لم يفهم السيد وزير الصحة الحسين الوردي ، حقيقة مطالب الممرضين، لربما لم يستطع فك شفرة الرسالة غير المرموزة التي أرسلوها له بأن التلاعب بمستقبل الممرضين وضرب نبل عملهم إرضاء ل «أصحاب الشكارة» وبالتالي تعريض صحة المواطنين للخطر، خط أحمر. فعوض التفاعل مع مطالبهم صرح قائلا «.. إن الاضراب الذي يشنه حاليا الممرضون والممرضات من شغيلة القطاع الصحي بمختلف المندوبيات الصحية والمستشفيات العمومية والمصالح الإدارية والتقنية، يعد إجراءً غير مفهوم..» . احتجاج الممرضين واضح ولالبس فيه، فهم يطالبون بعدم المصادقة على مشروع المرسوم الذي اقترحته وزارة الصحة، والرامي إلى تغيير النظام الأساسي الخاص بهيئة الممرضين ، خاصة المادة 17 منه، والذي يمكن التقنيين المتخصصين في الشعب شبه الطبية التابعين لمؤسسات التكوين المهني الخاص من ولوج سلك الوظيفة العمومية، كممرضين مجازين من الدولة من الدرجة الثانية. سؤال منطقي ومشروع، لماذا لم يتم الحديث عن هذا المرسوم قبل الآن بالرغم من كونه صدر قبل سنوات؟ قد يقول قائل إن السيد الوزير أراد بهذا أن يسد الخصاص الذي تعاني منه الوزارة في قطاع الممرضين. قصد نبيل في عمقه لولا أن بعض اللبس الذي يكتنفه يدفع في اتجاه الاحتياط، خاصة عندما يتم الاستماع إلى وجهة نظر الممرضين أنفسهم. فالممرضون يعتبرون أن «.. مسألة الخصاص الكبير في الأطر التمريضية ، و التي لا يوجد لها حل في نظر الوزير إلا بتوظيف التقنيين المتخصصين خريجي معاهد التكوين المهني الخاص كممرضين مجازين من الدولة. وهذا يمكن لأي شخص ليست له دراية بالميدان تصديقه بسهولة ظنا منه بأن وزارة الصحة هي التي تتحكم في عدد المناصب المخصصة لتوظيف الممرضين، لكن في الحقيقة ليس هناك خصاص في الموارد البشرية، بل الخصاص يوجد في المناصب المالية التي تخصصها وزارة المالية لموظفي وزارة الصحة و التي لا تتجاوز 3000 منصب سنويا .لتوضيح الأمر أكثر سنأخذ كمثال عدد المترشحين لاجتياز مباراة الولوج لمعهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي بالرباط لسنة 2012 حيث بلغ عدد المترشحين 10793 ، في حين أنه تم قبول 539 طالبا فقط في النهاية بعد الانتقاء الأولي و المباراة الكتابية والشفوية ، ومن هنا يتضح أن الموارد البشرية متوفرة وعدد المترشحين في الرباط وحدها كاف لسد الخصاص الموجود في الأطر التمريضية في المغرب بأكمله.. »! بل إن البعض ذهب في تفسير إصرار السيد الوزير على تمرير هذا القرار إلى كون معاهد التكوين المهني الخاصة، بما فيها تلك التي تكون التقنيين المتخصصين في المجال الشبه طبي تابعة لوزارة التشغيل و التكوين المهني وهي المسؤولة عن تشغيل خريجي هذه المعاهد و ليس وزارة الصحة، إلا أن نفس اللون السياسي للوزيرين (الصحة والتشغيل) لربما كان وراء هكذا قرار! ولهذا يقول الممرضون إنه «.. عوض الاهتمام بمعاهد ليست تحت مسؤوليته، كان على وزير الصحة أن يهتم أولا بمعاهد الدولة التابعة لوزارته، والتي حان الوقت لترقيتها إلى كليات علوم الصحة وتحديث نظامها الدراسي باعتماد نظام إجازة ماستر دكتوراه اقتداء بنظرائه في الدول المجاورة و العربية و الأوروبية وغيرها من الدول التي تهتم بصحة مواطنيها .أما الاهتمام بالتكوين المهني الخاص التابع لوزارة التشغيل و التكوين المهني فهو غير مفهوم و يدعو إلى طرح العديد من التساؤلات..». لقد آن الأوان لفتح حوار وطني يضم كافة الشركاء لإنصاف الممرض والمرضى في آن واحد، آن الأوان لفتح نقاش حول هذا القطاع الحيوي بعيدا عن أصحاب «الشكارة» والحسابات السياسية الضيقة وفق نظرة شمولية ، وليس نظرة ضيقة تتماشى مع مصالح من همس سرا للسيد الوزير في أذنه ذات مساء شتوي بالعاصمة ليورطه في تبعات قرار غير مضمون العواقب على مهنة التمريض..