لا شك أن إشكالية تقنين الإضراب التي عالجناها في دراستنا السابقة تشكل أحد الحملات المسعورة التي بدأت تشنها السلطة العمومية على الحقوق والحريات بمختلف أنواعها وأشكالها، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصا دية. ومن أبرز الحريات التي أضحت أكثر عرضة للانتهاك الصارخ، نجد حق الإضراب والحق في الاحتجاج والتظاهر السلمي. ولخطورة التضييق على الحريات والحقوق، سنستمر في معالجة الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة كإجراء إصدار قانون الإضراب من أجل الوقوف على طبيعة السياسة العمومية المتبعة وتشريحها ووضعها تحت مجهر النقد لإدراك أبعادها ومخاطرها الآنية والمستقبلية. طبعا، سنكتفي هنا بتسليط الضوء على عينة وبعض النماذج من الإجراءات المتخذة التي تعكس لنا أحد أعطاب واختلالات السياسة العامة بالمغرب. - فما هي هذه الأعطاب والاختلالات ؟ - وما هي آثارها وانعكاساتها ؟ - وكيف يمكن معالجتها ؟ -I مظاهر اختلالات السياسة العمومية بالمغرب: 1- الإجهاز على الحقوق ومصادرة الحريات: تنهج الحكومة الراهنة سياسة هجومية شرسة تستهدف الحريات والحقوق الدستورية المنصوص عليها أيضا في المواثيق الدولية والمتناقضة مع مقتضيات وضوابط الوثيقة الدستورية الجديدة، متحدية بشكل سافر الشغيلة المغربية والهيئات النقابية. تتجلى لنا هذه الحملات الشرسة في تبني اختيارات عرجاء لاشعبية ولاديمقراطية، مثل: أ- الرفع من سن التقاعد: يعتبر هذا الإجراء الذي ستتخذه الحكومة، نتاج سياسة التوازن المالي البعيد عن المقاربة الاجتماعية. فهذا الإجراء التقنوإداري سيكون مبعث رفض الشعب المغربي وفقدان ثقة هذا الأخير في البرنامج الحكومي لبعده بسنوات ضوئية عن تطلعات وطموحات الشغيلة. لهذا، كان من الأجدر على الحكومة الموقرة أن تعمل على تنقيح الكثير من القوانين التي تعتريها جملة من الثغرات والاختلالات، وإصدار قوانين جديدة ذات أهمية كبرى كقوانين محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة على غرار القرارات الجريئة التي اتخذها الرئيس الفرنسي الجديد «فرانسوا هولاند» من أجل تنظيف بيت الحكم وتوسيع فضاء الشفافية. لهذا كله، نعتبر أن هذا الإجراء التقنوي الضيق ذي المنظور الروتيني الجامد والعقيم لا يحل مشكل نقض الموارد المالية لصناديق التقاعد، فالأمر يحتاج إلى معالجة شمولية تتجاوز هذا المنظور الضيق. ب- تقنين الإضراب والحد منه: من الغريب أن تأتي الرغبة في إصدار قانون الإضراب في ظرفية دولية وإقليمية دقيقة تطغى عليها الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهنا يحق لنا التساؤل عن دوافع ومتطلبات هذا القرار الخطير. فهل هذا القانون نابع من الفتاوى الزمزمية الغريبة الأطوار والتي أصبحت تحلل وتحرم ما تشاء، والتي ابتلي بها المغرب في السنوات الأخيرة ؟ وهل هو ناتج عن الرضوخ الأعمى لرجال المال والأعمال واللوبي المتحكم في مصير البلاد والعباد ؟ وما خطورة هذا الإجراء اللاديمقراطي. الكثير من أعضاء الفريق الحكومي عبروا أكثر من مرة عن ضرورة التسريع في إخراج قانون الإضراب تحت المبررات التالية: - الحفاظ على سير المصالح الاقتصادية للبلاد. - الميوعة التي اعترت عملية الإضراب. هذه بعض التبريرات الواهية التي تقدمها السلطات العمومية للرأي العام المغربي لإضفاء المشروعية على القرار وتفادي ردود الأفعال الداخلية والخارجية، فهي تجسيد لسياسة الهروب إلى الأمام والتملص من المسؤولية الجسيمة، وشن حرب استباقية على الشغيلة والهيئات النقابية. للأسف الشديد، لم تكلف هذه السلطات نفسها عناء التساؤل عن الدوافع الحقيقية