إن كانت ممارسة مجلس المستشارين القائم حاليا, للاختصاصات المقررة لمجلس المستشارين والواردة في دستور 29 يوليوز 2011 لا تثير اية اشكالية وذلك انطلاقا من التفعيل الآني للدستور الجديد. خاصة ان هذا الاخير حدد في الفصل 176 فترة انتقالية لكل من مجلسي البرلمان الى حين انتخابهما الكاملين، وفق القانونين التنظيميين الجديدين المكملين للدستور المذكور،و الذي سبقت الموافقة عليهما وصدر الظهيرين الخاصين بتنفيذهما وذلك في الولاية البرلمانية السابقة على انتخابات مجلس النواب الجديد ليوم 25 نونبر 2011. وبالنسبة لمجلس المستشارين القائم حاليا. جاءت المادة 98 ضمن الاحكام الانتقالية والمختلفة للقانون التنظيمي رقم 11 - 28 المتعلق بمجلس المستشارين والمنعقد بالظهير الصادر في 21نونبر 2011لتؤكد في فقرتها اثانية أنه" "بصفة انتقالية، يؤهل مجلس المستشارين القائم في التاريخ المذكور (تاريخ نشر هذا القانون التنظيمي في الجريدة الرسمية والذي كان بالفعل يوم 22نونبر 2011 في العدد رقم 5997 مكرر) لممارسة الصلاحيات المسندة الى مجلس المستشارين بموجب الدستور الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 91 - 11 -1 بتاريخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليوز 2011 ) وفق الشروط والكيفيات المحددة فيه«" وهكذا اصبح مجلس المستشارين القائم حاليا يمارس الاختصاصات المخولة لمجلس المستشارين في دستور 2011 عوض الاختصاصات التي كانت مخولة له سابقا في دستور 1996 ويندرج ذلك في انطلاق تفعيل دستور 29 يوليوز 2011 بعد صدور الأمر بتنفيذه بالظهير الصادر في هذا التاريخ. وخاصة منذ يوم صدوره بالجريدة الرسمية يوم 30 من نفس الشهر المذكور. وبطبيعة الحال، لازال تفعيل الدستور مستمرا وسيبقى كذلك الى حين مراجعته او تعويضه بدستور جديد. ويقتضي هذا التفعيل من بيان يقتضيه ايجاد حلول للاشكاليات التي يطرحها عدم تجديد تكوين مجلس المستشارين القائم حاليا. وذلك على أساس ان يكون حاضرافي اذهاننا, في نفس الوقت, التأويل الديمقراطي لدستور 1996 فيما يتعلق بالتركيبة الحالية لمجلس المستشارين القائم حاليا. والتأويل الديمقراطي لدستور 2011 فيما يتعلق باختصاصاته. والغاية المبتغاة من هذا التأويل الديمقراطي هو العمل على تقليص اكثر ما يمكن للفترة الانتقالية التي جاء بها الفصل 176 من الدستور، بالنسبة لاستمرارية وجود مجلس المستشارين القائم حاليا في تكوينه العددي الخاضع لدستور 1996 وذلك بالتفعيل الفعلي والديمقراطي لدستور 2011 فيما يتعلق بمجلس المستشارين تكوينا واختصاصا. ونرى ان تحقيق هذا الهدف يجعلنا نتجنب عواقب الاشكاليات التي قد يطرحها عدم تجديد ثلث الاعضاء الحاليين لمجلس المستشارين، في انتظار التجديد الكامل لكل اعضاء هذا المجلس وفق المقتضيات الواردة في دستور 2011 والاجراءات التطبيقية له الواردة في القانون التنظيمي رقم 11 - 28 المتعلقة بمجلس المستشارين. ومن المفيد أن تعرض بعض الاشكاليات التي تظهر لنا الآن, وننبه اليها في هذه التأملات لفتح حوار ونقاش بشأنها والدفع الى توضيح البعض منها من قبل من يهمه امر ذلك، من باحثين وفاعلين سياسيين، ليتم الحرص من قبل الجميع على احترام الشرعية الدستورية لمؤسساتنا البرلمانية والتي يكون مجلس المستشارين جزء لا يتجزء منها. ونقترح أن نعرض لهذه الاشكاليات التي تظهر لنا حاليا في