من تونس إلى سوريا، كان دور الجهاز العسكري عنصرا مُفاجئا في الثورات. ففي تونس و القاهرة، تم الترحيب بالجيش من طرف الجماهير، بينما يواصل الجيش في سوريا سحق الانتفاضة الشعبية. «ناثالي غيبير» غداة الثورات العربية، ما هو الدور الذي ستلعبه الجيوش الوطنية في ليبيا و تونس و مصر؟ السؤال مفتوح. «نحن نشهد العودة الكبرى للجيوش العربية إلى مقدمة الساحة السياسية»، بهذا تجيب «فلورنس غوب»، الباحثة في معهد الدفاع التابع للحلف الأطلسي، التي كانت تشارك، في نهاية سبتمبر الماضي، في مناظرة حول الموضوع في «رين». سلبيا كان أو إيجابيا، فإن عمل الأجهزة العسكرية كان حاسما في الأحداث المندلعة منذ أحداث 2011 .غير أن «تصرف الجيوش كان عنصر مفاجأة للثورات، فلا قوة تصرفت كما كنا نفكر» تقول هذه الباحثة. لفهم ذلك ينبغي ملاحظة الانسجام القبلي لهذه القوات في كل من هذه البلدان.»فالنظام الذي لا يثق في جيشه يعرقل انسجامه خوفا من انقلاب عسكري، فلذلك يستند إلى هويات قبلية أو يخلق بنيات عسكرية موازية و مؤسسات رقابة على الجيش أو يشكل وحدات صغيرة خاصة جدا». المفتاح الثاني لفهم الوضعية هو العلاقة بين الجهاز العسكري و الشعب.فهناك الجيوش التي يكون ولاؤها للنظام ? كما في ليبيا و سوريا و كذا في البحرين و الجزائر- و هناك الجيوش التي يكون ولاؤها للدولة ?مصر و تونس و العراق- و بعض هذه الجيوش كان أداة قمع في يد الاستبداد و لو أنها قدمت تاريخيا باعتبارها قوات علمانية في خدمة الشعب. إذا رأيناه من الخارج، فإن الجيش الليبي كان يبدو قويا،إلا أن الواقع أنه كان مهمشا و منزوع السلاح أمام وحدات خاصة تابعة للعقيد معمر القذافي على غرار اللواء 32 التابع لخميس أحد أبناء القذافي. و قد أدت عدة محاولات انقلابية ضد القذافي إلى عمليات تطهير واسعة في صفوف الجيش. و هكذا ففي 2011 ، فقط الوحدات الخاصة للنظام هي التي حاربت حتى النهاية، بينما فر آلاف الجنود منذ بداية التمرد مما سرع من تهالك الجيش. و في هذا السياق يقول سعيد حداد الباحث في «سان سير» أن «الجيش الليبي، كما كل الفئات الاجتماعية قد عانى من سياسة التفتيت التي قادها النظام، و لذلك فإن إعادة وحدة الجيش على أساس وطني ستكون مهمة عسيرة». و في هذا الإطار تواصل الحكومة تفويض جزء من مهام الأمن على الميليشيات (الكتائب) التي يتراوح عددها ما بين 100 و 500 كتيبة يبلغ مقاتلوها في مجموعهم ما بين مائة ألف و مائتي ألف.و يبدو أن حركة المأسسة هاته لا تتجه نحو النجاح، و الدليل هو أحداث بنغازي الأخيرة. أما في تونس،فإن الجيش تم اقصاؤه من القضايا السياسية . و قد ظهرت هذه القوة الجمهورية المكونة من 27 ألف جندي، منذ بداية المظاهرات في منتصف دسمبر 2011 ،كقوة حامية للشعب ضد شرطة عنيفة و مكروهة، كما يقول الأستاذ بكلية العلوم الإنسانية في تونس الهادي خضير مضيفا أن «الأطروحة التي تقول أن الجنرال رشيد عمار قائد الأركان العامة، رفض أمر إطلاق النار على الجماهير، قد انتشرت بسرعة». و منذ 15 يناير، انتشرت في الفيسبوك صور تعظم الجيش و تطالب باختيارها «جيش سنة 2011». تم احترام حظر التجول، و تشكلت لجان أحياء لمساعدة الجيش لأنه لم يتمكن من الانتشار فيكل الأمكنة. و أصبح الكابورال السابق رشيد عمار الذي رقاه زين العابدين بنعلي جنرالا سنة 2002، بعد حادثة هيليكوبتير غامضة أودت بحياة 17 جنرالا، بطلا، لكن ابتداء من شهر مارس بدأت الانتقادات توجه حول الدور الحقيقي للجنرالات. و اليوم، يبدي الكثير من التونسيين قلقهم من الدور الذي يمكن أن يقوم به الجيش في المستقبل، خاصة حُيال الإسلاميين لأنه ?