للإضراب، لهذا يجب الإقرار بأن حركة الإضرابات تأتي كنتاج للحيف الكبير الذي طال فئات عريضة من المجتمع، وكرد فعل عن سياسة التجاهل والتعنت التي تمارسها السلطة العمومية، فضلا عن عدم اكتراث هذه الأخيرة بقضايا الشغيلة. فهذه السياسة المنتهجة من طرف الحكومة هي السبب المباشر في اندلاع الإضرابات واتساع نطاقها، إذ تشمل جميع القطاعات ولاسيما الحيوية منها كقطاع التعليم والصحة والعدل والجماعات المحلية. إن هذا الفعل النضالي الشريف الذي تخوضه الطبقة العاملة المغربية يأتي أيضا في إطار الاحتجاج على القانون التنظيمي للإضراب باعتباره يشكل أداة لتكبيل وتقييد لحرية الإضراب عوض حمايته وتعزيزه، إذ كان من الأجدر على الحكومة سن قوانين جديدة تفرض احترام وتطبيق الاتفاقيات الحكومية السابقة وفي مقدمتها اتفاق 26 أبريل 2011، وتشدد العقوبات على منتهكي القوانين المسطرة، إضافة إلى العوامل المساهمة في تزايد وتيرة الإضرابات واتساع نطاقها، فنجد عاملا جوهريا مرتبط أساسا ب: - غياب الحوار الاجتماعي الجاد. تلجأ الحكومة من حين لآخر إلى التفاوض وفتح باب الحوار مع التنظيمات النقابية الأكثر تمثيلية، إذ تعقد سلسلة من اللقاءات الحوارية الماراطونية الشكلية دون أن تثمر نتائج إيجابية تذكر كتسوية جل الملفات الاجتماعية العالقة مثل ملف الأساتذة المجازين العاملين بالسلكين الابتدائي والثانوي والإعدادي، وملف أستاذة الزنزانة 9 وملف أساتذة التربية غير النظامية وسد الخصاص، وملف المعطلين من حاملي الشهادات العليا... إلخ. في ظل هذه التعثرات المتتالية التي تعتري الحوار الاجتماعي، يطرح التساؤل التالي الذي يفرض نفسه علينا: ما الهدف من إجراء حوار اجتماعي عقيم تعرف نتائجه مسبقا ؟ لقد انحرفت السياسة العمومية في ظل حكومة البيجيدي ب 360? عن البرنامج الانتخابي الذي أعطى الأولوية المطلقة للسياسة الاجتماعية، فالمتتبع للشأن العام المغربي، سيلاحظ أن القرارات المتخذة متناقضة تماما مع الاختيارات والتوجهات الاجتماعية الرامية أساسا إلى مكافحة الفقر والحد من الهشاشة الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الأوضاع المعيشية للفئات الفقيرة، ومخالفة تماما للبرنامج الانتخابي الذي خصص حيزا واسعا للمسألة الاجتماعية المتأزمة. لهذا، يمكننا القول أن معالجة القضايا الاجتماعية لا تتم بإجراء حوار شكلي مغشوش لا يحمل أي مؤشرات ملموسة تجسد الجدية اللازمة والرغبة الأكيدة في معالجة مختلف الملفات، إذ يتصف الحوار أيضا ببطء شديد غالبا ما يكون الهدف منه: * امتصاص غضب الشغيلة وتسويق الصورة الإيجابية للحكومة للرأي العام الخارجي والداخلي بأنها منصتة لنبضات المجتمع وبأنها تنهج سياسة القرب. * ربح المزيد من الوقت، حيث تنهج السلطة العمومية أسلوب المناورة من أجل احتواء المطالب. وهنا لابد من التنبيه إلى أن هذه الأساليب المخزنية العتيقة المرتبطة بالنسق المخزني البائد لم يعد لها وجود في زمن الربيع العربي، فهذه الاختيارات والتوجهات اللاديمقراطية تعكس لنا حقيقة مرة نتقبلها على مضض ألا وهي تغييب المجتمع بمختلف قواه وتنظيماته الأساسية كالنقابات التي غالبا ما تلجأ إلى التنديد بهذه السياسة الارتجالية التي تولد المزيد من التوتر وتصاعد وتيرة الاحتجاجات، ونقد طريق تدبير الحوار الذي تطبعه هيمنة الحكومة على مختلف أطواره، واستفرادها بإعداد مقترحات من خلال تشكيل لجن حكومية دون تشاور قبلي مع الفاعلين الاجتماعيين ودون وجود جدول أعمال أو محاضر موقعة بين الطرفين تحدد القضايا المتفق عليها والقضايا الخلافية وآليات المتابعة. إن هذه الانحرافات تجعلنا نطالب بمأسسة