الامور التالية: I - المرجعية الدستورية للتكوين العددي بمجلس المستشارين بعد افتتاح البرلمان يوم الجمعة الثانية (12 أكتوبر 2012) كان من المفروض ان تشهد الجمعة الثانية من اكتوبر 2012 افتتاح برلمان جديد بمجلسيه، اذ بعد انتخابات مجلس النواب السابقة لاوانها يوم 25 نونبر 2011 كان من المنتظر ان يتم تجديد كامل لأعضاء مجلس المستشارين في حلة جديدة انطلاقا من دستور 2011 واعتمادا على القانون التنظيمي المذكور رقم 11 - 28 وذلك تنفيذا للتوجيهات الملكية في خطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2011 الذي قدم جدولة لمختلف الاستحقاقات الانتخابية انطلاقا من مجالس الجماعية الترابية إلى مجالس الغرف المهنية ثم انتخاب ممثلي المأجورين على اساس ان تنتهي السلسلة بانتخابات مجلس المستشارين غير المباشرة قبل متم سنة 2012 ولقد سبق لنا في تأملات سابقة في السنة الماضية، على هامش تحضير الانتخابات السابقة لأوانها لمجلس النواب، أن اقترحنا أن نختم تلك الانتخابات بالتجديد الكامل لأعضاء مجلس المستشارين قبل نهاية شتنبر 2012، ليتم افتتاح البرلمان بمجلسيه المتجددين يوم الجمعة الثانية، يوم 12 أكتوبر 2012. المهم أن الواقع لا مفر منه، وما وقع وقع. فبالرغم من التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش لسنة 2011، وبالرغم من صدور القانون التنظيمي الجديد لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين في حلته الجديدة الواردة في دستور 2011، وبالرغم من صدور المرسوم بقانون رقم 2-12-88 بتاريخ 15 مارس 2012 ونشره (في ج ر عدد 6030 بتاريخ 15 مارس 2012، ص 941)، والمتعلق بتطبيق المادة 98 من القانون التنظيمي المذكور، كما أن البرلمان وافق على القانون رقم 27-12 القاضي بالمرسوم على ذلك المرسوم بقانون، وصدر أخيراً الظهير رقم 1-12-35 بتاريخ 4 شتنبر 2012، بتنفيذ هذا القانون الأخير. وتم نشره في الجريدة الرسمية (عدد 6085 بتاريخ 24 شتنبر 2012، ص 5195). ونذكر أن هذا المرسوم بقانون جاء ليفتح الباب لإنهاء مدة انتداب مختلف الأعضاء المنتخبين المزاولين مهامهم في مختلف الهيئات المنتخبة التي يعتمدها مجلس المستشارين للانتخاب غير المباشر لأعضائه، والمتمثلة سفي أعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم وأعضاء المجالس الجهوية، وأعضاء الغرف المهنية وممثلي المأجورين، وتمت إحالة تحديد تاريخ إجراء مختلف الانتخابات إلى نص تنظيمي (المادة الأولى من المرسوم بالقانون المذكور) والمادة الرابعة بالنسبة لتحديد تاريخ انتخاب ممثلي المأجورين، وفي المادة الخامسة بالنسبة لتحديد تاريخ انتخاب أعضاء الهيئة الناخبة للمنظمات المهنية للمشغلين. وحسب علمنا، لم يتم لحد الآن صدور أي نص تنظيمي يحدد أي تاريخ من تلك التواريخ. إذن يومية الانتخابات الخاصة بمجالس الجماعات الترابية ومجالس الغرف المهنية وممثلي المأجورين وأعضاء الهيئة الناخبة للمنظمات المهنية للمشغلين، لازالت غير معروفة لدى العموم، وعلمها عند الحكومة المختصة بإصدار النصوص التنظيمية المذكورة لتحديد مختلف تلك الانتخابات الواردة في المرسوم بالقانون المذكور. وبالتالي، يبقى تاريخ إجراء وتجديد انتخابات مجلس المستشارين بكامل أعضائه غير محدد، وعلى أية حال، لن تتم تلك الانتخابات قبل افتتاح الدورة البرلمانية يوم الجمعة الثانية: 12 أكتوبر 2012. إذن الإشكالية المطروحة هنا، هل سيتم استدعاء ثلث أعضاء مجلس المستشارين الذين أنهوا مدة انتدابهم المحددة في تسع سنوات، وذلك قبل افتتاح الدورة البرلمانية يوم الجمعة 12 أكتوبر 2012؟ أم هل سيكتفي باستدعاء الأعضاء الآخرين الثلثين الباقيين، يعني الثلث الذي قضى ست سنوات، والثلث الذي قضى ثلاث سنوات، على أساس أن مقاعد الثلث الأول تعتبر مقاعده أصبحت شاغرة، لأن أعضاء ذلك الثلث أصبحوا في حالة تنافي بعد قضائهم لمدة تسع سنوات كأعضاء بمجلس المستشارين، إذ تم انتخابهم بهذه الصفة يوم 6 أكتوبر 2003، وذلك لأن الفصل (38) من دستور 1996، المطبق على النازلة، يحدد بصريح النص في مستهل الفقرة الثانية منه، على أنه" »ينتخب أعضاء مجلس المستشارين لمدة تسع سنوات ويتجدد ثلث المجلس كل ثلاث سنوات«" II تجديد الهيئة الناخبة داخل مجلس المستشارين الحالي لتجديد هياكله نذكر أنه تطبيقاً للفقرة الثالثة من نص الفصل (38) من دستور 1996 المطبق في هذه الحالة، فإنه »"ينتخب رئيس مجلس المستشارين وأعضاء مكتبه في مستهل دورة أكتوبر عند كل تجديد لثلث المجلس، ويكون انتخاب أعضاء المكتب على أساس التمثيل النسبي لكل فريق«". إن إشكالية تجديد هياكل مجلس المستشارين بعد افتتاح الدورة البرلمانية يوم 12 أكتوبر، تبقى مطروحة، وتتطلب الجواب عن مجموعة من الأسئلة نتيجة عدم تجديد الثلث المنتهية مدة انتدابه بمرور تسع سنوات على انتخابهم في 6 أكتوبر 2003. إن تجديد الهياكل المذكورة هو إلزامي لاحترام الشرعية الدستورية المقررة في الفصل المذكور من دستور1996. ويكفي الآن أن تطرح بعض الأسئلة التي لا نتوفر على جواب لها اليوم (قبيل افتتاح الدورة البرلمانية ليوم 12 أكتوبر 2012). - هل سيشارك الثلث المتنهية فترة انتدابه في انتخاب تلك الهياكل في حالة استدعائه لحضور افتتاح الدورة البرلمانية القادمة؟ وفي حالة مشاركته، هل يحق لأعضاء ذلك الثلث "»الناجي«" الترشيح لمختلف هياكل مجلس المستشارين القائم حاليا؟ وبالتالي هل يمكن أن يكون الرئيس الجديد لمجلس المستشارين من بين أعضاء ذلك الثلث؟ وهذه ثالثة الأثافي. III- النتائج المترتبة عن تأخير انتخاب مجالس الجماعات الترابية وباقي الهيئات الناخبة لتجديد مجلس المستشارين بكامل أعضائه بالرغم من صدور القانون التنظيمي رقم 59-11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية والمنفذ بالظهير الشريف رقم 1-11-173 الصادر في 21 نونبر 2011. فإن تلك الانتخابات مازالت تتأرجح في علم السلطة الحكومية المختصة بإصدار النصوص التنظيمية المحددة لتلك التواريخ تطبيقا لمقتضيات المرسوم بقانون رقم 2-12-88 الصادر في 15 مارس 2012 والمصادق عليها بالقانون رقم 27-12 المتعلق بظهير 4 شتنبر 2012. كما أشرنا إلى ذلك سابقا. فمتى ستتم تلك الانتخابات؟ هنا يتضارب الهاجس القانوني مع الهاجس السياسي. فإن كان الأساس القانوني واضحا لا إشكالية فيه، يبقى الباعث السياسي عند علم الفاعلين السياسيين أصحاب القرار النهائي. قانونيا، فالمرسوم بقانون المذكور، لم يعقد الأمور، فيحيل في الأساس إلى النصوص القانونية الموجودة حاليا لتنظيم مختلف الانتخابات الخاصة بالجماعات الترابية والغرف المهنية وممثلي المأجورين وممثلي المنظمات المهنية للمشغلين ولم يقر من صدور قوانين جديدة بعد صدور القانون التنظيمي رقم 59-11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية. وبالتالي