كما يقول السيد خضير ? « فالجيش يبدو و كأنه يقول : إذا أردتم من الجيش أن يبقى في ثكناته فأنجحوا انتقالكم الديمقراطي». و في مصر، حيث كان جميع الرؤساء السابقين منذ 1952 ضباطا في الجيش، قبل أن تضع الانتخابات في يونيه الماضي مهندسا ينتمي للإخوان المسلمين، محمد مرسي، رئيسا للبلاد، و هو سيناريو لا زال مفتوحا لحد الآن. ففي بداية الثورة»تردد الجيش حول التصرف الذي سيسلكه لعدة أيام ?كما يقول أمين طرزي أستاذ بالولايات المتحدة- قبل أن يقرر الجنرالات عدم إطلاق النار على الجماهير و هو ما أعاد للجيش سمعة مفقودة منذ خمسة آلاف سنة. و بدا المجلس الأعلى للقوات العسكرية، الذي حل محل مبارك بعد رحيله، شبيها بانقلاب 1952 مع فارق مهم ?يقول الطرزي ? هو أنه هذه المرة سمح بالانتخابات. لماذا؟ بسبب الاتفاق الضمني أو المباشر بين الجيش و حركة الإخوان المسلمين «فهما مؤسستان تلتقيان و تنظران معا للمستقبل، و هما تلعبان معا لعبة القط و الفأر. و السؤال هو من سيُحني الرأس أمام الآخر أولا ؟» و قد شكلت إحالة المارشال طنطاوي وزير الدفاع و عدد آخر من كبار الضباط، على التقاعد، يدخل في إطار هذا الترتيب. كما سمح هذا لجيل جديد من الضباط بالظهور. و حسب أمين الطرزي،»فإن القوات المسلحة في موقع المنتصر.فهي تريد توزيعا جديدا للمهام: تريد هي الأمن و للإخوان المسلمين الجانب الاجتماعي» و من جانبهم يريد الإخوان المسلمون «العمل على المدى البعيد، آملين في تقسيم الجيش كي ينتصر المدنيون خلال بضع سنوات كما حصل في تركيا» و بالنسبة لأمل حمادة من جامعة القاهرة،ليس هناك أي تغيير في النظام المصري القديم: «فالجيش قد أضفت الشرعية على نظام مبارك و قدمت له قاعدة لجلب الوزراءو الموظفين... و هو اليوم يريد أن يتأكد من ضمانة الإخوان كي لا تتم متابعة أعضائه بتهم الفساد و غيرها و لذلك يواصل بسط هيمنته على السلطة الاقتصادية و على القضاء» بيد أن هناك عنصر من شأنه تخريب هذا الترتيب و هو السلفيون الذين حصلوا على ربع المقاعد، فإذا ما شعر الجيش بأن السلطة تتسرب من بين أصابعه فإنه من غير المستبعد اللجوء إلى سيناريو العنف. و في سوريا، إلى أي حد سيساند الجيش بشار الأسد؟فالمنطق العشائري و الطائفي له حدوده أيضا، كما تقول سهام جبي من معهد الدراسات السياسية بباريس.ليس فقط بسبب المعارضات الجهوية و الجيلية و الأيديولوجية التي تنخر الطائفة العلوية نفسها و لكن بسبب تنظيم قوات الأمن و تنافسها مع بنيات الجيش و شراء المناصب و هي كلها عوامل تؤخر اندحار النظام لحد الآن. فالجيوش، التي كانت تعتبر منذ السبعينات جزءا لا يتجزأ من الأنظمة الاستبدادية العربية، باتت تقدم اليوم وجها أقل وضوحا، و بالتالي فإن مسألة المكانة الجديدة للجيش اليوم تنضاف إلى النقط الغامضة العديدة التي يحبُلُ بها الانتقال «الدمقراطي» الجاري حاليا. عن لوموند الفرنسية 7 أكتوبر 2012