الحوار الاجتماعي للحد من السلطة الأبوية للدولة اتجاه المجتمع، وتتجلى لنا هذه السلطة أيضا في: ج- اقتطاع أجور الموظفين والعاملين بالقطاع الخاص: لا ريب أن لجوء الجهاز الحكومي إلى تنفيذ هذا الإجراء الظالم ينم عن جهل عميق بحقوق الموظف والأجير ما، والتي تقرها المواثيق الدولية والوثيقة الدستورية الجديدة التي تعتبر بمثابة صك الحقوق بمختلف أنواعها ولاسيما الحقوق الاجتماعية، فرفع الحكومة لغة التهديد بالاقتطاع في وجه المضربين والمحتجين المطالبين بحقوقهم المشروعة، غالبا ما يصنف تعسفا وشططا في استعمال السلطة، كما يمثل انتهاكا صارخا للحقوق الاجتماعية، ويعتبر قرارا عدوانيا يطبعه الغلو والتطرف الفاضح الذي يشبه إلى حد كبير موجات التطرف التي أصبحت تجتاح بلادنا في الآونة الأخيرة وهو بمثابة عنف أعمى اتجاه الشغيلة المغربية. لا ريب إذن، أن هذا التدبير الصارم المعتمد لدى حكومة بنكييران يوحي للمتتبع وللمهتم بالشأن العام بأن الحياة السياسية عموما، لم تعد تطبعها المعقولية والجدية، وهذا الاختيار لا يبعث الثقة في البرنامج الحكومي وفي السياسة العامة لبعدها بسنوات ضوئية عن طموحات وآمال الشعب المغربي، فهذه الخرجات الحكومية الطائشة لا تمت بصلة بمعطيات العصر وتحولاته المتسارعة، حيث تنم عن حقد وكراهية عمياء للموارد البشرية المنتجة والفاعلة والمساهمة في إنجاح مسلسل التنمية المستدامة، إذ نعتبرها نوعا من الردة السياسية عن ثقافة الحداثة. لهذا، غدا من الضروري طرح مسألة الحداثة، بحدة لمواجهة المشروع المجتمعي التقليداني والمنظومة السياسية المخزنية القديمة التي ترتكز على أساليب التحكم والإدماج والترهيب والتهديد، والتي ستدفع المضرب إلى إفلاس شمولي وإلى آفاق مسدودة. فالقادم لا يمكن لأي كان تخمينه، فهذا الإجراء الزجري كغيره من الإجراءات الأخرى من شأنه أن يساهم في تهديد أحد ثوابت الدولة الحديثة وهي الأمن، كما يقود الحكومة إلى إلقاء نفسها في مغامرات الحروب الدونكيشوتية غير مضمونة النتائج والتي ستكون لها عواقب وخيمة. هذه التدابير التي يطبعها التخبط والارتباك والافتقار الكلي للتفكير الإستراتيجي الشامل وإلى خطة عمل واضحة ومن شأنها أن تؤدي إثارة الغضب والسخط الشعبي العارم وتقويض دعائم السلم الاجتماعي. لهذا نعتبر أن هذا الإجراء يعد أحد الأخطاء المميتة لحكومة البيجيدي، والتي غالبا ما أضحت تواجه بالرفض الشعبي التام والذي يتجلى في: - تنامي الحركات الاحتجاجية والإضرابات والاعتصامات التي يخوضها العمال والموظفون في قطاعات الصحة والعدل والجماعات المحلية وقطاع التعليم، وتتزعم هذه الحركات ما أصبح يعرف بالتنسيقيات كتنسيقية الأساتذة العاملين بالسلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي حاملي الإجازة، تنسيقية أساتذة الزنزانة 9، تنسيقية أساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية، وتنسيقية المعطلين حاملي الشهادات العليا. - اللجوء الجماعي إلى السفارات: - التهديد بالانتحار الجماعي: في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى إقدام العاملين بإحدى كبريات المؤسسات الصناعية المختصة في صناعة الحديد بمدينة القنيطرة على إحراق ذاتهم بصب البنزين. 