مع غياب تلك الانتخابات "»الأولية"« لم يمكن انتخاب أعضاء مجلس المستشارين في حلته الجديدة انطلاقا من دستور 29 يوليوز 2011. وبالتالي فهناك تأخير عملي في التفعيل الفعلي لهذا الدستور يتجاوز المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في الفصل (176) من هذا الدستور بالنسبة لتجديد مجلس المستشارين بكافة أعضائه، كا تم بالفعل في انتخابات مجلس النواب ليوم 25 نونبر 2011 . ولعل تأخير انتخابات مجالس الجماعات الترابية. والتي تعتبر القاعدة الأساسية لمختلف الهيئات الناخبة لتكريس مجلس المستشارين بصفة غير مباشرة جاء نتيجة تأخير آخر، يصنع هو الآخر إشكالية أخرى. IV عدم إتمام تطبيق نص الفصل (146) من الدستور الحالي بالقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية من المعلوم، أن تأويل الفصل (146) من دستور 29 يوليوز 2011 يطرح بنفسه إشكالية خاصة به، يعني هل تفرض مقتضياته صدور قانون تنظيمي واحد يتعلق بكل ما تتطلبه الجماعات الترابية من تقنيين. أو أن الأمر يتطلب مجموعة من القوانين التنظيمية لتقنين مختلف المجالات المختلفة بتلك الجماعات الترابية والمحددة في نص الفصل المذكور. تبعا للتأويل الأول، يكون الدستور الحالي يتوفر على تسعة عشر (19) قانون تنظيمي، ومع التأويل الثاني، يكون نفس الدستور متطلبا لأكثر من 19 قانون تنظيمي. يظهر أن المشرع المصدر للقانون التنظيمي رقم 59-11 والمنفذ بالظهير رقم 1-11-173 بتاريخ 21 نونبر 2011 قد اختار التأويل الثاني لنص الفصل (146) من الدستور. وأصدر بالتالي القانون التنظيمي الأول المعتمد على الفصل الأخير وخصص مضمونه حصريا لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية. هكذا، فمن المحتمل أن يتم الاكتفاء بصدور قانون تنظيمي ثاني يتضمن مختلف المقتضيات المتبقية في نص الفصل (146) المتعلق بالجماعات الترابية. أو من الممكن أن تصدر مجموعة من القوانين التنظيمية في الموضوع، يختص كل واحد منها بالجوانب المكونة والمتعلقة بالجماعات الترابية، يعني هل سيخصص لكل نوع من الجماعات الترابية قانون تنظيمي خاص بها، كما كان الأمر سابقا، وهل يخصص لمالية هذه الجماعات الترابية قانون تنظيمي منفصل عن القوانين التنظيمية الأخرى. المهم، الآن لا يمكن لنا أن نجيب عن الإشكالية المطروحة في التأخير في تطبيق مضامين الفصل '146) من الدستور الحالي ولكننا نستطيع أن نجيب عن السؤال التالي: كم عدد القوانين التنظيمية المنصوص عليها في دستور 2011؟ بالقول الله أعلم بذلك. وذلك بعد أن سبق لنا أن أحصيناها في قراءتنا لمشروع الدستور في تسعة عشر (19) قانونا تنظيميا. وحتى لا نضع إشكالية جديدة، فنحن لا نرى مانعا ولاضرر في وجود مجموعة من القوانين التنظيمية لتفعيل مضمون الفصل (146) من الدستور، على أساس أن يتم جمع مختلف هذه القوانين التنظيمية في مدونة جامعة تمس »"مدونة الجماعات الترابية"« على غرار باقي المدونات الموجودة. لا يمكن أن نقف عند طرح الإشكاليات والتنبيه الى مصاعبها, من المفيد بل من اللازم، أن نعزز هذا الرأي في موضوع الشرعية الدستورية لتجديد أعضاء مجلس المستشارين الحالي، بطرح للنقاش ضمن هذا الرأي بعض التصورات التي نراها ممكنة أو محتملة للحفاظ على الشرعية الدستورية المنشودة في تكوين مجلس المستشارين. وذلك في التأملات القادمة. (يتبع)