يتضح من القراءة الأولية لمشروع القانون المالي 2013 ،أن مضامين كل الشعارات التي اعتمدت في البرنامج الحكومي، غابت عن الإجراءات المعتمدة في أول مشروع قانون مالي تعده حكومة عبد الإله بنكيران. فتحقيق معدل نمو سنوي في حدود 7% صار بعيد المنال رغم أن المؤهلات المتوفرة تتيح إمكانية بلوغه، إن لم نقل تجاوزه، ورغم أن نوعية العلاقات التي تربط جلالة الملك مع دول الخليج، مكنت من الحصول على هبة مالية بقيمة مليار دولار في السنة خلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2016. التوجهات الكبرى لمشروع القانون المالي 2013 تحمل عدة مؤشرات على أن الحكومة لم تتناول بعد مقود الحكامة التي راهنت عليها في بلوغ معدلات نمو مرتفعة، فالسنة الثانية من تمتيع رئيس الحكومة بصلاحيات دستورية جديدة لم تساعد على محاربة اقتصاد الريع الذي قيل عند الحملة الانتخابية أنها ستمكن من ربح نقطة على الأقل في معدل النمو، بل إن نشر لوائح المستفيدين من أذونات «كريمات» حافلات النقل الطرقي للمسافرين أعطى نتائج عكسية، إذ لم يكن متبوعا بأي إجراء إداري ولم يكن له أي أثر في القانون المالي المعروض حاليا على البرلمان. إن الأزمة الاقتصادية العالمية معطى لا يمكن لأي كان أن يتغافله، لكن التعامل معه يختلف من دولة إلى دولة، ويقتضي اعتماد جيل جديد من الإجراءات التي تحمي المكتسبات وتقوي تنافسية الاقتصاد الوطني على غرار ما أقدمت عليه الحكومة التركية التي تحولت، في ظل الأزمة العالمية، إلى قوة اقتصادية يحسب لها ألف حساب . الفارق بين المغرب وبين تركيا وغيرها من الدول المنبثقة كالهند والصين وكوريا الجنوبية هو أن كلا منها تعامل مع العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية بمنطق يراعي خصوصياتها، وهذا التعامل هو الذي مكن العديد من مقاولاتها، دون تمييز بين القطاع العام والقطاع الخاص، من رفع قدراتها على الإنتاج ومن غزو الأسواق الدولية في ضظل تنافسية شرسة، فحتى التحرير الذي كاد أن يعرض عدة مقاولات مغربية، بما فيها الخطوط الملكية المغربية، إلى الإفلاس، ساهم بشكل كبير في تطوير مقاولات الدول السالفة الذكر لأن الإجراءات المواكبة راعت حماية خصوصياتها، بينما في المغرب غلب منطق الهرولة على منطق التحكم في تنفيذ سياسة التحرير. إن حكومة عبد الإله بنكيران تمتاز عن سابقاتها بكون الدستور الجديد يخولها صلاحيات جديدة، لكن هذه الصلاحيات لم يظهر لها أثر في مشروع القانون المالي 2013، الذي حافظ على نفس تركيبة القوانين السابقة وافتقر إلى الإبداع والتأقلم مع المستجدات الوطنية والدولية. مرة أخرى تراهن الحكومة على رفع المداخيل الجبائية ب 8.7 مليار درهم، وعلى تحسين أداء المؤسسات العمومية ب 1.18 مليار درهم، وفي هذا خير دليل على أن الدولة ستراهن من جديد على تحميل المأجورين والمقاولين كلفة تنفيذ هذا الخيار علما بأن تراكم الضرائب الذي فرض حذف جميع غرامات التأخير عن دافعي الضرائب حتى متم دجنبر 2013 ،ما هو في الواقع إلا نتيجة حتمية للمناخ الذي يتحكم في العلاقات القائمة بين الدولة والمقاولة، وهي العلاقات التي أفرزت تنافسية غير متكافئة مع المقاولات الأجنبية داخل التراب المغربي وخارجه. من المحقق أن الاستثمارات العمومية في البنيات التحتية تنامت سنة بعد أخرى، ومن المحقق كذلك أن الاستمرار في هذا المنحى يؤمن استقطاب المزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية، ولكن المعطيات المتوفرة تؤكد أن مردودية هذا الاستثمار العمومي جد ضعيفة إذا ما قورنت بالمعايير المعمول بها دوليا، فالخلل ليس في البنيات التحتية وإنما في الحكامة التي تحول دون تيسير مهام المقاولين وتشجيعهم على الاستثمار في الأنشطة المنتجة لمناصب الشغل، والمساهمة في تحقيق معدلات نمو مرتفعة. فالعبرة ليست في صياغة أحسن الشعارات وإنما في إنتاج قوانين تحفز على بلوغ الأهداف المرسومة في الدستور وتترجم الخيارات الواردة في الخطب الملكية إلى سلوك يومي.