2- نهج سياسة التسلط والتحكم: أ- المقاربة الأمنية: صورة معبرة عن النسق السياسي التقليدي لقد شهد المغرب في ظل واقع سياسة العنف والقمع ردة سياسية نتيجة التجاوزات القانونية والدستورية واستفحال خروقات حقوق الإنسان بشكل فظيع، وهذا التوجه يدخل في إطار السياسة الأمنية المتشددة التي تمثل أحد النقط السوداء للتدبير الحكومي الحالي، والتي يبعث على القلق والتذمر والاستياء الشعبي. يمكن القول أن اعتماد المقاربة الأمنية لا تساهم بتاتا في حل المشاكل بقدر ما تزيد في عملية التصعيد والاحتقان الاجتماعي، كما أنها لا تعكس دولة الحق والقانون كما هو متعارف عليه في الأدبيات الحقوقية الكونية ويمكن اعتبار هذا الإجراء اللاديمقراطي أحد الفضائح السياسية التي تعرفها بلادنا إلى جانب الفضائح المالية المتمثلة في انتشار الفساد كتفشي الرشاوي ونهب الأموال العمومية وتهريبها إلى الخارج لاسيما إلى بريطانيا وفرنسا. هذه الخرجات الطائشة بدون شك ستؤدي إلى تهديد أمن واستقرار المغرب وذلك بازدياد منسوب التوتر والاحتقان الاجتماعي بشكل غير مسبوق. إن اعتماد أسلوب القوة اتجاه المحتجين والتنكيل بهم يشكل أحد تجليات الممارسات التقليدانية ذات الطابع المخزني الماقبل الدستور الجديد، إذ لا تتماشى تماما مع التحولات الجوهرية التي يشهدها عالم اليوم والتي طالت بالخصوص المجالات السياسية والحقوقية، لذلك ينبغي التأكيد هنا أن اعتماد هذه الأساليب البائدة يجسد استمرار البنية السياسية العتيقة. إن اللجوء إلى استعمال لغة العصا الغليظة تقود عادة إلى إنتاج الغضب الشعبي العارم المحرك للاحتجاجات التي تتزعمها الحركات الاجتماعية والحقوقية والمدنية المناهضة والمتطلعة إلى إرساء دعائم المجتمع الديمقراطي الحداثي المبني أساسا على الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية والديمقراطية، وأكثر من هذا وذلك تؤكد سياسة القمع طغيان العقلية الأمنية المتشددة في المسرح السياسي المغربي واستمرار تواجد جيوب المقاومة للتغيير الديمقراطي، كما تكرس عجز السلطة العمومية عن معالجة الأوضاع الاجتماعية بنوع من الرزانة والحكمة. لا ريب أن كل الإجراءات الاستثنائية المتخذة تقدم لنا صورة جلية عن واقع الدولة المتحكمة والمستبدة، كما تجسد لنا بالملموس صعوبة التأقلم مع التحولات الديمقراطية الدولية والإقليمية والتي للأسف الشديد، لم يستطع الكثير من المسؤولين المغاربة استيعابها، وذلك بلجوئهم إلى اتخاذ تدابير لا تقل خطورة عن التدابير السابقة، ومن أبرزها رفع أسعار المحروقات. فما هي مبررات هذا التدبير اللاشعبي ؟ ب- رفع أسعار المحروقات: صورة واضحة عن فشل السياسة العمومية يأتي هذا القرار اللاشعبي في ظل أوضاع جد معقدة ومتأزمة وظرفية حساسة تعيشها بلادنا، إذ شكل صدمة عنيفة لعموم المواطنين، كما كان له وقع الزلزال العنيف على جيوبهم سيساهم دون شك في إضعاف الاستهلاك الأسري من جراء الارتفاعات الصاروخية لأثمان المواد الأساسية وخدمات النقل والتي باتت تثقل كاهل المواطنين البسطاء. إن هذا التدبير يضرب القدرة الشرائية في العمق، لهذا نعتبر أن هذا الإجراء يشكل وصمة عار على جبين الحكومة باعتباره لم يراع تماما الوضعية المعيشية للمواطنين الذين يعانون من الفقر والهشاشة الاجتماعية، حيث نجد نسبة 12 % منهم يعيشون تحت عتبة الفقر. فكيف يمكن تبرير فضيحة رفع الأسعار ؟ لاشك أن اعتماد قرار رفع الأسعار يشكل رهانا فاشلا سيساهم بشكل كبير في تعميق اختلال التوازنات الاجتماعية وتهديد الأمن والاستقرار، ورغم انعكاساته السلبية، فإن الحكومة تدافع عنه بشراسة بإصدار مغالطات وحقائق مزيفة وتبريرات واهية متمثلة في دعم صندوق المقاصة لأن هذا الأخير عرف ضعفا كبيرا في موارده المالية. إذن، لمواجهة مشكلة الخصاص، لجأت حكومة البيجيدي إلى رفع أسعار المحروقات الذي شكل إجهازا سافرا على الواقع المعيشي للفئات المستضعفة خصوصا في فترة حرجة تتطلب عدة مصاريف بسبب العطلة الصيفية وشهر رمضان المبارك. إذ يمكن اعتبار هذه الزيادة الصاروخية