوا لنا ما يعرفونه عن مصير المهدي. لقد كان الحسوني، الملقب ب«الممرض»، يقوم بإعادة إنعاش المناضلين الذين كان يغمى عليهم من فرط التعذيب. هناك أيضا عبد الحق العشعاشي، أخ محمد العشعاشي، وأيضا الجنرال القادري الذي كان سنة 1965 ملحقا عسكريا في سفارة المغرب بباريس، والجنرال حسني بنسليمان الذي كان حينها قبطانا يشتغل في ديوان أوفقير».