في الأثمان أحد الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية التي غالبا ما تكون لها انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية التي تمثل أهم مقوم للنمو الاقتصادي، لهذا كان من الحري على الحكومة أن تتخذ قرار فرض ضريبة على الثروة باعتباره القرار الأكثر رزانة، ولم يجد الفريق الحكومي من تبرير رفض مقترح فرض الضريبة على الثروة سوى كونه صعب التطبيق ولا جدوى اقتصادية له بينما رفع أسعار المحروقات مناسب وله فائدة أكثر، يا له من منطلق تافه! نكتشف مما سبق، مدى التناقض الحاد القائم بين الخطاب الانتخابي الذي تم ترويجه أثناء الحملة الانتخابية وواقع القرارات المتخذة التي تضرب مكتسبات الشعب المغربي، فالإجراءات الحكومية لازالت حبسية ومرتهنة بالضغوط والإملاءات الفوقية، حيث لازال العمل الحكومي لم يصل بعد إلى التمتع بالاستقلالية الكاملة. إن هذه التدابير الارتجالية والمتسرعة من شأنها أن تقود الحكومة إلى إلقاء نفسها في مغامرات دونكشوطية غير مضمونة النجاح. وهنا لابد من إيراد مقولة جد مؤثرة للفيلسوف سقراط: «إنكم تهتمون بثروتكم وسمعتكم ومجدكم، ولكنكم لا تهتمون بفضيلتكم وروحكم»، ويمكن إضافة العبارة التالية: «والبسطاء والمستضعفون». ما أريد التأكيد عليه هنا، أن انتقادي للعمل الحكومي وملاحظاتي الوجيهة حوله، لا يدخل في باب العراك وشن الحروب كما قد تفهم بعض العقول الصغيرة، بقدر ما نتوخى تقويم انحراف الحكومة وإرجاعها إلى السكة الصحيحة خدمة لمصالح العباد والبلاد. وهنا لابد من الإقرار أن إجراء رفع الأسعار شكل علامة بارزة على إفلاس المشروع الحكومي، فالسلطة العمومية تعمل للأسف الشديد على تنفيذ مخطط تدميري لتطلعات وآمال فئات عريضة، وضرب كل المكتسبات المشروعة وإجهاض أحلام كل القوى التواقة للتغيير. يتعين على الدوائر الحكومية أن تتحلل من كل سياسة مشينة لا تخدم بتاتا المواطنين، وتفضي إلى اختلال أمني واضح. II- كيفية المعالجة: البدائل والحلول لاشك أن نجاح أية سياسة عمومية حقيقية رهين بتوفر رزمة من الشروط الموضوعية الكفيلة بتحقيق النقلة النوعية، ومن أهمها: - التوفر على إستراتيجية واضحة المعالم وعلى خطاب خال من أي لبس وغموض يكون بعيدا عن الشعبوية واللغة الخشبية ومتعاليا عن الخطب العصماء والشعارات الرنانة والوعود الكاذبة. - الالتزام ببنود الاتفاقات والعهود تماشيا ومبادئ الشريعة الإسلامية والأدبيات الكونية. - التحلي بالأخلاقيات السياسية النبيلة المبنية على النقد الذاتي الموضوعي والبناء، والتحلي بالمرونة والابتعاد الكلي عن الانفعالية وعقلية العشيرة والقبيلة التي لا تخدم بتاتا قضايا الجماهير الشعبية، إذ تمثل داء السرطان المميت الذي يحتوي على أورام خبيثة مدمرة للدولة. - اعتبار هذه الزيادة الصاروخية في الأثمان أحد الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية التي غالبا ما تكون لها انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية التي تمثل أهم مقوم للنمو الاقتصادي. - احترام المنهجية الديمقراطية المبنية على الحوار الجاد والمسؤول والاشتراك والتشارك. - الارتباط الوثيق بقضايا وهموم المواطنين. - حرية تبني الاختيارات واستقلالية القرارات مما يستدعي الحكومة الاجتهاد في عملها بعيدا عن لغة التعليمات والإملاءات الفوقية، فخطاب الحرية والاستقلالية يحول الحكومة إلى كيان عقيم ومشلول. - الابتعاد عن ثقافة الترضيات للفرقاء السياسيين والاجتماعيين. هذه جملة من المقترحات التي نعتبرها في رأينا المتواضع ضرورية لإنجاح السياسة العامة وتجنب الدخول في دوامة من الأزمات.